عندما يظهر هذا المقال، يكون موعد ضم الأرض الفلسطينية للكيان الاستيطاني قد مرّ فعلا بإعلان أو بدون إعلان لا فرق، لأن عملية الضم الفعلي المتدرج على الأرض تم، منذ وقت طويل، وليس أمام الشعب الفلسطيني إلا التصدي لهذا الكيان الاستعماري الاستيطاني التفريغي الإحلالي، بكافة الوسائل المتاحة والمشروعة، التي تحول احتلال فلسطين إلى مشروع خاسر، سياسيا وأمنيا واقتصاديا وأخلاقيا ومعنويا. أما التعويل على المجتمع الدولي فهو رهان خاسر الآن، وكان خاسرا منذ اليوم الذي تغير برنامج التحرير إلى برنامج تسوية، عندما اعتُمدت النقاط العشر عام 1974.
في جلسة يوم الأربعاء (24 حزيران/يونيو) لمجلس الأمن الدولي، التي خصصت تقريبا لقضية قرار الحكومة الإسرائيلية، ضم ما يعادل 30% من أرض الضفة الغربية، تحدث فيها كل أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر والأمين العام، أنطونيو غوتيريش، ومبعوثه الخاص لعملية السلام نيكولاي ملادينوف، بالإضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، واختتم الجلسة سفير الكيان الصهيوني ووزير الاستيطان سابقا داني دانون، بتلقين الحاضرين درسا من التوراة باللغة العبرية أولا، وقرأ نصوصا تتحدث عن «إلههم»، الذي منحهم الأرض كلها، وبالتالي على جميع الدول أن تلتزم بتعاليم ربهم.
لا شيء يوحد الشعب الفلسطيني إلا المقاومة، ولا يضمن اصطفاف جماهير الأمة العربية والإسلامية وشرفاء العالم، إلا النضال لانتزاع الحقوق
كل المتحدثين ما عدا مندوبة ترامب ومندوب الكيان أكدوا على خطورة قرار الضم وعدم شرعيته، وضرورة إلغائه، لأنه سينهي العملية السلمية المستندة إلى حل الدولتين، وانتهاكه للقانون الدولي، وتوافق المجتمع الدولي على القواعد الأساسية لقيام دولة فلسطينية على خط الرابع من يونيو ـ مع تبادل بعض الأراضي بالاتفاق بين الطرفين ـ وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل للاجئين الفلسطينيين. إن أكثر ما يثير الغثاء هو تكرار الأسطوانة المشروخة مرة وراء مرة في مناشدة المجتمع الدولي، لرفض قرار الضم أو التصدي له، واعتبار الصفقة إنهاء لعملية السلام ونهاية حل الدولتين. كما أن مصطلح التوافق الدولي غير صحيح، فلا يوجد توافق دولي، والمجتمع الدولي غير موجود أيضا، لأنه اختصر في خمس عشرة دولة صانعة القرارات، من بينها خمسة أعضاء تملك حق النقض، ومن بينها الدولة التي دخلت في مواجهة مباشرة مع الشعب الفلسطيني، بعد أن كانت تمثل دور الوسيط. فكم مرة صوّت المجلس بأغلبية 14 صوتا إيجابيا ثم يأتي الفيتو الأمريكي فينسف كل مواقف الدول الأعضاء.
وأرى أن من واجب كل فرد من الشعب الفلسطيني والعربي، الغيورين على الوطن الفلسطيني، الذي يتبخر أمام عيوننا، أن يأخذوا مواقعهم في النضال، ليس ضد الضم فحسب، فقد يتأخر الضم أو يتم بإعلان أو بدون إعلان، بل ضد نظام الفصل العنصري، المدجج بآلات الموت والقهر، والعازم على تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، لإفساح المجال لدولة يهودية خالصة. وهذا يعني بكل بساطة أن لا مكان في هذه الدولة لغير اليهود، ومسألة التطهير العرقي على دفعات قيد التنفيذ الآن. وأرى أن هناك ثلاث خطوات يجب أن نبدأ بها:
أولا- الانسحاب الشامل من أوسلو وتوابعه
يجب أن نقرّ أولا أن هذا المشهد المأساوي الذي تعيشه القضية الفلسطينية الآن، هو حصيلة مسيرة طويلة من عملية تكييف منتظمة، لإخراج الثورة الفلسطينية المعاصرة من نهج التحرير إلى نهج التسوية، التي سهّل العرب لقيادة منظمة التحرير الولوج فيها، ليبرروا خياناتهم المستورة منها والمكشوفة. على القيادة، أو من تبقى منها، أن تقر وتعترف، بأن اتفاقيات أوسلو وما سبقها من رسائل الاعتراف المتبادل (9 أيلول/سبتمبر 1993) وما تلاها من تكوين السلطة الفلسطينية، وما لحق بها من اتفاقيات خطيرة، كاتفاقية باريس الاقتصادية، وأوسلو ـ 2، والواي ريفر، كانت نقطة التحول التاريخية التي نقلت الشعب الفلسطيني وثورته المعاصرة وبرنامج التحرير الذي جسده ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، من حالة مقارعة الكيان والاحتلال، إلى جهاز أمني مهمته الأساسية ضمان أمن الاحتلال. لقد كانت الاتفاقيات بمثابة وعد بلفور فلسطيني، أو نكبة 48 جديدة. الاتفاقية واضحة في كل ما تريده إسرائيل، غامضة تماما عندما يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين. كل ما عرض على الفلسطينيين وعود بأن تكون هناك مفاوضات الوضع النهائي، المتعلقة بحدود الدولة والقدس، وحق العودة والمستوطنات تنتهي عام 1999. ثم اتضحت الأمور بعد خمس سنوات، فلا قامت الدولة ولا تراجع الاستيطان، ولا توقف هدم البيوت، ولا تباطأ تهويد القدس. ظهرت الحقيقة عارية بأن أوسلو عقد عمل لحماية أمن إسرائيل، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
نقطة البداية يجب أن تنطلق من قيام السلطة الفلسطينية بالاعتذار العلني للشعب الفلسطيني، عن المصائب التي جرتها اتفاقيات أوسلو عليه، والانطلاق نحو مرحلة جديدة تبدأ بإعلان وقف العمل بها، والتحلل من تبعاتها وتحويل مسؤولية الاحتلال بكاملها إلى سلطة الاحتلال.
ثانيا- انتخاب مجلس وطني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية
هناك ضرورة لانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد، فالأعضاء الحاليون لا أحد يعرف عددهم، ولم يبق من أعضاء الـ1988 إلا حفنة قليلة تجاوز أصغرهم أواسط الثمانين. والانتخابات يجب أن تشمل كل مناطق انتشار الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية كلها، وبلاد اللجوء، ثم بلدان الشتات. وتجرى الانتخابات العادية حيث أمكن ذلك، وإلا فبالطرق التكنولوجية الحديثة، التي جعلت كل شيء ممكنا. وحيث لا يمكن الانتخاب، يجري اختيار شخصيات وازنة مرموقة، وممثلين عن الشباب والمرأة، ممن لا علاقة لهم بالفساد والمحسوبيات وأجهزة المخابرات. يجب أن يتم تكريس وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان. لإن إحدى خطايا أوسلو الكبرى اختصار الشعب الفلسطيني، بسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، واختصار الحقوق واختصار الأرض. بعد اكتمال إنشاء المجلس الوطني الجديد يدعى للاجتماع لانتخاب لجنة تنفيذية، لا على أساس المحاصصة الطائفية، بل على أساس الكفاءة والقدرة والاستقامة، والاستعداد للتضحية والتاريخ النضالي المشرف. إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الخيمة الكبرى، التي تجمع أطياف الشعب الفلسطيني وقواه الحية. وتفعيل المنظمة عمل جماعي يجب أن يشمل كافة أطياف الشعب الفلسطيني، من دون إقصاء أو استحواذ، ويكون الولاء للوطن، لا إلى الأبوات ولا الأيديولوجيات خارج إطار التحرير.
ثالثا – إقرار برنامج النضال والمقاومة الشاملة
لا شيء يوحد الشعب الفلسطيني مثلما توحده المقاومة، ولا شيء يضمن اصطفاف جماهير الأمة العربية والإسلامية وشرفاء العالم، إلا النضال لانتزاع الحقوق. ولا يسقط الاحتلال إلا المقاومة. وكي لا يذهب القارئ بعيدا في ما أقصده بالنضال والمقاومة، بعد أن أصبح الحديث عن الثورة والكفاح المسلح نوعا من المغامرة والتفكير العدمي، والتطرف غير المقبول، فإنني أقصد بالمقاومة هنا أولا الانتماء إلى حالة ذهنية، تقوم أساسا على مبدأ أن الحقوق تنتزع انتزاعا، وأن صاحب الحق قوي ما دام متمسكا بحقوقه، ورافضا للتخلي عنها، وأن التنازل عن جزء من الحقوق يفتح المجال للاستمرار في تقديم التنازلات. الهدف من المقاومة هو تعديل موازين القوى: هي مقاومة ضد الاحتلال وضد نظام الفصل العنصري، وضد المستوطنين، وضد الجدار وضد الحواجز، وضد التهميش وضد ازدواجية القوانين، وضد مصادرة الأراضي. يجب ألا ننشغل بهدف الدولتين أو الدولة الواحدة، لأنه بعيد التحقيق ولا يمكن أن نحقق شيئا إلا بتغيير موازين القوى، لكي يكون الاحتلال مكلفا ونظام الفصل العنصري أكثر كلفة. المقاومة السلمية المتواصلة والمتعاظمة ستنجز في وقت قصير أكثر بكثير مما أنجزه جماعة «الحياة مفاوضات» خلال 27 سنة.
وأود أن أطرح ثلاثة مجالات للنضال الفوري يمكن أن تكون موضع إجماع فلسطيني ودعم عربي ومناصرة عالمية: تعزيز التحالف مع أنصار القضية في العالم BDS، التوسع في برنامج المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات- العمل على كسر الحصار عن غزة عن طريق قوافل المتطوعين الفلسطينيين والعرب والعالم.
ـ المظاهرات والمسيرات السلمية العارمة والمتواصلة والمنظمة نحو الحواجز أو الجدار أو المستوطنات في كل أرض فلسطين التاريخية. هذه المظاهرات والمواجهات، على كلفتها، ستجلب العالم الشريف إلى جانب الشعب الفلسطيني، خاصة في دول الطوق والحاضنة الشعبية العربية والإسلامية وأنصار العدل والحق والحرية في كل مكان. وأود أن أؤكد على أن الشعب الفلسطيني أمامه الآن أحد خيارين: إما محاولة إنقاذ القضية برمتها، حتى لو كان ذلك على حساب فقدان عدة آلاف لامتيازتهم، أو الاستمرار في النهج الحالي والانزلاق الأكيد نحو الهاوية.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز
اشكرك على صراحتك المعهودة في هذا المقال،،فقد وضعت اصبعك على الجرح ،وبينت كيفية الحل ،بالاعتماد على الشعب نفسه ،فكما قيل ما حك جلدك مثل ظفرك.وفعلا كل دول العالم اشرف موقفا من كثير من الدول المحسوبة على الامة العربية بتبنيها موافف صارمة ضد الهدوان الصهيوني
لقد صدق البرفسور أدوار سعيد ابن الفدس الشريف حين طلب من السيد ياسر عرفات عدم توقيع اتفاقيت أسلو بحيث أنها غير واضحة ولا يوجد فيها تفاصيل كافيه (من له الحق وبما)
تحية طيبة للأستاذ ،، وللجميع
بعد وفاة الرئيس”ياسر عرفات” الذي كان يمثل الرقم الصعب في تاريخ المقاومة الفلسطينية ، كان كصداع دائم لإدارة الإحتلال الإسرائيلي حيث إستطاع التوفيق بين السياسة والعمل المسلح ، بين فتح و حماس ،بعد وفاته إنقسمت المقاومة على نفسها ، وهاهي الآن تعود من جديد بفكر جديد وحرص جديد ، ونتمنى أن تلتحق فتح بحماس هذه المرة وليس العكس ، للبدأ في وضع الخطط اللازمة الفعالة في النظال بكل أشكاله وأنواعه ، وليكن الجميع على يقين أن النجاح يكون حليف فلسطين هذه المرة ، فما من حركة تحررية في العالم مهما كانت قلة إمكانياتها وقلة عدد أفرادها وضعف تسليحها إلا أن الإنتصار يكون حليفها في النهاية،ومهما أخذت ميكانيزمات التعبئة والتهيئة من أشكال إلا أن هناك نقطة يجدر الإشارة إليها هي ضرورة إيجاد طريقة ما للوصول إلى الشعوب العربية الإسلامية مباشرة دون المرور على سلطاتها خاصة دول التطبيع من أجل جمع التبرعات أو ما تحتاجه المقاومة من مستلزمات ،وسوف لن يتأخر أحد عن نصرة القضية الفلسطينية إستناداً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من عاداهم، وهم في رباط إلى يوم الدين، قالوا أين يارسول الله. قال : في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
” لا شيء يوحد الشعب الفلسطيني مثلما توحده المقاومة، ولا شيء يضمن اصطفاف جماهير الأمة العربية والإسلامية وشرفاء العالم، إلا النضال لانتزاع الحقوق. ولا يسقط الاحتلال إلا المقاومة. ” إهـ
نعم للمقاومة بكافة اشكالها, ومنها المسلحة! لم لا؟ هكذا تحررت غزة العزة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لا ارى ان الضم الي يتحدثون عنه سيتم لان ذلك سيبقي القضية مفتوحة وهذا ليس مناسبا للمؤسسة اليهودية في نيويورك ويبدو لي انها مناورة لتحقيق اهداف اخرى هذا بالاضافة لاسباب اخرى
بالمقاومة فقط تستعيد الشعوب المظلومة عافيتها ،منذ إتفاقية أوسلو والشعب الفلسطيني يعاني ولكنه صامد أمام كل الاتفاقيات المسمومة ومهازل سجلها التاريخ ولا يزال يسجلها في صفحة سوداء بلون دم الشهداء ، أعندكم ما تقولون لنا يا من امتلأت جيوبكم وكروشكم ؟
ألم تستحوا من أنفسكم في حين انحنت سنبلة القمح خجلاً أمام إبن شهيد في مخيم منسي ؟
مجال المقاطعة ليس ممكنا فحسب، بل واجب، بل هو الواجب الأول لكل من يريد تحرير فلسطين ومن يقاوم الاحتلال. والمقاطعة ليست للصهاينة وللنظام الأمريكي الذي يرعاهم، بل لكل من يتعاون مع أي منهما: حكومات وشركات وقنوات وأفراد. فإذا قاطعت الشعوب التي تزعم أنها تنصر فلسطين كل هؤلاء سقط المجرمون جميعا، وانتصرت كل الشعوب. أما إذا بقي مجرم يتلقى مديح الشعوب أو تأييدهم أو تبريراتهم بحجة ما يقدمه من بيانات وأموال ومواقف فهذا يعني الرضا العملي بصفقة ترمب التي تعد الفلسطيني بأموال المانحين والمقرضين مقابل تنازله عن أرضه وحقوقه وروايته.
أتفق مع كل كلمة صادقة و مخلصة من كلمات هذا التحليل العميق والبنّـاء واتماثل مع المقترحات التي طرحها للخروج من مستنقع العبث والمراوحة الى ساحات التصدي للضم والتطهير العرقي.