للسنة الثانية على التوالي وبسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة واعتداءات جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، تغيب احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم مهد السيد المسيح، وتقتصر المناسبة المجيدة على إقامة الصلوات والشعائر الدينية. وفي ساحة المهد سوف تختفي شجرة عيد الميلاد ولن تتألق على أغصانها الأضواء، والحال ذاتها سوف تسود في بيت جالا وبيت ساحور ورام الله وأريحا ونابلس وجنين وغزة وسائر فلسطين حيثما تتبع الكنائس التقويم الغربي.
وبالتوازي مع حرمان الفلسطينيين من الاحتفاء بميلاد يسوع واستلهام مقومات الوجود والبقاء والصمود الإنساني من بركات الفادي، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حرماناً أعم واشمل على المؤمنين والحجاج الذين اعتادوا على المجيء من أصقاع الأرض إلى بيت لحم والقدس والأراضي المقدسة. وقبل تاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وبعده، وعلى منوال سياسة تنكيل دائمة، تتضاعف شهراً بعد آخر إجراءات الاحتلال في التضييق على السكان المقيمين والحجاج الزائرين، والتقييد على الحركة والعمل والسياحة وحرية الشعائر، والعزل عن المحيط الفلسطيني والعالم قاطبة. وكان الفصل القسري بين بيت لحم والقدس وعزلها عن الضفة الغربية أحد أبرز وظائف جدار الفصل العنصري الذي أقامه الاحتلال.
ولا يتورع الاحتلال عن تشديد القصف ليلة الميلاد على قطاع غزة عموماً، كما استهدف مجمّع دير اللاتين وكنيسة القديس برفيريوس والكنيسة المعمدانية من دون تفريق بين الأرثوذوكس والكاثوليك، لأسباب تبدأ من تعمد الإجهاز على عدد أكبر من المصلين واللاجئين وفي عدادهم الأطفال والنساء والشيوخ أساساً، وتمرّ بأغراض تطهير عرقي خاصّ بالمسيحيين للإيحاء بأنّ الصراع في غزّة ديني المحتوى بين اليهود والمسلمين، ولا تنتهي عند الأحقاد الدفينة تجاه الارتباط الفلسطيني برسالة المسيح وسردية نزوح العائلة المقدسة من الناصرة شمال فلسطين إلى بيت لحم في الجنوب حيث ولد يسوع في مزود المغارة.
وفي الوقت الذي يشهد تسابق حكومات الولايات المتحدة وغالبية الديمقراطيات الأوروبية على المطالبة بصيانة حقوق الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط عموماً، وفي سوريا ما بعد انهيار نظام بشار الأسد خصوصاً، فإنها بصدد اضطهاد الاحتلال الإسرائيلي لأبسط حقوق مسيحيي فلسطين لا تسكت فقط بل ينقلب صمتها إلى أنساق تواطؤ مباشرة وفاضحة. وآخر الوقائع في هذا الملف كان اقتحام الشرطة الإسرائيلية كنيسة إيليونا التي تديرها فرنسا في القدس، واعتقال عنصرين من الدرك الفرنسي، وتسوية الواقعة من دون عواقب.
وعلى نقيض سياسات الاحتلال في إخماد جذوة عيد الميلاد، فإن المجتمع الفلسطيني بأديانه وطوائفه كافة يحيل المناسبة إلى ميدان حيوي للمبادرات الوطنية الخلاقة وأنشطة التضامن والتلاحم والإغاثة، وتمتين الأواصر وتعزيز أسباب الصمود. وإذ يردد المسيحيون منهم تلك الترنيمة الشائعة التي يقول مطلعها: «ليلة الميلاد يُمَّحى البغض، ليلة الميلاد تُزهر الأرض، ليلة الميلاد ينبُت الحب» فإنهم في الآن ذاته يدركون أن حرب الإبادة الإسرائيلية لا تُمّحى في قطاع غزة، وجرائم الاحتلال في الضفة الغربية وسائر فلسطين لا تهادن يسوع.
*هذا الكيان الصهيوني المجرم الهمجي
لا يعترف بالأديان الأخرى لهذا نراه
يدمر المساجد والكنائس والغرب المنافق
يصمت ولا يدين جرائم الصهاينة المجرمين.
حسبنا الله ونعم الوكيل والله المستعان.