شهِدَت السنوات الأخيرة توالي سلسلة من الإصدارات للنصوص الرّحلية لمؤلّفين من اهتمامات فنّية ومعرفية متعدّدة ووضعيات اجتماعية متباينة، رحالين، روائيين، قصّاصين، شُعراء، نحّاتين، دبلوماسيين، إعلاميين، أنثروبولوجيين، مهندسين، لاجئين، سائحين.. كما تميّزت وجْهاتهم بالتنوّع (أوروبا، أمريكا، آسيا، افريقيا، أستراليا) كما اختلفت مشاغلهم، وجوانب اهتمامهم تبدو في ما أثاروه من ثيمات وقضايا.
ينضاف إلى هؤلاء نص المهندس المغربي عمر أمزرار «يوميات عمر أمزرار بنعمر في اتجاه ألمانيا» الصادر عن منشورات جامعة المبدعين المغاربة للثقافة والفن في الدار البيضاء 2024، الذي يستعيد فيه تجربة هجرته وإقامته في ألمانيا للدراسة انطلاقا من سنة 1990 وقبْلها حين كان يعمل بورشات البناء في الدار البيضاء، ويكشف فيه كيف انتقل من مدينة القنيطرة إلى ألمانيا عبر القطارات مرورا بعِدّة محطات، أوروبية وصولاً إلى مدينتي دورتموند ونويمنستر اللتين أقام ودرس فيهما ونسج فيهما جملة من العلاقات الإنسانية مع مغاربة وألمان وأفارقة وأوربيين وآسيويين وأمريكيين. وما يثيرنا في هذا النص هو ما حرص الكاتب على خلقه من فسحات جديدة من التواصل بين الذات والغير تتجاوز منطق التصادم والمواجهة إلى منطق التواصل والاعتراف بأفضال الآخر.
حتّم تسليط الكاتب الضّوء على تجربته في الهجرة والبحث عن ذاته ونيل حقّه في التّعليم العالي، التّحرك والإقامة في عدّة أماكن والاشتغال في جملة من المهن المؤقتة (تنظيف بقايا الصباغة في شركة لصنع السيارات، غسل الصحون في محل للبيتزا، تدريس اللغة العربية لأبناء بعض المهاجرين المغاربة) ولقاء أشخاص من جنسيات مختلفة، ولاسيما المهاجرين عامة (محمود التركي، عبد الله وعبد القادر ومحمود وأيمن الصوماليين، كاتي المجرية، مصطفى الموريتاني) وبالتّحديد المغاربة الذين قدّم لنا عنهم مجموعة من البورتريهات وعن وضعياتهم في المهجر (عبدو المهاجر السري، والطالب عبدو المراكشي) وكيف يعيشون وما يعانونه من مشاكل كانوا أطراف فاعلة فيها كالتشكيك في الهوية والانتماء والحيرة بين عالمين وثقافتين متناقضتين، وعلاقاتهم مع غيرهم وخلافاتهم مع أبنائهم في ألمانيا وعلاقاتهم بذويهم في الوطن، وتوقّف بالنّقد على مجموعة من سلوكياتهم ومواقفهم، كما سلط الضوء على مصائرهم.
بما أن هذا النص مستعاد من ذاكرة الكاتب، نجده يماثل بين مجموعة من الوضعيات التي عاشها وهو طالب في ألمانيا، من ذلك مقارنته بين إقامته مع طلبة من جنسيات مختلفة في ألمانيا، وإقامته حين كان تلميذا في دار الطالب في مدينة ورزازات. لم يخف الكاتب انبهاره بمجموعة من القيم التي رآها في المجتمع الألماني وعمل على تثمينها؛ كاحترام الوقت، والخروج المبكر للعمل، واحترام الإشارات الضوئية، ونظافة الشوارع، وجمال وجوه الألمان وجدّيتها، وانتظام الناس في سيرهم. لكنه لا يسكت عن بعض المظاهر التي تخدش تلك الصور الإيجابية، كصور المدمنين والمدمنات والمتشردين والمتشردات الليليين في مدينة كولون وهامبورغ وميونيخ وغيرها، وأيضا عن السلوكيات السلبية لبعض المهاجرين المغاربة والعرب والأفارقة.
يصر الكاتب منذ عتبة الإهداء إلى نهاية نصه الرحلي على الاعتراف بأفضال الآخرين عليه انطلاقاً من الأبوين والأخ والأقارب والمهاجرين المغاربة والأجانب والألمان على وجه الخصوص ممن أسدوا له خدمات في التربية والمشورة والإيواء والاحتضان والمساعدة الاجتماعية وتعلم اللغة الألمانية وإيجاد فرص عمل والتسجيل في الجامعة، وفتْحه على العالم الحقوقي كما فعلت معه الناشطة الحقوقية الأمريكية لين، والتضحية من أجل بعضهم حتى بعد مغادرته لألمانيا واستقراره في بلد آخر، كما حصل له مع الزوج الألماني ديانا وأولي وابنهما نوري في مدينة نويمنستر، والحرص على زيارتهم والسؤال عنهم والتواصل معهم عبر وسائل الاتصال الحديثة ومتابعة أخبارهم.
هكذا يجعل عمر أمزرار من السفر عبارة عن مجموعة من اللقاءات الإنسانية، أساسها الكشف عن نضال الكاتب من أجل حقه في الدراسة وكده بغية إثبات ذاته في طريق وعرة المسالك من جهة، وسبل التواصل والتعايش مع الآخرين من جنسيات وأعراق ومعتقدات ومستويات اجتماعية مختلفة من جهة ثانية، والاعتراف بأفضالهم من خلال ما أسدوه له من خدمات والتضحية من أجلهم من جهة أخرى.
كاتب مغربي
من جد وجد ومن زرع حصد وصراحة السي الحاج نموذج ديال الانسان المناضل الذي ضحى بالغالي والنفيس والله سبحانه جزاه خير الجزاء وهو كدلك قدوة لنا ابناء المنطقة في الجد والكد والعمل يسر الله خطاه وتحية للمنبر الإعلامي على هذه الالتفاتة
وجهتان تثيران إعجابي؛ الوجهة الالمانية لاسباب عاىلية وعاطفية وفكرية ولغوية ووالوجهة الايطالية للاشتراك في حوض البحر المتوسط والمشترك التاريخي قديما وحديثا.
قرأت عرضك ووجدت سلاسة في العرض والتعليق. دمت متالقا الرواىئي والناقد والمترجم بوشعيب الساوري.
سيرة ذاتية