الخرطوم ـ «القدس العربي»: تلقى السودان قبل أيام موافقة الولايات المتحدة على ترشيح نور الدين ساتي، سفيراً للخرطوم لدى واشنطن، ما دفع المراقبين إلى التفاؤل بتطبيع العلاقات مع أمريكا ورفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، الإثنين، أن «الموافقة تأتي في إطار تطبيع العلاقات الدبلوماسية السودانية الأمريكية، وترفيعها لمستوى السفراء بعد اقتصارها منذ ربع قرن على مستوى القائمين بالأعمال».
وأكدت على «استمرارها في العمل الجاد لتحقيق أهداف الثورة واستعادة مكانة السودان الدولية». وشددت على أهمية «تبادل السودان المصالح مع الدول الصديقة والشقيقة».
وفي 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن واشنطن والخرطوم تعتزمان تبادل السفراء، بعد انقطاع دام 23 عاما.
خطوة كبيرة
وقال الناطق باسم الخارجية السودانية، السفير حيدر بدوي صادق لـ«القدس العربي» إن «إعلان واشنطن الموافقة على إعادة السفير السوداني وقبولها ترشيح الدكتور ساتي هو خطوة فارقة في ملف إعادة العلاقات والتطبيع مع الولايات المتحدة».
وبيّن أن «هذه نقلة في العلاقات بعد حوالى ربع قرن من عدم التمثيل المتبادل على مستوى السفراء، وهي خطوة كبيرة في طريق التطبيع الكامل، وبالضرورة، في اتجاه رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب».
وأضاف: «ستكون الخطوة المقبلة المرجوة هي تعيين السفير الأمريكي لدى الخرطوم، وربما يكون هذا الأمر الآن قيد التداول في وزارة الخارجية الأمريكية».
وزاد: «السفير ساتي من أكفأ الدبلوماسيين السودانيين، والخطوة المقبلة هي أن يتم تقديم أوراق اعتماده للرئيس الأمريكي ومن ثم مباشرة عمله».
وتابع: « قبول الترشيح خطوة لها دلالتها القوية، ويبقى تقديم أوراق الاعتماد، وهو ما قد لا يتأتى في ظروف إغلاق مطارات العالم والوضع الحالي الذي يحول دون سفر السفير ساتي لتقديم أوراقه أو مباشرة أعماله من واشنطن، لكنه بالطبع سيكون سندا للممسكين بالملف الأمريكي في الخرطوم وفي سفارتنا في واشنطن بالأفكار والنصح والتواصل مع الفاعلين لتسهيل عمله عند وصوله إلى مقر عمله الجديد».
وكان ساتي كتب في رسالة عن مهام عمله المقبلة، مؤكداً سعيه لفتح حوار مع الولايات المتحدة لتحقيق «بناء الثقة وإزالة التركة المثقلة التي خلَّفها النظام المباد على العلاقات بين البلدين، خاصة رفع العقوبات المفروضة على السودان وإزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مما ستكون له آثار إيجابيّة على العلاقات بين البلدين، خاصة في مجال المعاملات المصرفية وتدفق الأموال والاستثمارات».
الناطق باسم الخارجية لـ«القدس العربي»: خطوة فارقة في ملف إعادة العلاقات بين البلدين
وبين أن : «مما يُؤسف له أن وجود السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، حرمه من عون هو في أمسِّ الحاجة إليه للاستفادة من دعم صندوق النقد الدولي للدول الأفريقية لمكافحة جائحة كورونا، وحرمه أيضاً من الإمكانات الضخمة للولايات المتحدة ومن مبتكراتها العلمية والتقنية المتطورة لاستثمار إمكانياته الطبيعية والبشرية الضخمة في المجالات الاقتصادية والزراعية والصناعية والتقنية، وكذلك من الحصول على ميزات إعفاء وجدولة الديون في إطار آلية الهيبك، وأيضاً الحصول على دعم واشنطن للسودان «لمعالجة قضاياه الجوهرية المتعلقة بالسلام والتنمية والبناء الدستوري والمؤسسي، سواء كان ذلك في الإطار الثنائي أم الجماعي الذي تقوم به الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن».
الدبلوماسي المخضرم السفير الصادق المقلي، أكد أن قبول ترشيح ساتي هو «خطوة مؤثرة جدا في استعادة السودان لوضعه الطبيعي في الأسرة الدولية».
وأوضح أن «السودان كان يعاني مشكلة مركبة، هي عزلة دبلوماسية داخل أروقة المنظمات الدولية وسفارات الدول المختلفة، إلى جانب نوعين من العقوبات بعضها أحادي من الحكومة الأمريكية، وبعضها نتيجة لوضع اسم السودان في لائحة الإرهاب، وهي عقوبات اقتصادية أثرت سلباً على السودان».
مهمة صعبة
وأضاف «لن تكون المهمة سهلة بالنسبة للسفير ساتي، لجهة رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، لان ذلك مرتبط بدوائر عديدة ومتشابكة ما بين الكونغرس والخارجية والبيت الأبيض والدوائر الأمنية، ومجموعات الضغط التي ترتبط بقضايا الأقليات والسلام العالمي والحريات الدينية، وهذه التقاطعات ستجعل مسألة رفع العقوبات معقدة، وستستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى عام أو أكثر». لكن المقلي الذي كانت آخر محطاته قبل التقاعد سفيرا للسودان في كندا أوضح أن «السودان سينجح سريعا جدا في إكمال رفع العقوبات الأحادية من واشنطن، وهي مفيدة، ولكن ليست بنفس تأثير العقوبات الاقتصادية في لائحة الإرهاب، كما سيكون طريقه ممهدا لإعادة العلاقات مع دول مؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي مثل كندا التي ترتبط في دبلوماسيتها مع واشنطن ارتباطا وثيقا، لذا أتوقع عودة التمثيل الدبلوماسي قريبا جدا معهم». وحسب الدبلوماسي السوداني المتقاعد السفير عادل شرفي، فإن خطوات التطبيع بين الولايات المتحدة والسودان «صارت قريبة جدا».
وأوضح لـ«القدس العربي» من مقر إقامته في لندن أن» السفير ساتي دبلوماسي وله خبرات قوية وكبيرة، إن كان في العمل الدبلوماسي أو في المنظمات الدولية، واختياره سيساعد في تطبيع العلاقات الأمريكية نسبة لمقدراته الفذة وطريقة عمله غير التقليدية الى جانب خبراته».
وتوقع «تعيين سفير أمريكي في الخرطوم قريباً، وهو الذي بدوره سيقوم بنشاط كبير لتطبيع العلاقات وتذليل العقبات لجهة المشاكل الموروثة من النظام القديم».
ولجهة رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، قال : «تقف أمام السودان عقبات التعويضات للعائلات الأمريكية، إن كان ذلك لجهة ضحايا المدمرة كول، والتي تمت تسويتها، وضحايا تفجير سفارات الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي، والتي تحتاج لعمل كبير من السفير ساتي لتسويتها وفتح الطريق أمام رفع العقوبات».
واستدرك «مع ذلك أتوقع رفع العقوبات آخر هذا العام، مع ضرورة الإشارة إلى أن الولايات المتحدة جادة وراغبة في مساعدة السودان، وهو ما يظهر في دعمها لمؤتمر المانحين الدوليين للفترة الانتقالية، والذي سيعقد اجتماعه التحضيري عبر الوسائط الإلكترونية في باريس، والذي تشارك فيه أمريكا بفاعلية، وسيتم دعم السودان بشكل عاجل إلى حين رفع العقوبات، على الرغم من أن الاقتصاد العالمي تأثر كثيرا بجائحة كورونا، لكن أي أموال أو دعم سياسي للحكومة سيكون بمثابة طوق نجاة في ظل الأزمات الحالية في السودان».