المسيرة العالمية لحقوق الإنسان اصطدمت بازدواجية المعايير، عندما انتهكت إسرائيل حقوق الشعب الفلسطيني فوق أرضه المحتلّة. رئيسة محكمة العدل الدولية جوان دونوغو صرحت في سياق حرب أوكرانيا، بأنه يجب على روسيا الاتحادية أن تعلّق فورا العمليات العسكرية التي بدأتها في 24 فبراير 2022 على أراضي أوكرانيا. وأنّ المحكمة تشعر بقلق عميق إزاء استخدام القوة الروسية، الذي يثير مشاكل خطيرة جدا للقانون الدولي. وعندما تعلق الأمر بفلسطين اعتبرت أنه يجب على إسرائيل أن تتخذ التدابير في حدود سلطتها، لمنع ومعاقبة التحريض العلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. وعلى إسرائيل أن ترفع تقريرا إلى المحكمة بخصوص التدابير المؤقتة المفروضة خلال شهر. هذا هو ميزان المحكمة الدولية، التي خضعت كما يبدو لضغوطات سياسية من الدول الداعمة لإسرائيل في حربها الهمجية على غزة، ما منعها من إصدار قرار يُلزم كيان الاحتلال بوقف فوري لأعمال القتل والإبادة والتهجير.
الشعب الفلسطيني الذي يجابه مشروعا صهيونيا واحدا موحدا، يسعى إلى تهويد وطنه وتصفية قضيته، لا سبيل أمامه لمواجهة حكومة الاحتلال العنصرية المدعومة أمريكيا، إلا بالمقاومة بكل أشكالها، فالوضع غير الصحّي داخل المؤسسات السياسية الأمريكية المساندة بشكل مطلق لكيان الاستيطان والاحتلال، يمنع كُلاًّ من الإدارات الديمقراطية والجمهورية من السعي خلف أفضل المواقف. ويُضيف مشكلةً أخرى إلى التضليل المتنامي الذّي يعتري الخطاب الأمريكي العام. فحوى الأفكار وطبيعة المبادئ الحاكمة للسياسة الأمريكية لم تختلف، ومن الجيّد أن يكشف دونالد ترامب مثلا في الفترة التي حكم فيها، وكذلك جو بايدن عن حقيقة الوجه الأمريكي، عن التكبّر الامبريالي الذي حوّل سياسات واشنطن نحو موقف أكثر تطرّفا تجاه الشرق الأوسط وآسيا أيضا. وهو موقف لا ينفصل عن مركّب الهيمنة العام الذي تمارسه على العالم.
الكيان الاستعماري الصهيوني مستمر في قصف البيوت، وتهديمها على رؤوس ساكنيها، دون أن يحرّك فعله الشائن دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان
كان همّ أمريكا إثر الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة، وما تلا سقوط الاتحاد السوفييتي الاحتكام إلى مبدأ السوق الحرّة، ولكنّه مبدأ يفتح الأسواق أمام الشركات الاستثمارية الأمريكية، ويغلقها أمام الآخرين، على النحو الذي جعل شركات الولايات المتحدة تتمكّن من السيطرة على مجال الإنتاج الطاقي في المنطقة، وأن يقع الشرق الأوسط فيما وقعت فيه أمريكا اللاتينية، عندما فتح الديكتاتور الفاسد خوان فيسنتي غوميز أبواب الدولة على مصارعها لشركات النفط الأمريكية، وأعاق نظيرتها البريطانية تحت توجيه من واشنطن، وسيطرت بفضله صناعة النفط الأمريكية على اقتصاد فنزويلا، التي كانت أكبر مصدّر للنفط حتى عام 1970 قبل أن يتمّ اكتشاف البترول في السعودية وإيران. كاراكاس الآن شريرة في نظرهم مثلها مثل طهران. إيران كانت مصدر خير بالنسبة لأمريكا وفي عام 1979 أصبحت في نظرهم شريرة، بعد أن انسحبت من النظام الإمبريالي، ولم تعد تتّبع الأوامر، كما كان الحال زمن الشاه شرطي واشنطن في الشرق الأوسط.
انزياح المجتمع الإسرائيلي في غالبيته إلى مثل هذا التطرف الفاضح، أسبابه في نظر أمثال عوزي بنزيمان، تقبل فئات واسعة من المجتمع لعقيدة «أبدية الصراع»، وتشرّب الإسرائيليين للفكرة القائلة، إن الصراع مع العرب أبدي ومحتوم ولن ينتهي، ووفقا لهذه العقيدة، فليس هناك احتمالية للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، لأن كراهيتهم لإسرائيل بلا حدود. وهذا الشعور تتبلور على أساسه نظرة أغلبية الجمهور اليهودي للصراع، بمن فيهم الفئة المحسوبة على اليسار، التي تجند محاموها للدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية. والكهانية مثال نموذجي لعملية تطبيع الفاشية والتطرف في إسرائيل، والدفع نحو تديين المشروع الاستيطاني واستدامة الصراع الذي لا يدفع المجتمع الدولي نحو حلّه، بل على العكس من ذلك تعمّقه موجة الشعبوية العالمية في عديد الدول، ونجاحات أقصى اليمين في الوصول إلى السلطة وحصد أصوات انتخابية في أكثر من دولة أوروبية، ومن الواضح أنّ الدعم السياسي والمالي والاقتصادي والعسكري الأمريكي اللامحدود لهذا الكيان، هو أحد الأسباب المهمة لشعور كيان الاحتلال بالحصانة لارتكاب أي جريمة. وهم إلى الآن لا يريدون أن تُنقل الصورة الحقيقية إلى كل العالم في المحاكم الدولية، أو في غيرها من الهيئات الأممية، وجاهزون، للتغطية وتعمية الحقائق وتزييفها. أمريكا وبريطانيا تحديدا، يستميتان في تبرير وحشية الاحتلال وبطشه، ويدعمون محاولاته الدؤوبة واليائسة في إخفاء جرائمه وإسكات صوت الحقيقة. ومن الطبيعي أن يكون جلّ ما يهمّ الغرب الذي زرع كيان الاحتلال في المنطقة، هو تحقيق مصالحه المادية. وهو أمر واضح على امتداد 74 عاما عمر هذا الكيان. ويخدم المشروع الذي التقى حوله الفكر الصهيوني مع الفكر الاستعماري الغربي، وهو تفتيت العالم العربي والإسلامي وخلق الخلافات البينية، وأشكال عديدة من التناقضات. الكيان الاستعماري الصهيوني مستمر في قصف البيوت، وتهديمها على رؤوس ساكنيها، دون أن يحرّك فعله الشائن دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان. وإسرائيل لم تحترم أي قرار، ولم تذعن لأي دعوة وجهتها الهيئات الأممية، ولن توقفها دعاوى المحاكم الدولية الخجولة، فهي تتمادى داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، وإن كانت تقتدي بواشنطن التي ضربت بتقارير محكمة العدل وغيرها من الهياكل الدولية عرض الحائط من أيام الحرب الهمجية التي شنّتها إدارة ريغان على نيكاراغوا، أو غزو بوش لبنما. منذ ذلك الوقت وهم يستخدمون حق الفيتو، وتعضدهم بريطانيا في ذلك، ويقفون صفّا واحدا تجاه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وغيرها من الهيئات التي تتحدّث عن الانتهاك الفاضح للقانون الدولي ولاستقلالية وسيادة ووحدة أراضي الدول. العرض المبتهج للفاشية متواصل، على نحو يعضد ما يحدث ضد شعب عاش خلال العقود السبعة الأخيرة المجازر والاحتلال والعدوان والسجن والتشريد والتمييز العنصري، والعالم يكتفي بمتابعة الأحداث، ولا ينهي صمته الطويل، أو يبادر إلى اتخاذ اجراءات تتضمن إنهاء الاحتلال وتوفير حقوق الفلسطينيين باعتبارهم الأصحاب الحقيقيين للأراضي المحتلة، ووضع نهاية لأطول أزمة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، أزمة في شكل استعمار وحشي واستيطان عنصري حاقد يعد السبب الرئيسي في العديد من الأزمات المتواصلة في المنطقة.
مؤسف أننا أمام وحدات سياسية مكوّنة للنظام العربي على درجة من الضعف والتخلّف البنيوي، وهذا الوضع لن يسمح بمعالجة القضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل. وفي غياب الشرعية لأغلب النظم السياسية، يتلاشى مشروع تطوير النظام الإقليمي العربي، وتفعل إسرائيل ما تريد بالفلسطينيين. ويتجاهل العالم طبيعتها الإثنية العنصرية، ولا يدين مخططاتها التوسعية وسياساتها العدوانية وحروب الإبادة التي تمارسها وفق نهج إقصائي مشبع بالكراهية للعرب. يبقى السؤال: كيف يمكن معالجة النزاعات واستعادة الحقوق المسلوبة، وأوّلها الحق الفلسطيني الذي تعصف به الصفقات الثنائية والمتعددة، وفق المصالح والتفاهمات السرية؟ وكيف لهذه الحداثة في ظل العولمة المتوحشة وأيديولوجيا السوق المنفعية أن تحافظ على جوهرها الإنساني دون تناقضات مفضوحة باتت اليوم مكشوفة أكثر من أي وقت مضى؟
*كاتب تونسي
انها مصيبتنا التي مازلنا نعاني منها وعد بلفور وانهيار الخلافة العثمانية وخيانات بعض من حكمنا علي مر العقود السابقة وبدعم صهيوني وغربي فهم يحكمونا برضى غربي وبعدم اكتراث بوجود شعب عربي يقبل بهذه الامور ولعل هناك مثلان واضح ان الأول كان في عمان والثاني كان في بيروت والحق يقال ان ابناء شعبي في هذه الدول الذين عانوا من الجرائم التي ارتكبوها هؤلاء الخونه فضلوا يحاولون إيجاد الطرق لتخطي هذه العقبات أما عن العار الذي سيلحق بمن يدعم الزعيم النازي نتياهوا فهو أولا وللاسف اولا دعم عربي من ابطال العار الذين يحكمونا وذلك لانهم لم يفعلوا سوي البكاء علي الأطلال فهل يا يا تري يستطيع وهؤلاء فعل المزيد بالتأكيد يستطيعون المزيد لكنهم اهتموا بكراسيهم ولا تستثني أحد منهم لكن اذا نظرنا الي المستقبل القريب فإننا نرى علامات توهلنا للوصول الي نتيجة واضحه إلا وهي ان مستقبل زوال العدو قد أصبح اقرب فدماء الشهداء وجرائم الإبادة الجماعية التي نشاهدها مباشره على شاشات التلفزيون دون عمل حقيقي لمنعها هي التي ستزلزل الأرض تحت أقدام ابطال العار الذين يحكمون
دام حضورك الكريم. شكرا على الاضافة المهمة