رام الله- قيس أبو سمرة: لم تبدِ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أية نية لمراجعة قرارات مصيرية اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بشأن القضية الفلسطينية، من بينها الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل.
غير أنها أعلنت نيتها إعادة فتح القنصلية الأمريكية في مدينة القدس الشرقية، وفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لدى واشنطن، واستئناف المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
وفي 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، اعترف ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وفي 3 أغسطس/ آب من العام التالي، أعلنت إدارته قطع كل المساعدات لوكالة الأونروا.
ورغم ما سبق، ترى القيادة الفلسطينية بأن مواقف إدارة بايدن يمكن البناء عليها، يقابله موقف فصائلي يرى بأن بايدن يصطنع التوازن بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
والثلاثاء، قال المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، أمام مجلس الأمن، إن إدارة بايدن ستعيد تفعيل المساعدات التي علقتها إدارة الرئيس السابق للفلسطينيين.
وأضاف أن بايدن وجّه إدارته لـ”استعادة التواصل الأمريكي الموثوق” مع فلسطين وإسرائيل، بما يشمل إحياء العلاقات مع القيادة والشعب الفلسطينيين التي ضمرت في عهد ترامب.
وأوضح أن الجهود تلك ستشمل أيضا استعادة المساعدات الإنسانية لفلسطين.
وتعد تصريحات ميلز بمثابة أول توضيح رسمي للإدارة الجديدة بشأن سياستها تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ تولى بايدن السلطة في 20 يناير/ كانون ثاني المنصرم.
مسؤول ملف القدس بمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو لجنتها التنفيذية، عدنان الحسيني، قال إن القيادة الفلسطينية تبني على الموقف المعلن لإدارة بايدن.
وأضاف: “ما سمعناه من تصريحات جيد، باستثناء عدم التراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، هناك فرق كبير بين الإدارة الحالية والسابقة، وهذا يدعونا للعمل والبناء على ذلك”.
من جهته، قال عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إن عزم الإدارة الأمريكية استعادة برامج المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وفتح البعثات الدبلوماسية، “خطوة إيجابية، لا بد من البناء عليها”.
وأضاف الأحمد: “نحن على تواصل، من أجل إعادة العلاقات معهم (الأمريكيين)، وخاصة أن ما يطرحونه يطوي صفقة القرن (خطة الإدارة الأمريكية السابقة)”.
لكنه أكد أن القيادة الفلسطينية، متمسكة بعدم قبول أية رعاية أمريكية حصرية لأي مفاوضات سلام مع إسرائيل، وأضاف: “نريد عقد مؤتمر دولي لعملية السلام برعاية الأمم المتحدة”.
وأوضح بهذا الخصوص: “هناك اتصالات بين الطرفين لاستعادة العلاقات”.
ويرى نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قيس عبد الكريم، إن “كل التوقعات تشير إلى أن إدارة بايدن صديقة لإسرائيل، وإن كانت تختلف عن الإدارة السابقة التي تبنت موقفا عدائيا ضد الشعب الفلسطيني في كل المجالات”.
وأضاف: “إدارة بايدن تحاول استعادة الموقف الأمريكي التقليدي، المتصنع بالتوازن بين الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي)، بينما هي منحازة لإسرائيل في العديد من القضايا الجوهرية”.
وأشار إلى أن الموقف الرسمي الفلسطيني يدعو إلى إعادة العلاقات مع الإدارة الجديدة استنادا لتخليها عن تأييد صفقة القرن.
وشدد “عبد الكريم”، على ضرورة التمسك بالموقف الفلسطيني المعلن، بعدم قبول أي رعاية أمريكية لعملية السلام.
وأردف: “ما نريده مراجعة حقيقية لقرارات مصيرية كالتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولجم الاستيطان”.
مصطفى البرغوثي، أمين عام حزب المبادرة الوطنية، قال إنه “من المؤسف أن تقوم إدارة بايدن بالتراجع عن عديد القرارات للإدارة السابقة في عديد القضايا، لكنها لم تنفذ أي قرار بشأن القضية الفلسطينية، بالرغم من بعض التصريحات بشأن مكتب منظمة التحرير والقنصلية الأمريكية في القدس”.
وأضاف: “بدل الحديث العام يجب أن يكون هناك إجراءات على أرض الواقع، بينها إجبار إسرائيل على وقف الاستيطان الاستعماري”، مشددا أنه “لن يكون هناك أي قيمة لحل الدولتين أو المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان”.
وتابع البرغوثي: “إدارة بايدن تتحدث عن حل الدولتين، ما هي الدولة الفلسطينية؟ وما هي حدودها؟ أم مجرد كانتونات بينما تستولي إسرائيل على 60 في المئة من الضفة الغربية”.
وعن تشجيع الإدارة الجديدة على المضي قدما في التطبيع العربي الإسرائيلي، يرى البرغوثي، أن “التطبيع ليس بمعزل عن صفقة القرن وهو مرفوض فلسطينيا”.
ومضى قائلا: “الإدارة الجديدة ستعزز التطبيع العربي الإسرائيلي، وهذا سيكون على حساب القضية الفلسطينية”.
وختم بالقول: “المطلوب قرارات تنفذ على أرض الواقع، التراجع عن القدس عاصمة إسرائيل، والاعتراف بدولة فلسطينية على الحدود المحتلة عام 1967 والقدس الشرقية عاصمتها، ولجم الاستيطان”.
سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات، قال إن “إدارة بايدن تظل امتدادا لنظام مؤسساتي قائم في واشنطن يجعل من الإدارة الأمريكية حليفا استراتيجيا للاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعني أن أي خطوات تجاه القضية الفلسطينية سيكون نابعا ضمن هذا المحدد”.
وأضاف: “هذا يقود إلى أمرين: الأول وهو إمكانية التعديل أو التغير على شكل السياسات والأدوات المستخدمة من قبل الإدارة الجديدة على خلاف إدارة ترامب، وبالتالي هناك مبادرة من إدارة بادين بإعادة افتتاح مكتب منظمة التحرير في واشنطن وربما عودة دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وإعادة الدعم الإنساني عبر الوكالة الأمريكية للتنمية، وربما إعادة فتح الحوار السياسي مع السلطة الفلسطينية”.
والأمر الثاني حسب بشارات، “يتعلق بالقرارات التي لن يطالها المساس والتغيير، وفي مقدمتها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لدولة إسرائيل”.
وأرجع ذلك إلى “طبيعة الرؤية والعلاقة المستقبلية ما بين واشنطن وإسرائيل ولن يحدث أي تعديل عليه”.
وفي التطبيع العربي الإسرائيلي، يرى مدير مركز يبوس، أن إدارة بايدن لن تذهب إلى العمل السريع والظاهري كما عمل ترامب في الشهور الأخيرة من ولايته، إلا أنها لن تمنع استمرار التطبيع وتعزيزه ربما ضمن رؤى وسياسات مختلفة لأن ذلك يأتي ضمن إعادة بلورة للعلاقة الإسرائيلية في الشرق الأوسط والعلاقة مع الإقليم.
واعتبر أن “السياسات الأمريكية لن تتغير كثيرا في جوهرها، وإنما باستخدام الأدوات وطبيعتها وشكلها وربما توقيتها”.
(الأناضول)