قرار اعتماد الإنكليزية في التعليم الابتدائي يثير جدلا سياسياً وأيديولوجياً في الجزائر

حجم الخط
11

الجزائر- “القدس العربي”: عادت المسألة اللغوية في الجزائر لتثير الجدل السياسي والأيديولوجي في البلاد، عقب إعلان الرئيس عبد المجيد تبون اعتماد الإنكليزية في التعليم الابتدائي، بعد أن كانت الفرنسية اللغة الأجنبية الوحيدة التي تدرس في هذا المستوى. وبين متحمس للقرار ومشكك في خلفياته وإمكانية تطبيقه، تعددت الآراء السياسية والثقافية في النظر لهذه الإشكالية.

ما إن تلقت وزارة التربية الضوء الأخضر لاعتماد الإنكليزية في الابتدائي، حتى أطلقت حملة كبرى عبر مديرياتها بمختلف الولايات، تستهدف توظيف 25 ألف مدرس لغة إنكليزية من حملة شهادات الليسانس في هذه اللغة أو شهادات الترجمة. ونظرا للعدد الضخم من الأساتذة المطلوبين، ستكون صيغة التوظيف مقسمة عبر الوظائف الدائمة والتعاقد، حيث يمكن الاستعانة بمدرسين سابقين أو متقاعدين.

وحاليا، تعتبر العربية اللغة الحية الأولى في الجزائر، تليها الفرنسية، بموجب القانون التوجيهي الذي يحكم قطاع التعليم والذي وقّعه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة سنة 2008، في إطار الإصلاحات التي أمر بإجرائها في قطاع التعليم. لكن مع التوجه الجديد، تشير التوقعات إلى أن اعتماد الإنكليزية كلغة حية أولى لن يكون سوى مسألة الوقت، لأن الأمر يتطلب التحضير من أجل تكوين الأساتذة وإعداد البرامج. وبدأ التحول فعليا في خيارات المقبلين على الجامعة، فاللغة الإنكليزية أضحت الخيار الأول في المدارس العليا لتكوين المدرسين، وأصبحت معدلات الدخول إليها مرتفعة، في مقابل تراجع لافت لاختيار الفرنسية.

أطلقت وزارة التربية والتعليم في الجزائر حملة كبرى عبر مديرياتها بمختلف الولايات، تستهدف توظيف 25 ألف مدرس لغة إنكليزية

وإن كان الموضوع في جوانبه الإجرائية قد حُسم أو يكاد، فإن النقاش السياسي والأيديولوجي الذي يصاحبه لم يهدأ. وقال حزب العمال المحسوب على اليسار في بيان له، إنه يحذر من عواقب استبدال تعليم اللغة الفرنسية باللغة الإنكليزية  في الطور الابتدائي، معتبرا القرار عشوائيا. وأبرز الحزب أن قرارات شبيهة في السابق “ترتب عنها انعكاسات وخيمة بالنسبة لعدة أجيال، حيث زعزعت مساراتها التعليمية جرّاء فرض تغييرات ارتجالية تمليها اعتبارات إيديولوجية وبالتالي تفتقد للطابع العلمي”.

وأشار الحزب إلى أن إضافة مادة اللغة الإنكليزية كعنصر انفتاح على الكون لا يمكنه تبرير التخلي عن “غنيمة حرب” ولا زعزعة التلاميذ وبصفة عامة المنظومة التعليمية. وتعبير “غنيمة حرب” يُقصد به اللغة الفرنسية، وهو مصطلح كان قد استعمله الكاتب الجزائري “كاتب ياسين” للتأكيد على وجوب الاحتفاظ بالفرنسية باعتبارها مكسبا للجزائريين. وفي حواره الأخير مع التلفزيون العمومي، أعاد الرئيس تبون استعمال تعبير “غنيمة حرب”، كتأكيد منه أن إدراج الإنكليزية لا يعني التخلي عن الفرنسية، مثيرا بدوره نقاشا عند من يطالبون بدحرجة الفرنسية باعتبارها أداة هيمنة للمستعمر السابق على البلاد.

وفي سياق الجدل المتواصل، عادت زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، مرة أخرى قبل يومين للتحذير من قرار اعتماد الإنكليزية في الابتدائي دون أخذ الوقت الكافي، معتبرة أن الأطفال الجزائريين سيتعرضون لمغامرة لغوية عواقبها وخيمة، على حد وصفها. وقالت حنون إن موقفها ليس أيديولوجياً، ولكن إدراج هذه اللغة دون تحضير، غير مقبول في قطاع يعاني حسبها الفوضى والاكتظاظ والنقص في المدرسين في باقي المواد الأساسية.

وذهبت المتحدثة إلى حد تشبيه هذا القرار باعتماد اللغة العربية في السبعينات كلغة تدريس في المدارس، وقالت إن ذلك ترتب عنه نتائج كارثية على التعليم، لكن القرار كان متفهما في ذلك الوقت؛ لأن التدريس بالعربية كان من متطلبات الاستقلال الوطني، أما اليوم فلا يوجد أي استعجال لإدراج اللغة الإنكليزية بهذه السرعة، وفق قولها. واستغربت حنون كيف أن اللغة الأمازيغية التي هي لغة رسمية في الدستور يتم تهميشها، بينما توفر الإمكانيات للغات أخرى ليست رسمية.

وعكس هذه النظرة، قوبل قرار اعتماد الإنكليزية بحماس كبير من قبل الأحزاب الإسلامية خاصة حركة مجتمع السلم، التي دعا رئيسها عبد الرزاق مقري، مرارا للتمكين للإنكليزية بوصفها أداة انفتاح على العلوم والعالم، واصفا القرار الأخير بالرائع. وقال ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام بالحزب، إن الفرنسية لا يمكنها أن تكون غنيمة حرب، فالأصل ألا ندرس أي لغة إلا بمقدار قيمتها العلمية والأكاديمية والعالمية، والفرنسية ليست كذلك، بحسب تعبيره.

يقول المدافعون عن بقاء الفرنسية، إن جزءا كبيرا من التاريخ الجزائري ووثائق الثورة التحريرية مكتوب بهذه اللغة

وأبرز حمدادوش في تصريح لـ”القدس العربي”، أن “الذين فرضوا الفرنسية على أجيال الاستقلال فعلوا ذلك بخلفية كولونيالية ومواصلة للسياسة الاستعمارية الفرنسية أثناء الاحتلال، فهي استمرارية لذلك الاحتلال الثقافي واللغوي”. ويعتقد المتحدث أن من يصرون على الفرنسية “لا يهمهم التقدم العلمي والتكنولوجي، ولم تنفعنا هذه الفرنسية منذ الاستقلال، وخلفيتهم أيديولوجية بحتة، فهم فرنسيون أكثر من الفرنسيين، بينما هم يعلمون جيدا أن فرنسا الرسمية الآن تعتمد الإنكليزية منذ الابتدائي لاعتقادها أنها لغة عالمية، و80 في المئة من الدراسات الأكاديمية في فرنسا نفسها بالإنكليزية”.

وفي اعتقاد حمدادوش، فإن “تدريس الإنكليزية في الجزائر هو مشروع تحرر لغوي منذ عهد الرئيس هواري بومدين، تبعته محاولة ثانية في بداية التسعينات في عهد الوزير علي بن محمد، والذي تم توريط قطاع التربية في فضيحة البكالوريا لتنحيته على خلفية ذلك التوجه”. وتعود في كل مرة قصة الوزير بن محمد الذي قال إنه أقيل من منصبه في بداية التسعينات لتوجهه لتكريس الإنكليزية في التدريس، وواجه مقاومة شديدة من أنصار هيمنة الفرنسية الذين دبروا له مكيدة لإقالته.

ومما يرفعه المدافعون عن بقاء الفرنسية أن جزءا كبيرا من التاريخ الجزائري ووثائق الثورة التحريرية مكتوب بهذه اللغة، مثل ما قاله الروائي الشهير ياسمينة خضرا مؤخرا في جولته بالجزائر، فضلا عن كونها عامل تواصل مهم في القارة الإفريقية التي تريد الجزائر دخول أسواقها بقوة في الفترة المقبلة.

ويرفض حمدادوش هذه المبررات بالقول: “لا يمكن أن تكون الفرنسية جزء من تاريخنا، وإنما هو تاريخ فرض علينا، ولا إشكال في الفرنسية كلغة مجردة دون حمولة أيديولوجية، والمشكلة ليست في اللغة في ذاتها، ولكن في توظيفها ضد هويتنا وخصوصيتنا، فهي ليست لغة للثراء المعرفي بل هي لغة تزاحم لغاتنا الوطنية وعلى حسابها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ali:

    هذا حلم ان تحقق و مزالت معركة اقتلاع المستعمر متواصلة.

  2. يقول كريم الياس /الجمهورية الفرنسية:

    وفي حواره الأخير مع التلفزيون العمومي، أعاد الرئيس تبون استعمال تعبير “غنيمة حرب”، كتأكيد منه أن إدراج الإنكليزية لا يعني التخلي عن الفرنسية…الرئيس يؤكد انه لا تخلي عن الفرنسية!لانه يعلم علم اليقين ان ادراج الانكليزية من دون دراسة معمقة..و من دون تدرج هو في الحقيقة عمل ارتجالي غير محسوب.

  3. يقول آدم:

    بنيت الحضارة الغربية اليوم على الترجمة وتعلم اللغة السائدة للقوة الرائدة وبالتالي اخذ علومها والبناء عليها,,, كانت القوة الرائدة هي الحضارة العربية الاسلامية,,, واللغة كانت العربية,,,اليوم لغة التكنولوجيا والعلم والبحث فيه هي الانجليزية,, من الجيد اتقانها من اجل التنمية والتطوير,,,, اضافة الى انها الى جانب الفرنسية ستعمل على اضافة مهارات وقدرات وذكاء للطلاب,,, المشكلة في التخطيط وبناء المناهج وتصميمها وهي تثقل على الطلاب بالتخمة المعلوماتية التي تجعلهم غير قادرين على استيعاب اي شيء,,, يجب ان لا يكون هدف المؤسسة والطالب العلامة او الشهادة,, بل عملية اكتساب المعرفة والاستفادة منها في التطبيق العملي,,, يجب التركيز على علم وثقافة المستقبل,,,, اولا،، تقسيم تقييم الامتحانات على ثلاثة او اربعة فصول لا يتم الامتحان فيها الى على مادة الفصل,, عدم اعطاء اي اهمية للعلامات والشهادات,,, يستطيع الطالب التقدم لاي كلية في الجامعة،،، وكل جامعة تقوم باختبار القبول الخاص بها,, فللطالب الحق في دراسة ما يريد,,,,

  4. يقول الحسن:

    يمكن الجزائر الاستفاذة من تجربة رواندا في هذا الصدد.
    “جزءا كبيرا من التاريخ الجزائري ووثائق الثورة التحريرية مكتوب بهذه اللغة،” جزء كبير من تاريخ فرنسا مكتوب باللاتينية وبعدها بفرنسية القرون الوسطى français médiéval, فلماذا لم يحافظوا عليهما واستعملوا الفرنسية الحديثة؟ كل تاريخ تركيا مكتوب بالعربية ومع ذلك بدلوها بالتركية مكتوبة بالحروف اللاتينية

  5. يقول ع الحفيظ:

    مبروك على إخوتنا في الجزائر التحرر الثاني من قيود فرنسا العنصرية، انشاء الله انتم على الطريق الصحيح، وعقبى لنا في المغرب وللتونسيين قريبا انشاء الله.
    أتمنى من الاخوة الجزائريين أن يقفوا وقفة رجل واحد أمام هذا التحدي، وانه لسهل إذا خلصت النيات، أما أولاد وبنات ماما فرنسا، فما عليكم الا التأقلم أو حزم الأمتعة.
    محبكم من المغرب

  6. يقول ع الحفيظ:

    كل من يحاول عرقلة اقخام اللغة الإنجليزية فهو لا يفقه لا فى العلم و التربية او أنه يعمل ضد مصلحة الجزائر و مستقبل ابناءها

    آحى فخامة الرئيس على قراره هدا وسيكون انشاء الله بداية تحول للتخلص من بقايا الاحتلال الفرنسي الغاشم وازلامه فى الجزائر

  7. يقول د/نزيم جبار_بوسطن:

    يجب التخلي تدريجيا عن الفرنسية واستبدالها بالإنجليزية التي هي لغة العلم رقم واحد في العالم. الأبواق التي تنادي بإبقاق الفرنسية هي كمسة أبناء فرنسا المتغلغلة في السلطة في الجزائر مع أبواق الإنفصاليين les Berbéristes الذين رضعوا من حليب فرنسا.

  8. يقول ناظم الزناتي:

    يجب توقيف تعليم الفرنسية في المرحلة الابتدائية وتركها للمرحلة المتوسط والشروع فورا في تعليم الانجليزية منذ السنة الأولى طبعا كلغة أجنبية بل ويحبذ تعليمها حتى حضانات وروض الاطفال بعد العربية ، وهذا غير كافي حيث يجب عرض الكثير من المواد الاعلامية فالافلام والوثائقيات بلغتها الانجليزية الأصلية بدلا من دبلجتها إلى الفرنسية ويا ليتهم دبلجوها للعربية ، الفرنسيون أنفسهم يعلمون أبناءهم الأنجليزية في المراحلة الابتدائية وهي لغة مفروضة في السير الذاتية لطلاب العمل في جل الوظائف التقنية والتجارية والاقتصادية على العموم

  9. يقول موسى الجزائري:

    لكن هل التلميذ في الابتدائي بإمكانه استيعاب 4 لغات االعربية الامازغية الانجلزية والفرنسية

  10. يقول عبد المجيد فرنسا:

    جميع الدول تعتمد على لغتها الرسمية كلغة تعليم من الابتدائي الى الجامعة.
    ثم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية و حتى فرنسا تفعل ذلك.
    فعلى الدول العربية ان تهتم اولا بلغتها وثانيا بالإنجليزية

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية