ترجمت قصيدة كافافي (1863 ـ 1933) هذه إلى لغات كثيرة، منها العربيّة. على أنّي لا أحبّ أن أخوض في ترجماتها العربيّة، وكلّ الترجمات لها وعليها؛ خاصّة أنّنا ننقل عن لغة ثانية (الإنكليزيّة والفرنسيّة) وليس عن اليونانيّة، وإنّما أحبّ أن ألفت الانتباه إلى أنّها كلّها تجمع على هذا العنوان «في انتظار البرابرة»؛ وهو في تقديري عنوان غير دقيق. والمسوّغ لذلك جملة أمور أجملها في ناحيتين: أولاهما لبس لغوي، وثانيتهما سياق شعري مخصوص. وكلمة «برابرة» غير مناسبة لسياق القصيدة، فـ»بربر» هذَى وتكلّم بكلام غير مفهوم، كما في وصف المتنبّي للأسد «ألقى فريسته وبربر دونها»، والبربرة كثرة الكلام والجلبة باللسان، أو التخليط في الكلام، أو الكلام بلا منفعة، أو من غضب ونفور. والبربر في لسان العرب قوم، والبرابرة الجماعة منهم. واللافت حقّا أنّ الكلمة وفدت على الفرنسيّة في مستهلّ القرن الرابع عشر، من اللاتينية «بربروس»، في نوع من سياحة الكلمات، إذ تتحدّر هذه من أصل يوناني. وكانت تعني عند الإغريق الشعوب التي لا تنتمي إلى حضارتهم، والتي يعتبرون لغتها رطانة أو بربرة، ولغة غير مفهومة كما هو الشأن في العربيّة تماما لغة واصطلاحا. وكانت الكلمة تعني عند الرومان الشعوب غير المنضوية إلى سلطتهم.
Berbère/ Barbare ومردّ اللبس إلى الخلط بين:
والأولى تعني بربري [أمازيغي] وأمّا الثانية فلها أكثر من وجه، فهي تعني حسب السياق، الأجنبي أو الأعجمي أو الهمجي المتوحّش أو غير المتمدّن، أو الغريب المنتمي إلى حضارة أخرى، أو الذي يثير الخشية أو الريبة أو الاحتقار. وهذا المعنى هو الذي يناسب قصيدة كافافي، أو هو أمسّ بها رحما. على أنني حرت في ترجمته وتردّدت بين «غرباء» و»أغيار». ثّمّ استقرّ رأيي على الثانية استئناسا بالنصّ الفرنسي، وهو ترجمة عن اليونانيّة، موثوق بها، لمرغريت يورسنار وقسطنطين دوماراس، وإن لم أغفل الترجمات الأخرى.
٭ ٭ ٭
ـ ما الذي نترقّب محتشدين في الميدان؟
يبدو أنّ الأغيار قادمون اليوم.
ـ ولِمَ مجلس الشيوخ خامل لا يحرّك ساكنًا؟
ما الذي ينتظرُ الشيوخ لسنّ قوانين؟
لأنّ الأغيار يفدون اليوم.
ـ أيّ قوانينَ يمكن أن يُجيد وضعها الشيوخ؟
سيفرضُ الأغيار أحكامهمْ، عندما يصلون إلى هنا
ـ لِمَ نهض امبراطورنا باكرا جدّا هذا اليوم
واستوى أمام باب المدينة الكبير،
على عرشه، في أبّهة عظيمة، والتاج يكلّل رأسه؟
ـ من المتوقّع أن يصل الأغيار اليوم
والامبراطور ينتظر رئيسهم،
لاستقباله بنفسه. بل أعدّ رِقّا ليسلّمه إليه
أثبت فيه أوسمة له عدّة أنعم بها، ورتبا عالية خلعها عليه.
ـ لِمَ قُنصلانا الرئيسَان، والحاكمان الشرعيّان يتباهون اليوم
بزركشة تُوجَاتهم الأرجوانيّة؟
لِمَ هم يضعون أساور مرصّعة كلّها بالحجارة الكريمة
وخواتمَ يتلألأ فيها الزمرّد المصقول
لِمَ اليوم هذه العصيّ النفيسة
المرصّعة بمهارة، بالذهب والفضّة؟
لأنّ الأغيار يكونون هنا اليوم
والأغيار تفتنهم أشياء كهذه.
ولِمَ لا يأتي كالمعتاد، خطباؤنا المِصْقعون، ويظهرون أفانينهم؟
لأنّ الأغيار يكونون هنا اليوم
وهم يضيقون بالبلاغة والخطب المملّة.
ـ لِمَ هذه البلبلة؟ لِمَ هذا القلق الطارئ؟
والوجوه كم هي مكفهرّة
ولِمَ أخليت الشوارع والساحات، بهذه السرعة الفائقة؟
والجميع يهرعون إلى بيوتهم، بهيئة قلقة؟
لأنّ الليل أقبل، والأغيار لم يصلوا بعد،
والذين عادوا توّا من الحدود، يؤكّدون أنّه لم يعد هناك أغيار.
وإذن كيف سيكون حالنا بدون الأغيار
إجمالا كان هؤلاء القوم مخرجا ما.