قصص النزوح الجديدة تدمي القلوب.. مواطنون يروون لـ“القدس العربي” مرارة العيش والترحال ونصب الخيام وتوفير الطعام

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة – “القدس العربي”:

يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة، في هذه الأوقات، ظروفا تشابه ما عاشه أجدادهم خلال أحداث “النكبة” قبل 76 عاما، حيث تزداد يوما بعد يوم مشاكل النازحين الجدد، الذين اضطروا لترك أماكن سكنهم قسرا بسبب الهجمات الدامية التي يشنها جيش الاحتلال ضد مدينة رفح، والذين يتجمعون وتزداد أعدادهم يوميا في مناطق غرب مدينة خان يونس ووسط القطاع، والتي كانت بالأصل مليئة بنازحين آخرين إضافة إلى سكانها.

استمرار النزوح

في مخيم النصيرات وفي مدينة دير البلح وسط القطاع، التي عاد إليها أعداد كبيرة من النازحين الجدد، لم يعد هناك فعليا موطئ قدم، وفي هذه المناطق تشاهد التكدسات البشرية في الشوارع والأسواق وقرب مراكز الإيواء، وفي الساحات العامة، التي امتلأت بالخيام.

ولا تكاد تمر شاحنة أو سيارة أو عربة تجرها الحيوانات، في مناطق النزوح الجديدة، وهي تقل أسرا نازحة وأمتعتها، حتى تصل أخرى، تبحث عن مأوى، وقد ازداد عدد هذه الأسر بعد تهديد جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد لمناطق أخرى في رفح، والطلب من سكانها بالإخلاء القسري.

معظم من يصل لا يعرفون أين وجهتهم، يبحثون عن أي مكان يمكن أن ينصبوا فيه خيامهم، وهو ما يكلفهم مشقة كبيرة في البحث، بسبب قلة الخيارات، وزيادة عدد النازحين.

وكان من بين النازحين الجدد مواطنون سكنوا المخيم في رحلة النزوح الأولى، حين قدموا في بدايات الحرب إلى وسط القطاع من شماله ومن مدينة غزة، وقد اضطروا للنزوح إلى رفح، مع بداية عملية عسكرية شنتها قوات الاحتلال ضد مخيمات المنطقة الوسطى في يناير الماضي، وقال سامي حمد، إنه عاد وأسرته للمخيم من جديد، لكنه أشار إلى أن حجم التكدس الحالي في النازحين يفوق الفترة السابقة، وأنه لم يتكن يتوقع ذلك، إذ لم يجد له مكانا في أحد “مراكز الإيواء” التي عادت لتمتلئ فوق طاقتها بأضعاف، ما اضطره لنصب خيمة.

ولا يعرف هذا الرجل الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد كيف سيتدبر أموره، في ظل صعوبة الحياة الجديدة.

ومن يحالفه الحظ منهم يجد مكانا في وقت قصير، من بينهم أسر حجز لها أقارب تلك الأماكن قبل قدومهم، أو نصبت خيامها أمام منازل أقارب أو أصدقاء، وأسر أخرى أرسلت بعضا منها مسبقا، لإيجاد المكان قبل الوصول وحجزه.

وضمن جهود المساعدة، قام نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر أسماء أماكن فارغة عبارة عن ساحات عامة في وسط القطاع، لإرشاد النازحين الجدد للتوجه إليها، والبدء هناك حياة النزوح الجديدة.

وهذه المناطق هي ملاعب وأندية رياضية وساحات عامة، لكن أحد الشبان الذين ينشطون في مخيم النصيرات في تقديم خدمات للنازحين، قال إن ما يتوفر لا يكاد يكفي لعشرات الأسر فقط، وان حارة صغيرة في رفح، حال وصلت إلى هذه الأماكن، ستملأها بالكامل.

وأشار لـ “القدس العربي” إلى أنهم يواجهون مشاكل كبيرة، تحول دون قدرتهم على خدمة النازحين، أصعب من تلك التي كانت في الفترة السابقة، وقال هذا الشاب ويدعى محمود، إن الوضع حاليا أصعب مما كانت عليه الأمور في بدايات الحرب، حين طلب جيش الاحتلال من سكان غزة والشمال التوجه إلى جنوب وادي غزة، لافتا إلى أن عدد النازحين الحاليين في مناطق وسط القطاع أكثر بكثير من السابق.

وفي تلك الفترة، كان النازحون الجدد يتجهون إلى وسط القطاع وإلى مناطق أخرى جنوبا في خان يونس ورفح، وبسبب الهجوم البري السابق على مدينة خان يونس، اتجه نازحو غزة والشمال، ومعهم سكان خان يونس قسرا إلى مدينة رفح، والتي شهدت تكدسا بشريا كبيرا، حيث ظلت تؤوي حتى قبل الهجوم البري الحالي ضدها نحو 1.4 مليون نسمة، غالبيتهم من النازحين، وحاليا اضطرت أعداد كبيرة من رفح للنزوح القسري، بعد توسيع جيش الاحتلال عملياته العسكرية، ومنهم من تنقل في رحلات نزوح كثيرة قبل ذلك.

وكتب أدهم البلتاجي على صفحته على موقع “فيسبوك”، وهو يتحدث عن أحواله الجديدة “نزوح جديد، أصعب شيء في الدنيا شعورك بالعجز وأنك حزين، وكشفت على نفسك وروحك المتهالكتين”.

وهذا الرجل كان يقيم في مدينة غزة، ونزح في بدايات الحرب إلى جنوب القطاع، بناء على أوامر وتهديدات أطلقها جيش الاحتلال في ذلك الوقت.

مهمة نصب الخيام وإيجاد المكان

وبمشقة كبيرة وجد عدنان حمودة الذي وصل في رحلة نزوح هي الخامسة لأسرته إلى إحدى ساحات مخيم النصيرات، وقال لـ “القدس العربي” إنه اضطر لترك رفح خشية من الهجمات العنيفة التي يشنها جيش الاحتلال، وقد كان هذا الرجل وأسرته يقطنون في خيمة مقامة في إحدى مناطق مخيم الشابورة وسط المدينة، ويقول لـ “القدس العربي”: “من يوم ما تركنا منزلنا وإحنا بنقيم (نسكن)، إما في مدرسة إيواء أو في خيمة”.

وعانى هذا الرجل كثيرا في نصب خيمته الملاصقة لخيام نزوح كثيرة في ذلك المكان، والذي كان حتى قبل أيام قليلة، خاليا تماما من أي خيمة أو نازح.

ويوضح أنه قام بفك خيمة نزوحه في رفح، وجلبها معه على متن شاحنة أقلته وبعض جيرانه وعوائلهم إلى مخيم النصيرات، بعدما لم يجدوا مكانا للإقامة في مدينة دير البلح المجاورة.

وساعد الرجال الذين قدموا مع أسرهم بعضهم البعض في نصب الخيام، كما اشترك هؤلاء في بناء “دورة مياه” صغيرة على مقربة من منطقة الإقامة الجديدة.

ويقول عدنان إن السكن في النزوح لا ينتهي بنصب الخيمة، ويشير إلى أمور أخرى تواجه أسرهم في رحلة النزوح، تعيشها كباقي الأسر النازحة، وتتمثل في توفير الطعام والماء، ويؤكد هذا الرجل أن هذا الأمر ليس بالهين.

وفي تلك المنطقة تصل إمدادات المياه للسكان مرة واحدة في الأسبوع، فيما يصطف السكان طوابير طويلة في هذا الوقت لتعبئة جالونات مياه صالحة للشرب من محطة التحلية الوحيدة في المكان.

في ذلك الوقت كانت فتاة تقف بجوار والدها الذي ينصب خيمة نزوح جديدة، لإمضاء فترة النزوح الجديدة، فقالت بحرقة والدموع تنهمر من عينيها “كل يوم نزوح في نزوح، من يوم ما طلعنا (تقصد من مدينة غزة)، وإحنا بنتنقل من مكان لمكان، وين بدنا نروح”، وقد تمنت هذه الفتاة الموت للراحة من الوضع المأساوي الصعب، وقالت إنها كغيرها لم تعد تقدر على سماع أصوات الانفجارات والقصف ومشاهدة الضحايا يتساقطون، وقالت “مش عارفين شو بدوا يصير فينا”.

شح الطعام

وفي السياق، يقول الشاب محمود الذي التقته “القدس العربي” والذي ينشط ضمن فريق خدماتي، إنه منذ يومين يواجهون مشقة كبيرة في توفير الطعام للأسر النازحة، وكذلك للأسر الفقيرة في النصيرات، بسبب زيادة الطلب وقلة المتوفر، ويوضح أن الكثير من الجمعيات والمؤسسات المحلية التي كانت توزع مواد غذائية معلبة، لم يعد لديها مخزون كاف، لافتا إلى أن الأمر هذا سيطال تلك المجموعات الخيرية التي تقوم بتوزيع الطعام المطهو “التكيات”.

وبسبب العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مدينة رفح، والتي جرى في يومها الأول إغلاق معبري رفح الفاصل عن مصر، وكرم أبو سالم الفاصل عن الاحتلال، لم يجر إدخال أي مساعدات إنسانية أو وقود لقطاع غزة، ما ينذر بكارثة كبيرة توقعت المؤسسات الدولية أن تحل خلال أيام قليلة، مع اقتراب نفاد مخزون الطعام والوقود.

وكان مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم غيبريسوس، قال إن كمية الوقود في مستشفيات جنوب قطاع غزة، لا تكفي إلا لثلاثة أيام فقط، ما يعني أن عملها قد يتوقف قريبا.

ويقول الشاب محمود، إنه لم يعد هناك سهولة في توفير الخبز للنازحين وسكان المخيم، بعد توقف المخابز، وإن السكان عادوا لصنع الخبز بمشقة كبيرة على مواقد النار.

وفي مراكز الإيواء، التي تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، يشتكي النازحون من عدم الحصول على المعونات الغذائية الكافية، وحتى قبل النزوح الجديد كانت المساعدات توزع على النازحين مرتين أسبوعيا في أحسن الأحوال، وكانت توزع “الأونروا” أيضا على النازحين خارج المراكز، على فترات متباعدة.

أحد المسؤولين في هذه المراكز جنوب مخيم النصيرات، وطلب عدم ذكر اسمه، لعدم السماح له بالحديث لوسائل الإعلام، أكد أن مخزن المركز خال تماما من أي مواد غذائية معلبة، فيما لا يتوفر لديهم حاليا أي أغطية أو امتعة للنوم، وأن الجميع ينتظر حاليا دخول أي مساعدات لتوزيعها، وقد روى مشاهد مؤلمة كثيرة، لعائلات فقيرة لا تملك المال، تتضور جوعا في تلك المراكز.

الجوع ينهش الأجساد

ويؤكد أنه في حال بقيت أزمة المعابر، فإن الجوع سينهش السكان والنازحين على حد سواء، ويقول إن السكان بالأصل لا يتوفر لهم مخزون من الطعام، بسبب شح المواد التي كانت سلطات الاحتلال تسمح بدخولها خلال فترة الحرب، ضمن سياسات الحصار، فيما قدم الكثير من النازحين بلا أي مواد غذائية، بعدما فروا بأجسادهم من مناطق القصف الإسرائيلي شرق رفح، لافتا إلى أن هناك من النازحين من وصل بدون خيمة، خاصة من كانوا يقيمون في منازلهم أو في مراكز إيواء.

وقد توقع أن يزداد الضغط أكثر على مراكز الإيواء والمناطق الفارغة وسط القطاع خلال الأيام القادمة، بسبب استمرار موجات النزوح من رفح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية