قضايا الفساد في الجزائر: تضامن مريب وسكوت غريب

حجم الخط
3

ما سر التضامن الكبير الملاحظ بين جماعة بوتفليقة في ما بينهم ومع رئيسهم، بمناسبة محاكماتهم الطويلة، سواء تعلق الأمر بالسياسيين، رجال المال والأعمال، أو الشخصيات النافذة العسكرية منها والمدنية، مقارنة بالأحكام الثقيلة المسلطة عليهم، التي وصلت لعشرات السنين، شملت كل أفراد العائلة، كما كان الحال مع جمال ولد عباس وزير التضامن، الذي حكم عليه بعقوبة 8 سنوات، لتصل إلى عشرين سنة بالنسبة لأحد الفارين من الأبناء. الحال نفسه مع عبد الغني الهامل مدير الأمن الأسبق، الذي عوقب بالسجن 15 سنة، هو وثلاثة من أبنائه وابنته وزوجته التي فرضت عليها الرقابة القضائية، في قضية واحدة، في انتظار قضايا أخرى مبرمجة.
الحالة نفسها مع الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي عوقب بـ15 سنة في قضية واحدة، بعد مرور على كل درجات التقاضي، في غياب زوجته وأبنائه الذين غادروا البلد ليتركوه وحيدا أمام مصيره، كما كان الحال مع زميله في المنصب نفسه، عبد المالك سلال، الذي تم الحكم عليه في عدة قضايا هو وابنه، بعقوبات مشابهة، علما بأننا أمام مساجين كبار في السن، وفي حالة صحية متدهورة بالنسبة للبعض على الأقل، كأحمد أويحيى (68 سنة) ما يعني أن إمكانية خروجهم أحياء من السجن، في حالة تطبيق العقوبة تبقى ضئيلة جدا وتكاد تنعدم، إذا عرفنا أن سن ولد عباس مثلا يتجاوز 86 سنة، وسلال 72 سنة، فالقضية إذن جدية وتستأهل الدفاع عن النفس بكل الوسائل المتاحة بالنسبة لهم ولعائلاتهم.

الحراك الشعبي لم ينجح في الضغط بشكل جدي لتغيير النظام، الذي حافظ على عمقه، حتى وهو يقوم بعملية تزيين لواجهته

عقوبات مست رجال الأعمال على غرار الإخوة حداد، وكونيناف، وبن حمادي -توفي موسى بن حمادي الوزير الأسبق في الحبس على ذمة التحقيق، نتيجة إصابته بكورونا – وصلت في المدة الأخيرة إلى النساء الوزيرات، كما هو الحال مع هدى فرعون وزيرة تكنولوجيا الاتصالات، وجميلة تمازيرت وزيرة الصناعة، اللتين التحقتا بزميلتهما خليدة تومي المسجونة في قضايا فساد سابقة مشابهة.
المريب في الأمر حتى الآن، أن كل المتهمين دافعوا عن انفسهم كأفراد وحالات فردية معزولة، بدون ذكر لمسؤولية النظام كنسق تسيير سياسي، كان المعروف داخله، توجيه الأوامر الشفهية، واتخاذ القرار خارج المؤسسات الرسمية، اثناء سهرات، كما جاء في التحقيق، سكتوا كلهم هم ومحاموهم، عن ذكر مسؤولية رئيس النظام بوتفليقة – وكأننا أمام استراتيجية دفاع متفق عليها- لمحت ولم تصرح، ما جعل القضاء يتغافل كقاعدة عامة عنها، لعلمه بعدم جديتها، وكأننا أمام اتفاق عام بين المتهمين والمؤسسة القضائية، أنت لم تتكلم، وأنا لم أستمع، يهدف إعفاء الرئيس من أي مساءلة، رغم دوره الظاهر كعراب لهذا النظام الذي ثبت فساده بالملموس وبالعين المجردة.. فساد، مسّ العائلة بكل أفرادها، كما بينته بشكل جلي المحاكمات التي استمرت لأكثر من سنة ونصف السنة، بعد أن تم توريطها كأبناء وبنات، أخوة وزوجات، في نشاطات مالية وصفقات مشبوهة، أوصلت أفرادها إلى السجن، في حالة لم تنجح في تهريبهم إلى الخارج، بالقرب من مصالحهم المالية التي يملكونها على شكل عقارات وأرصدة في البنوك، كما يؤكد ذلك الكثير من الحالات، خاصة أننا أمام مسؤولين استمروا لفترات طويلة على رأس المناصب التي احتلوها، كوزراء ورؤساء حكومات، سيروا لعقود ميزانيات ضخمة بمئات المليارات من الدولارات، في وضع كانت فيه الجزائر في وضع مالي مريح. فما السر وراء هذا التضامن المريب بين هذه الوجوه، وبينهم وبين رئيسهم؟ هم الذين عرف عنهم التنافس والتقاتل في ما بينهم من أجل الجاه، السلطة والمال؟ سؤال يثير الكثير من الشكوك لدى الجزائريين وهم يلاحظون كيف أفلت بوتفليقة من أي اتهام مباشر حتى الآن، كعراب لهذا النظام، زيادة على ما بدا كقبول بالعقوبات من قبل المتهمين، وعدم جدية دفاعهم عن أنفسهم، لم تقترب تماما من المستوى السياسي الذي كان منتظرا من رجال سياسة، وهم يتعرضون إلى عقوبات ثقيلة، جعل البعض تذهب به الظنون لتشبيه الحالة الجزائرية مع ما حصل في مصر، بعد نجاح الثورة المضادة، في قلب موازين القوى السياسية، بكل تبعاتها القانونية، أدت إلى التسامح مع الفاسدين، من وجوه نظام مبارك.
عودة إلى موازين القوى السياسية في الجزائر، قد تساعدنا على الإجابة عن هذه الأسئلة التي يطرحها الكثير من الجزائريين، فالساحة السياسية تخبرنا أن الحراك الشعبي الذي انطلق منذ سنتين تقريبا، لم ينجح في الضغط بشكل جدي لتغيير النظام، الذي استطاع في المقابل أن يحافظ على عمقه، حتى وهو يقوم بعملية تزيين لواجهته، عن طريق انتخابات رئاسية قاطعها الجزائريين بشكل كبير، استمر خلالها ميزان القوى في المحصلة النهائية، ولغاية الآن لصالح النظام حتى وهو يفشل في تطبيق خريطة طريقه، التي عطلها انتشار الوباء ومرض الرئيس تبون لاحقا، والحراك بالطبع كقوة ضاغطة. لنكون أمام حالة نظام سياسي اضطرب واهتز بشكل كبير، لكنه تمكن من الحفاظ على توازنه ولم يسقط، ما يمنح شرعية لهذه الأسئلة التي تطرح حول الضمانات الممنوحة لرئيسه، ولوجوهه المتعاقبة على المحاكم، التي يبدو عليها القبول بالأحكام المسلطة عليها، رغم بعض التذمر السطحي، مقارنة بثقل العقوبات على الأقل، لنكون أمام فرضية نصف – الثورة بكل تداعياتها المشؤومة، كتفسير منطقي لهذه السلوكيات، نصف ثورة يمكن أن تحاول استغلال الظرف الإقليمي الذي يحيط بالجزائر هذه الأيام، لقلب موازين القوى السياسية الداخلية، بعد التحاق المخزن المغربي بقاطرة التطبيع مع إسرائيل واعتراف ترامب بمغربية الصحراء في آخر أيام حكمه، عكس الموقف الأمريكي التقليدي، المؤمن بحق الصحراويين في الاستفتاء، حفاظا على الشرعية الدولية.
نصف ثورة تشتغل على المدى المتوسط حتى لا نقول الطويل، تستغل الوقت الذي يمكن أن يذهب في اتجاه التعفين كوسيلة تسيير، بما يفترضه من تسويف، تعود عليه النظام السياسي الجزائري وهو يولف بين السياسي المأزوم والاقتصادي -الاجتماعي المتدهور، بين الاستقطاب الداخلي والاستفزاز الخارجي، بهدف ضمان الاستمرارية لهذا النظام المتهالك، الذي تأكدت مرة أخرى خطورته على البلاد والعباد.

٭ كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صالح/ الجزائر:

    ربما تكون السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المستقيل ، عبد العزيز بوتفليقة ، ما بعد إصابته بجلطة دماغية ، في 2013 ، عجل الله في شفائه ، هي التي عرفت الفساد الأكبر رغم أنه بدأ مبكرا حين بدأ يحيط حوله أهل الدوار ومريديه من “الموالاة” . أثناء هذه السنوات الأخير الرئيس كان مقعدا ولا أظن أنه كان يحكم ، بل أخوه (مستشاره) ، الذي جعل منه رهينة لطموحاته الشخصية ، على حساب الوطن والمواطنين ، هو من كان يحكم باسمه ، بل هناك بعض القراءات التي تزعم أن الجلطة تسبب فيها (المستشار) ، وهو موجود في السجن كبقية أفراد “العصابة” الآخرين .

    1. يقول محفوظ:

      2013 عرفت إنقلاب على السلطة في الجزائر لتمرير بعض القوانين مثل دسترة الأمازيغية ونهب كل ما يمكن لإنقاد فرنسا من أزماتها،
      الذي قام بذك، هي نفس الجهة الموالية لفرنسا والتي سبق لها أن نفدت عدة إنقلابات كإغتيال الرئيس بومدين، والإطاحة بالشادلي، وإعلان الحرب ضد الشعب الجزائري في التسعينات، وإغتيال بوضياف، وقداما المجاهدين الحقيقيين،وإغتيال القائد صالح، وتغيب الرئيس تبون، وتمرير دستور فرنسا…….

  2. يقول الاسد الاطلسي:

    الفساد في الجزائر اضر بكل شيء في منطقة المغرب العربي كانت الجزائر ستكون القاطرة التي تتصدر افريقيا لولا رعونة التسيير العسكري المستبد و ابقائه على خطاب متهالك شيوعي

اشترك في قائمتنا البريدية