قـبــلـة الحـيـاة
رشاد أبوشاورقـبــلـة الحـيـاةفتح عينيه بوهن فتبيّن ملامح وجهها. حرّك ذراعه ببطء، فأمسكت بها برفق، وساعدته علي رفعها حتي لامست أصابع يده تجعدّات وجهها، ومسدّت علي شعرها الذي اعتادت أن تلونه بحنّاء سوداء مّما يكسبه لوناً يكاد يكون طبيعيّاً. همس لها كما كان يفعل وهو معافي، وقبل ان يتقدّم في العمر:ـ ما أحلاك ! كأنك عروس. ـ حبيبي،الإبن الأكبر نظر إلي وجوه أشقائه، وزوجاتهم، والصغار المحتشدين صامتين حول السرير، وأومأ للجميع برأسه ان يغادروا ففعلوا منصاعين بسكينة، دون صوت، رغم سيل الدموع في عيون الشقيقات وبناتهن.جسد الأب يتواري تحت الغطاء، والأم تنحني عليه، ترطّب شفتيه بقليل من الماء، تمسح العرق عن جبينه، تمسّد علي شعره الأشيب الناعم، فتنفرج شفتاه ويميل برأسه، طارفاً بعينيه كأنه راض عمّا تفعل، أو كأنه يتذكّر أياماً خلت، تماماً كما كان يفعل مستمتعاً بمدعابتها. تنحني علي شفتيه فتمتزج أنفاسهما الواهنة، وشعرهما، شعره الشائب، وشعرها المخضّب بحناء سوداء تمنح وجهها شيئاً من حيوية. وإذ تطول القبلة، والسكوت في الداخل، يدخل الابن الأكبر، علي رؤوس اصابعه، فيجدهما نائمين في السرير، يد الأب ممدودة تحت راس الأم، والرأسان مائلان، والفمّان منطبقان في قبلة دائمة لا تنتهي.تأملهما قليلاً، ثمّ مضي علي رؤوس اصابعه، وأغلق الباب بهدوء، واضعاً إصبعه علي فمه حتي يسود السكوت تماماً، إذ في الداخل عاشقان ينامان بقبلة أخيرة طويلة.0