قـراءة قانونيـة لمستقبـل وحدة شعب العـراق (2 من 2)

حجم الخط
0

قـراءة قانونيـة لمستقبـل وحدة شعب العـراق (2 من 2)

سلطات الأقاليم تتمتع بصلاحيات واسعة جداً تجعلها دولا مستقلة ولها حق تعديل القانون الاتحادينصوص الدستور وردت كتشريح للخارطة السكانية والجغرافية للعراق.. وليس بهدف تعزيز الوحدةقـراءة قانونيـة لمستقبـل وحدة شعب العـراق (2 من 2)باسيل يوسف بجكہأحكام الدستور عن النفط والغازنصت المادة 108علي أن النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.ونصت المادة 109 في الفقرة أولاً:تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة علي أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد مع تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منه بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون.وفي الفقرة ثانياً:تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلي منفعة للشعب العراقي، معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.ولم توضح هذه المادة طبيعة وآليات توزيع واردات النفط، وهل تتضمن عقود تصدير وبيع النفط ومن هي الجهة التي توقع العقود، لأن منح إدارة النفط والغاز المستخرج لا تتضمن تسويقه. وهذا ما أثار تساؤلات في الأسواق النفطية العالمية حول تحديد الجهة التي تبرم عقود التصدير ومن هي الجهة المستفيدة من القيمة، بالرغم من وجود الشركة العراقية لتصدير النفط.وما يمكن استخلاصه من هاتين المادتين من الدستور أن الثروة النفطية قد تحولت من ثروة استراتيجية إلي موارد للأقاليم لتنميتها. وإذا كان من حق الأقاليم أن تتمتع بالتنمية المستدامة من مختلف موارد الدولة النفطية وغير النفطية فإن تأمين موارد لتنمية الأقاليم والمحافظات يجب أن يأتي ضمن الالتزامات الدستورية لسلطات الدولة الاتحادية، وليس توزيع الموارد النفطية. وهذا المنهج متبع في جميع الدول النفطية حيث تكون الثروة النفطية سلعة استراتيجية مركزية واتحادية، لأنها أصبحت ضمن اهتمامات الأمن القومي للدول كما هو واضح من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية بصدد قضايا النفط في العالم. وإن توزيع الموارد النفطية علي الأقاليم والمحافظات يساهم في توليد بذور الدويلات المجهرية كما بينا سابقاً والتي لا تملك مقومات الحياة دون السيطرة الاستعمارية والاحتكارية.نصوص الدستور التي تمنح الأفضلية لصلاحيات الأقاليمنصت المادة 111 من الدستور علي أن كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخري المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم المحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما.وعددت المادة 110الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم كما يلي:أولاً: إدارة وتنظيم الجمارك بالتنسيق مع حكومة الإقليم والمحافظات غير المنظمة في إقليم وينظم ذلك بقانون.ثانياً: تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها.ثالثاً: رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث والمحافظة علي نظافتها بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.رابعاً: رسم سياسات التنمية والتخطيط العام.خامساً: رسم السياسة الصحية العامة بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.سادساً: رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.سابعاً: رسم سياسة الموارد المالية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعاً عادلاً وينظم ذلك بقانون.سلطات الأقاليمأُفرد الباب الخامس من الدستور لسلطات الأقاليم وتضمن 9 مواد، من المادة 112حتي المادة 121بينما اقتصر الباب الرابع علي السلطات الاتحادية والمشتركة والذي تضمن 5 مواد فقط من المادة 106 حتي المادة 111.فقد نصت المادة 112 علي أن يكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية.ونصت المادة 113 علي ما يلي:أولاً: يُقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كردستان وسلطاته القائمة حالياً إقليماً اتحادياً.ثانياً: يقر هذا الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه.ونصت المادة 114 علي أن يسن مجلس النواب قي مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسة له، قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين.ونصت المادة 115 علي حق كل محافظة أو أكثر في تكوين إقليم بناءً علي طلبٍ وبالاستفتاء عليه، ويقدم بإحدي طريقتين:أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.ثانياً: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.ونصت المادة 116 علي أن يقوم الإقليم بوضع دستور له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياتها وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، علي أن لا يتعارض مع هذا الدستور.نصت المادة 117 علي سلطات حكومات الأقاليم وهي:أولاً: لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقاً لأحكام هذا الدستور باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.ثانياً: يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.ثالثاً: تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السكان فيها.رابعاً: تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية.خامساً: تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم وبخاصة إنشاء وتنظيم قوي الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم.ومن الواضح أن سلطات الأقاليم تتمتع بصلاحيات واسعة جداً إلي درجة مماثلة لسلطات الدولة المستقلة، ولها حق تعديل تطبيقات القانون الاتحادي في حالة وجود تناقض بين القانونين الإقليمي والاتحادي حيث يفضل الإقليمي. كما أن تأسيس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات لا مثيل له في الأنظمة الدستورية الاتحادية. ولم نعثر في خلفية النص علي تمتع سلطات الأقاليم بممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ماذا يعني ذلك؟ هل الإشراف علي هذه السلطات أم ممارستها؟ لأنه لا يجوز استئثار أية سلطة بجميع سلطات الدولة بما فيها القضائية؟واللافت للنظر أن المادة الأخيرة من الباب الخامس من الدستور أي المادة 121 تنطوي علي النص الآتي:يعترف هذا الدستور بالحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والآشوريين وسائر المكونات الأخري وينظم ذلك بقانون.وليس واضحاً ما المقصود بالحقوق الإدارية والسياسية، لأن الحقوق الثقافية والتعليمية للقوميات معروفة من حيث تدريس اللغة، وكما أوضحنا بصدد المادة الرابعة من الدستور حول اللغة الرسمية للتركمان والسريان إذ أنهم ليسوا موجودين في منطقة جغرافية واحدة.وما يمكن استخلاصه من عرض نصوص الدستور أنها وردت بمثابة تشريح للخارطة السكانية والجغرافية للعراق. ليس بهدف تعزيز وجود دولة موحدة وكيان سياسي موحد، وإنما لتفتيت اللحمة السكانية تمهيداً لنقلها جغرافياً علي الأرض تبدأ بأقاليم وتنتهي بدويلات مجهرية.والجدير بالذكر أن واضعي الدستور قد أضفوا طبيعة خاصة علي إمكانية تعديل صلاحيات الأقاليم. فقد نصت الفقرة ـ رابعاً ـ من المادة 122 من الدستور: لا يجوز إجراء أي تعديل علي مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام.الدستور العراقي والتعارض مع قانون الانتخاب باعتبار العراق دائرة انتخابية واحدةمن المفارقات القانونية أن يعتمد الدستور العراقي النظام الاتحادي شديد اللامركزية، بينما نص قانون الانتخابات الصادر بأمر مدير سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 96 تاريخ 15 حزيران/يونيو 2004 في الفقرة الثالثة من القسم 3 علي أن العراق دائرة انتخابية واحدة، وسيتم توزيع جميع مقاعد الجمعية الوطنية علي الكيانات السياسية من خلال نظام للتمثيل النسبي(1).وإن اعتماد العراق دائرة انتخابية واحدة يتعارض جوهرياً مع المفهوم والمدلول القانوني للنظام الاتحادي الذي جاء في الدستور العراقي. وإن طبيعة الدولة الاتحادية تتعارض مع النظام الانتخابي ذي الدائرة الواحدة. وقد جرت الانتخابات في 30 كانون الثاني/يناير 2005 بناء علي هذا القانون. وقد عدلت الجمعية الوطنية هذا القانون حيث أعيد اعتماد توزيع الدوائر الانتخابية علي أساس المحافظات. وستتم انتخابات مجلس النواب في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر 2005 علي هذا الأساس.اتجاهات العولمة والكيانات السياسية والإقليمية الكبري والدستور العراقيبينما يعيش العالم في القرن الحادي والعشرين ضمن اتجاهات العولمة السياسية والاقتصادية والتكتلات الإقليمية والجغرافية الكبري نلاحظ أن دستور العراق قد وضع لتشريح العراق سكانياً وجغرافياً. وهذا لا يعني أن النظام المركزي الضيق الأفق هو النظام الأمثل. ولكن يتعين الجمع بين النظام الإداري اللامركزي وسلطات الدولة المركزية بحيث تؤمن المواءمة بين تمتع المواطنين بحقوق الإنسان الأساسية من دون أي تمييز مبني علي العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين وسلطة الدولة السياسية القائمة علي الحفاظ علي سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية.دور النزاعات الداخلية في تفكيك بعض دول أوروبا الشرقية وموقف الأمم المتحدة:شهد الربع الأخير من القرن العشرين سلسلة من الحروب والنزاعات المسلحة الداخلية والإقليمية أدت إلي تفكك بعض الدول في أوروبا الشرقية وبخاصة يوغسلافيا التي انقسمت إلي عدة دول.وبعد وفاة الرئيس اليوغسلافي السابق تيتو طفا علي السطح النزاع الداخلي بين القوميات والأديان، ووضع النزاع ضمن آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان. ولكن هذه الآليات التي انصبت علي هذه الحالة في أراضي يوغسلافيا السابقة لم تتمكن من بلورة حل سلمي للنزاعات العرقية أو الدينية يحول دون تفتت الدولة والمساس بوحدة أراضيها، وإنما تركزت علي معالجة آثار النزاعات في ما يتعلق بحقوق الإنسان والتوصية بمعاقبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، حيث شكل مجلس الأمن محكمة جنائية دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في أراضي يوغسلافيا السابقة.ولمعالجة هذا الوضع الذي يهدد الدول بالتفكك عن طريق العنف الداخلي، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 51/55 تاريخ 10/12/1996 بعنوان: صون الأمن الدولي ومنع تفكك الدول عن طريق العنف. وقد صدر بناء علي مشروع من اللجنة الأولي بأكثرية 162 صوتاً مقابل لا شيء وامتناع 8 دول عن التصويت. وأكدت الجمعية العامة موقفها بالقرار رقم 53/71 تاريخ 4/12/1998وتشير الفقرة الأولي من ديباجة القرار إلي التزام الدول بالامتناع في علاقاتها الدولية عن التهديد بالقوة أو باستخدامها ضد السلامة الإقليمية لأية دولة أو استقلالها السياسي وإقامة علاقات ودية في ما بين الدول وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وأشارت الفقرة الرابعة من الديباجة إلي أن تفكك الدول عن طريق العنف قد يهدد صون السلام والأمن الدوليين.وجاء في الفقرة الخامسة من الديباجة أن الغالبية العظمي من النزاعات الحالية المتسمة بالعنف هي نزاعات تحدث داخل الدول. وتؤكد الحاجة إلي اتخاذ تدابير من جانب الأمم المتحدة للمساعدة في منع تفكك الدول عن طريق العنف ما يعزز السلم والأمن الدوليين والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع الشعوب.وطلبت الفقرة العاملة الأولي من جميع الدول والمنظمات الدولية المساعدة في منع تفكك الدول عن طريق العنف، وأكدت الفقرتان العاملتان الثالثة والرابعة الحاجة إلي الامتثال الصارم لمبدأ عدم جواز انتهاك حرمة الحدود الدولية بين الدول والامتثال الصارم لمبدأ السلامة الإقليمية لأية دولة.العراق والسمات الخاصة للمشرق العربي في تعايش الأكثرية مع الأقلية ومنظور الغرب لها والمخططات الإسرائيلية لتفتيت دوله:إن المجتمع العربي، ولا سيما المشرق، يتميز بتعددية دينية وطائفية شكلت جزءاً من حضارة بلدان المشرق العربي. وبينما كانت هذه التعددية مصدر قوة وتفاعل حضاريين عبر التاريخ العربي، نظرت إليها الدول الكبري علي أنها منفذ للهيمنة علي البلدان العربية. ويبدو ذلك واضحاً، منذ الحقبة العثمانية، في صيغة حماية الأقليات، ثم إقامة دويلات طائفية في سورية خلال الانتداب الفرنسي.ثم جاء إنشاء إسرائيل عام 1948 معززاً لمخططات تفتيت المشرق العربي إلي دويلات طائفية، وذلك، بهدف التدليل علي صحة النظرية الصهيونية التي تدعو إلي ربط المواطن بدولته برابطة الدين وليس غيرها من الروابط، وعدم إمكانية التعايش بين الأديان والطوائف، وضرورة وجود كيانات تشكل (غيتو) لكل طائفة، بحيث تكتسب إسرائيل المشروعية الأيديولوجية وتهيمن علي باقي الكيانات في المنطقة، لما تتمتع به من تفوق تسليحي وتقني.وقد طرحت في الثمانينيات وإبان الحرب الأهلية اللبنانية والنزاع المسلح بين العراق وإيران، مشاريع لتفتيت دول المشرق العربي بصيغ طائفية يمكن أن تستخدم العلاقات بين الأديان والطوائف والتحريض الخارجي علي إثارة النزاعات بين السكان بحيث تأتي الآليات الدولية، ولا سيما مجلس الأمن، بهدف فرض أمر واقع سياسي يبدل الخريطة السياسية علي أساس عرقي أو طائفي، بخلاف الغاية من الحماية الدولية وهي التوصل إلي حل سلمي وبناء يحافظ علي الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية للدول.ونعيد إلي الأذهان من قبيل التوثيق ما ورد في خطة إسرائيل في الثمانينيات التي نشرت في جريدة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 2/6/1982 في مقال لإسرائيل شاهاك وجاء فيها ما يلي: إن المشروع الدقيق والتفصيلي للنظام الصهيوني الحالي في الشرق الأوسط، نظام شارون وايتان، يقوم علي أساس تقسيم المنطقة كلها إلي دول صغيرة وتذويب (كل) الدول العربية القائمة .إن فكرة تفتيت كل الدول العربية من قبل إسرائيل، إلي وحدات صغيرة، تتكرر المرة تلو المرة في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، وعلي سبيل المثال، يكتب زئيف شيف المراسل العسكري لهآرتس عن أفضل ما يمكن أن يحدث لمصلحة إسرائيل في العراق تفتيت العراق إلي دويلات متعددة. واعتمدت تفصيلات الخطة تفتيت العراق، فجاء فيها حرفياً ما يلي:العراق الغني بالنفط من ناحية، لو تمزق داخلياً من ناحية أخري، يكون المرشح لأهداف إسرائيل. وتفتيته بالنسبة لنا أهم حتي من تفتيت سورية، فالعراق أقوي من سورية، والقوة العراقية هي التي تشكل في الأمد القصير الخطر الأكبر علي إسرائيل. وسوف تمزق حرب عراقية ـ سورية أو عراقية ـ إيرانية العراق وتتسبب في انهياره من الداخل حتي قبل أن يتمكن من تنظيم صراع علي جبهة أوسع ضدنا. وأي نوع من المجابهة بين العرب، سوف يساعدنا علي الأمد القصير، وسوف يُقصِّر الطريق إلي الهدف الأكبر من تفتيت العراق إلي فئات، كما في سورية ولبنان. وفي العراق يمكن إحداث تقسيم إقليمي علي أسس عرقية دينية، كما كانت الحال في سورية أيام العثمانيين (2).وإن ما أوردناه من تفاصيل خطة إسرائيل في الثمانينيات يفسر كثيراً بعض الوقائع ومن أهمها حل كيانات الدولة العراقية وبخاصة الجيش بعد الاحتلال الأمريكي، وتوجه الولايات المتحدة في قانون إدارة الدولة والدستور العراقي لتشريح العراق سكانياً تمهيداً لتشريحه جغرافياً.البديل الوطني: مجتمع الوحدة في التعددانطلاقاً من خطورة الأوضاع في الوطن العربي، بدءاً بالعراق، نتيجة مخططات استغلال التعددية القومية والدينية والطائفية لتفتيت الدول العربية، يتعين طرح بديل وطني لمجتمع عربي يجمع بين الوحدة الوطنية والتعددية الدينية والإثنية وهو مجتمع الوحدة في التعدد . ويقوم هذا المجتمع علي عنصرين: الوحدة والتعددية.ويتضمن عنصر الوحدة، وحدة رابطة المواطنة التي تجمع المواطنين بصرف النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي أو القومي وهي تعني وحدة نظرة السلطة السياسية لهؤلاء المواطنين وتعاملها معهم علي هذا الأساس في حقوقهم وواجباتهم وبتعبير آخر فإن عنصر الوحدة تجسيد لمبدأ عدم التمييز الذي يشكل قاعدة آمرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان.وإن تطبيق مبدأ عدم التمييز يساهم في إزالة الرواسب التخلفية والاستعمارية ويخلق رابطة مواطنة حقيقية. وإن زوال التمييز في ذهنية المواطنين والتخلي عن النظرة الدونية لأية مجموعة أو طائفة هو المفتاح الثقافي لإزالة التمييز فعلياً.وإن إعمال مبدأ عدم التمييز لا يتعارض مع مبدأ دين الدولة الإسلام المنصوص عليه في معظم الدساتير العربية، لأن الإسلام في جوهره قبل بالتعددية الدينية واعتبر الإيمان بالأديان التوحيدية التي سبقته جزءاً أساسياً للإيمان بالإسلام. وبخلاف ذلك سنكون أمام دولة تعصبية ومنغلقة تتعارض مع حضارة العصر وحقوق الإنسان الأساسية، وهو المنفذ الذي تنفذ منه مخططات التفتيت، إذ أن أية ممارسة تنطوي علي التمييز تسهل علي هذه المخططات إيجاد الظروف الملائمة لتنفيذها، ولا سيما تقبل المواطنين، ضحايا التمييز، التفتيت والانفصال باعتبارهما حلاً للتخلص من السياسة التمييزية.أما عنصر التعددية فيعني تعددية الأديان والمعتقدات والقوميات ضمن الإطار الوطني الشامل، وتعددية الرأي والفكر في تسيير الشؤون العامة.وإذا كانت تعددية الأديان والمعتقدات والقوميات واقعاً لا يمكن نكرانه، وهي لا تخضع، علي الأغلب، لاختيار الفرد، وإن عهد التبشير والكسب الديني قد انتهي ولا تجوز معاملة أي إنسان تبعاً لانتماء لم يختره هو بحرية، فإن عدم التمتع بالتعددية الفكرية والسياسية في أي مجتمع يجعل التعبير الديني أو الطائفي صيغة للخطاب السياسي بديلاً عن الصيغة السياسية الديمقراطية، وتتحول الطوائف إلي أحزاب (3).وإن صمام الأمان الذي يحول دون ذلك هو تعزيز التعددية الفكرية والسياسية لتحل محل التيارات الطائفية، بحيث يتوزع المواطنون من جميع الأديان والطوائف علي الأحزاب والتنظيمات السياسية والفكرية وفق اختياراتهم ما يتيح لهم المشاركة في الحياة العامة، ممارسة منهم لحقهم في المواطنة.وإن هذه التصورات تتفق إلي حد بعيد مع الإطار الذي اعتمده تقرير اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان حول السبل والوسائل الممكنة لتسهيل حل المشاكل التي تشمل الأقليات حلاً سلمياً وبنَّاءً حيث وردت في هذا الإطار العناصر التالية:1 ـ احترام السلامة الإقليمية.2 ـ ضمان المساواة وعدم التمييز في المجالات المشتركة.3 ـ وضع ترتيبات تحقيق التعددية مع الإبقاء علي الوحدة.4 ـ تحقيق التعددية بتقسيمات إقليمية حيثما كان مناسباً (4) .وإن مجتمع الوحدة في التعدد يجعل المواطن العراقي فخوراً بأنه عراقي قبل أي انتماء آخر. فلا يذكر أنه سني أو شيعي، عربي أو كردي أو تركماني أو فيلي أو شبك، أو مسلم أو مسيحي، آشوري أو كلدو آشوري أو صابئي أو يزيدي إلا لأغراض تسجيلها في سجلات الأحوال المدنية، وليس بهدف ممارسة حقوقه المدنية والسياسية. بحيث تكون هذه الفسيفساء الحضارية عنصر تفاعل توحيدي حضاري وليس عنصر تناحر يقود إلي العنف، وبالتالي تتفكك الدولة العراقية نتيجة هذا العنف، فتتدخل الأمم المتحدة لوضع خريطة جغرافية وسكانية جديدة للعراق تتضمن مجموعة من الدويلات المجهرية، ما يخدم مخططات إسرائيل التفتيتية. ويجب ألا ننسي أن مجلس الأمن ما زال يعالج الحالة العراقية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإذا تفاقمت هذه الحالة التي يطلق عليها تعبير العنف بين الأطراف العراقية القومية أو الدينية أو الطائفية، لا يستبعد أن يتدخل المجلس لفرض حلول جغرافية علي الأرض كما تم في أوروبا الشرقية، في الوقت الذي يتناسي فيه مجلس الأمن مشروعية أعمال المقاومة المشروعة بموجب القانون الدولي ضد الاحتلال الأمريكي.الهوامش1. نشر القانون في: الجريدة الرسمية 15 حزيران (يونيو) 2004.2. اعتمد الباحث في معلوماته علي مخطوطة الكتاب التوثيقي الحرب علي العراق، 1990ـ 2004: يوميات ووثائق (الذي سيصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية).3. Laurent Chabry et Annie Chabry, Politique et Minorits au Proche-Orient: Les Raisons d’une explosion (Paris: Maisonneuve et Larose, 1984), p. 337،4. تقرير عن السبل والوسائل الممكنة لتسهيل حل المشاكل التي تشمل الأقليات، حلاً سلمياً، مقدماً من السيد أسبييورن إيدي إلي اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات. انظر: الفقرة 124 من الوثيقة (E/CN.4/Sub 2 /1993/34).ہ ستصدر الدراسة في العدد الجديد من مجلة المستقبل العربي، الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية