قـراءة قانونيـة لمستقبـل وحدة شعب العـراق (1 من 2)

حجم الخط
0

قـراءة قانونيـة لمستقبـل وحدة شعب العـراق (1 من 2)

التركيز علي فكرة الوحدة اللغوية للجماعات العراقية يهدف لتفتيت العراق وشرذمته لدويلات مجهريةأحكام الدستور حول النفط والغاز ستؤدي لوضع الثروة النفطية تحت هيمنة الاحتكارات النفطية في العالمقـراءة قانونيـة لمستقبـل وحدة شعب العـراق (1 من 2)باسيل يوسف بجكہتمهيداعتمدت الجمعية الوطنية العراقية مسودة دستور العراق وعُرض علي الاستفتاء الشعبي يوم 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، وأصبحت نصوصه بعد اعتماده، دستور العراق الدائم.وحدث جدل واسع بين الأطراف السياسية العراقية حول الأبعاد المستقبلية لأحكام هذا الدستور علي وحدة أراضي العراق وشعبه، وفي ما اذا كان اعتماد هذا الدستور سيقود الي تجزئة العراق الي أقاليم أو دويلات.تحاول هذه المساهمة قراءة أحكام الدستور من زاوية قانونية دولية، انطلاقاً من أن الحفاظ علي السلامة الاقليمية يشكل مبدأ أساسياً في القانون الدولي، وهي تعني الحفاظ علي وحدة الأرض والشعب، لنستخلص ما اذا كانت أحكام الدستور تلتزم الحفاظ علي السلامة الاقليمية للعراق أم أنها ستقود مستقبلاً الي المساس بها.ما المقصود بالسلامة الإقليمية؟تُعـــرِّف موسوعـــــة الأمــــم المتحــــدة الســــلامة الاقليمية (Territorial Integrity) بأنها أحـــد موضوعات القانون الدولي المعاصر، وتعني حصانة أراضي الدول من المساس بها (The Inviolability of Territories of States) وقد وردت في مؤتمر فيينا لسنة 1815 في أوروبا، ثم في ميثاق عصبة الأمم.كما تأكد مبدأ السلامة الاقليمية في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وفي أهم الصكوك الدولية، ولا سيما في اعلان مبادئ القانون الدولي التي تمس علاقات الصداقة بين الشعوب الصادرة بقرار الجمعية العامة رقم 2625 تاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1970.ترابط السلامة الاقليمية بالوحدة الوطنية وانعكاساتها في الالتزامات الدستورية للدولةان السلامة الاقليمية علي الرغم من أنها مبدأ في القانون الدولي المعاصر، الا أن جذورها نبعت من التزام السلطة السياسية في أية دولة، بالحفاظ علي أراضيها وحدودها، وتترابط في مفهومها مع الوحدة الوطنية للشعب. ذلك أن مكونات أية دولة، تتمثل في الأرض والشعب والحكومة أو السلطة السياسية. وان أي اختلال في الوحدة الوطنية للشعب ينعكس مستقبلاً علي السلامة الاقليمية، وبخاصة في الأقطار التي تتعدد فيها القوميات والأديان والمذاهب (2).وانطلاقاً من أن الدساتير هي القانون الأعلي في أي بلد، فان من أولي مهماتها الحفاظ علي السلامة الاقليمية والوحدة الوطنية للشعب، بحيث تشكل قواعد آمرة دستورية لا يجوز المساس بها، وأن تكون نصوص الدستور معززة للسلامة الاقليمية والوحدة الوطنية، وأن لا تُفسر مستقبلاً بصورة تساهم في المساس بها.الحفاظ علي السلامة الإقليميةللعراق في قرارات مجلس الأمنعلي الرغم من طبيعة القرارات الصادرة بشأن العراق في مجلس الأمن منذ عام 1990 فانها استقرت علي الاشارة الي الحفاظ علي السلامة الاقليمية وسيادة العراق. ونشير الي القرارات الصادرة بعد الاحتلال الأمريكي وبخاصة القرار 1483/2003 الذي نص في الفقرة الثالثة من الديباجة علي أن المجلس يؤكد من جديد سيادة العراق وسلامته الاقليمية . وجاء التأكيد نفسه في الفقرة الثالثة من ديباجة القرار 1500/2003.كما ورد في الفقرة الأولي العاملة من القرار 1511/2003 بأن المجلس يعيد تأكيد سيادة العراق وسلامة أراضيه.أما القرار 1546/2004 فقد أكدت الفقرة الرابعة من ديباجته استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامته الاقليمية.ولا شك في أن الاحتلال، بحد ذاته، يشكل انتهاكاً لسيادة العراق وسلامته الاقليمية. الا أن مبدأ الحفاظ علي السلامة الاقليمية للعراق ووحدته الوطنية يبقي التزاماً وطنياً ومدعوماً بالقانون الدولي. واذا كان الحفاظ علي السلامة الاقليمية للدول يشكل قاعدة آمرة في القانون الدولي، ويترتب علي انتهاكه من قِبَلِ أية دولة، جرماً دولياً محرماً، فمن البديهي أن يكون الحفاظ علي السلامة الاقليمية والوحدة الوطنية للشعب، مسؤوليةً دستوريةً تتحملها السلطة السياسية، ويتعين أن تَرِد ضمن القواعد الدستورية الآمرة.تمهيد عن دور الاحتلال الأمريكي في القضاء علي العناصر المؤسسية لدولة العراق وتهيئة البيئة السياسية للتعامل مع العراق كونه مجموعة مكونات قومية ودينية وطائفية.قبل عرض نصوص مسوَّدة الدستور، لبيان مدي محافظتها علي السلامة الاقليمية للعراق، يتعين التمهيد لذلك بتسليط الضوء علي التدابير التي اتخذتها قوات الاحتلال الأمريكي في شأن العراق تمهيداً لتفكيك السلامة الاقليمية.فمنذ أن احتلت القوات الأمريكية العراق كان أول اجراء اتخذه الحاكم المدني السفير بول برايمر هو الأمر رقم 2 بحل المؤسسات العراقية التالية:وزارة الدفاع ـ وزارة الاعلام ـ وزارة الدولة للشؤون العسكرية ـ جهاز المخابرات العامة ـ مكتب الأمن القومي ـ مديرية الأمن العام ـ جهاز الأمن الخاص.والمنظمات العسكرية التالية:الجيش ـ السلاح الجوي ـ البحرية ـ قوة الدفاع الجوي والتنظيمات العسكرية النظامية الأخري ـ الحرس الجمهوري ـ مديرية الاستخبارات العسكرية ـ جيش القدس ـ قوات الطواريء.القوات شبه العسكرية التالية:فدائيو صدام ـ ميليشيات حزب البعث ـ أصدقاء صدام ـ أشبال صدام.المنظمات الأخري التالية:ديوان الرئاسة ـ سكرتارية الرئاسة ـ مجلس قيادة الثورة ـ المجلس الوطني ـ تنظيم الفتوة ـ اللجنة الوطنية للألعاب الأولمبية ـ المحاكم الثورية والمحاكم الخاصة ومحاكم الأمن الوطني(3).وان الكيانات المنحلة كما أطلق عليها الحاكم المدني تشمل الهيكل المؤسسي لدولة العراق بدءاً برئاسة الدولة والمجلس الوطني والجيش بجميع قطعاته البرية والبحرية والبرية ووزارة الاعلام.وترتب علي ذلك تغييب كل العناصر المؤسسية للدولة، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي. وباشرت قوات الاحتلال بالتعامل مع شعب العراق كونه مجموعات عرقية ودينية وطائفية، وألغيت بذلك رابطة المواطنة بين الشعب والدولة بعد تغييبها، بحيث تغلَّب الانتماء العرقي والديني والطائفي علي الانتماء الوطني.ومن هذا المنطلق، ومراعاةً لتمثيل مكونات الشعب العراقي، شُكِّل مجلس الحكم بتاريخ 27/6/2003 من 25 عضواً موزعين علي المحاصصة العرقية والدينية والطائفية.وفي ظل هذا المجلس صدر قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بتاريخ 8/3/2004 عاكساً منظور الاحتلال الأمريكي لشعب العراق، حيث وصفت الفقرة، ـ ب ـ من المادة السابعة من هذا القانون، العراق بأنه بلد متعدد القوميات، والشعب العربي، فيه، جزء لا يتجزأ من الأمة العربية (4) ووضع هذا القانون أسساً لنظام اتحادي وصفته المادة الرابعة من القانون بأنه يقوم علي أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس علي أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب.وسنقارن في الفقرة اللاحقة بين مضمون الدستور وأحكام قانون ادارة الدولة. وهذه المقارنة لا تستهدف تبني ما ورد في قانون ادارة الدولة، ولكن التدليل علي أن واضعي الدستور قد وضعوا نصوصاً أخطر من تلك التي وردت في القانون المذكور.محتويات دستور العراق وأهم الأحكام المتعلقة بوحدة الشعب والسلامة الاقليمية ومقارنتها بقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقاليةتضمن دستور العراق الدائم ديباجة و139 مادة موزعة علي ستة أبواب وفق التسلسل الآتي:1 ـ الباب الأول: المبادئ الأساسية، من المادة 1 الي المادة 13.2 ـ الباب الثاني: الحقوق والحريات، من المادة 14 الي المادة 44.3 ـ الباب الثالث: السلطات الاتحادية، من المادة 45 الي المادة 105.4 ـ الباب الرابع: اختصاصات السلطات الاتحادية، من المادة 106الي المادة 111.5 ـ الباب الخامس: سلطات الأقاليم، من المادة 112 الي المادة 121.6 ـ الباب السادس: الأحكام الختامية من المادة 122 الي المادة 139.ونعرض أهم الأحكام الواردة في الدستور المتعلقة بشعب العراق وسلامة ووحدة أراضيه، وبعده نحاول تحليل هذه النصوص في ضوء الحفاظ علي السلامة الاقليمية ووحدة شعب العراق(5).أولاً: أحكام الدستور المتعلقة بالطابع الدستوري للعراق وانتمائه ومكونات شعبه1 ـ نصت المادة 1 من الدستور علي أن جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي.بينما كان نص المادة 4 من قانون ادارة الدولة: ان نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي، ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية والمحافظات البلدية والادارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي علي أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس علي أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب.2 ـ نصت المادة 2 علي ما يلي:أولاً: الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع.أ ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام.ب ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.ج ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.ثانياً: يضمن هذا الدستور الحفاظ علي الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما يضمن الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية.ويماثل هذا النص ما ورد في المادة 7 من قانون ادارة الدولة مع تعديل في نص الفقرة ـ أ ـ حيث كانت لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الاسلام المجمع عليها وشطب تعبير المجمع عليها في نص مسوَّدة الدستور. بحيث يترك المجال مفتوحاً للاجتهادات والمذاهب حتي ولو كانت غير مجمع عليها. ما يساهم في مزيد من التجزئة والتفتيت بين المواطنين ويعيق اصدار أي تشريع.3 ـ نصت المادة 3 علي أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الاسلامي، وعضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم ميثاقها.بينما كان نص الفقرة ـ ب ـ من المادة 7 من قانون ادارة الدولة : أن العراق بلد متعدد القوميات، والشعب العربي، فيه، جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.4 ـ وبغض النظر عن حرف انتماء العراق، أرضاً وسماءً، عن الوطن العربي، ما أثار جدلاً واسعاً بين الأطراف العراقية، كما صدرت تصريحات عن جامعة الدول العربية وحتي دول مجلس التعاون الخليجي تدين اغفال الانتماء العربي للعراق، فان الجديد في هذا النص هو اضافة الأديان والمذاهب التي لم تكن واردة في الفقرة ـ ب ـ المذكورة أعلاه. وهذا دليل جديد علي توجه صانعي الدستور الي مزيد من تفتيت شعب العراق، اذ لم يكتفوا بتعدد القوميات فأضافوا اليها تعدد الأديان والمذاهب.5 ـ نصت المادة 4 من الدستور علي خمس فقرات، كما يلي:أولاً: اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم بلغة الأم كالتركمانية أو السريانية أو الأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفق الضوابط التربوية، أو بأية لغة أخري في المؤسسات التعليمية الخاصة.ثانياً: يحدد نطاق المصطلح لغة رسمية، وكيفية تطبيق أحكام هذه المادة بقانون يشمل:أ ـ اصدار الجريدة الرسمية باللغتين.ب ـ التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كمجلس النواب ومجلس الوزراء والمحاكم، والمؤتمرات الرسمية، بأي من اللغتين.ج ـ الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين واصدار الوثائق الرسمية بهما.د ـ فتح مدارس باللغتين وفق الضوابط التربوية.هـ ـ أية مجالات أخري يحتمها مبدأ المساواة، مثل الأوراق النقدية، وجوازات السفر، والطوابع.ثالثاً : تستعمل المؤسسات والأجهزة الاتحادية في اقليم كردستان اللغتين.رابعاً : اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان أخريان في الوحدات الادارية التي يشكل فيها التركمان والسريان كثافة سكانية.خامساً : لكل اقليم أو محافظة اتخاذ أية لغة محلية أخري لغة رسمية اضافية اذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام.وبمقارنة هذا النص مع المادة 9 من قانون ادارة الدولة يتبين أنه قد أضيفت اليها فقرتان جديدتان وهما:الفقرة ـ رابعاً ـ والتي تنص علي أن اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الادارية التي يشكل فيها التركمان والسريان كثافة سكانية، بحيث تصبح في العراق أربع لغات رسمية وهي: العربية والكردية والتركمانية والسريانية. واذا كان من حق التركمان والسريان تدريس لغتهما وثقافتهما كونهما أقلية فهذا الحق لا غبار عليه ومنصوص عليه في الصكوك الدولية. وكان منصوصاً عليه في التشريعات العراقية. ولكن تحول هاتين اللغتين الي لغة رسمية، فهذا يعني ايجاد البيئة الملائمة لتشكيل دويلات مجهرية، آخذين بعين الاعتبار عدم تمركز التركمان والسريان في منطقة جغرافية واحدة، وان كان التركمان يتمركزون في كركوك أكثر من غيرها ولكن المحافظات الأخري تضم مواطنين تركماناً أيضاً وكذلك السريان. وان نص الفقرة ـ رابعاً ـ يمكن أن يشجع المواطنين العراقيين الناطقين باللغة التركمانية أو السريانية علي التمركز في وحدات ادارية محددة بهدف اعتبار لغتهم رسمية. وهذا التمركز يساهم في انشاء نوع من الكيانات القومية التي يمكن استغلالها لتعزيز التوجه نحو مزيد من الأقاليم التي تشكل بزور دويلات مجهرية مستقبلاً.الفقرة ـ خامساً ـ وهي الأخطر وتنص علي أن لكل اقليم أو محافظة اتخاذ أية لغة محلية أخري لغة رسمية اضافية اذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام.وخطورة هذه المادة مستقبلياً تصورها وجود سكان يتكلمون بلغة غير العربية والكردية والتركمانية والسريانية ولا ندري أية لغة الا اذا وجدت مستقبلاً مجموعات سكانية قادمة من ايران وتتحدث اللغة الفارسية ويمكنها التصويت علي اتخاذها لغة رسمية اضافية. وهذا دليل جديد علي توجه صائغي الدستور لتفتيت العراق وشرذمته الي مجموعات تمهد لدويلات مجهرية.6 ـ نصت المادة 9 علي خمس فقرات وأهمها الفقرة ـ أ ـ من أولاً التي نصت علي ما يلي:أولاً: ـ أ ـ تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو اقصاء وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تكون أداة في قمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة.بينما نصت الفقرة ـ أ ـ من المادة 27 من قانون ادارة الدولة علي أن تتألف القوات المسلحة العراقية من عناصر الوحدات العاملة ووحدات الاحتياط وغرض هذه القوات هو الدفاع عن العراق.وجاء نص الدستور ليسبغ علي القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية صفة مكونات الشعب العراقي ويضيف الي ذلك مراعاة توازنها وتماثلها من دون تمييز أو اقصاء، أي تقسيم القوات المسلحة بين مكونات الشعب العراقي وفق المحاصصة القومية والطائفية. وهذا ما تم في توزيع مجلس الحكم وبعده جميع المؤسسات الرسمية. وهذا التوزيع بين القوات المسلحة العراقية لن يشكل عنصر توازن أو استقرار وانما سيكون مدخلاً لاختلال هيكلي ومؤسسي في الجيش وقوات الأمن، وستكون هذه القوات بحكم تركيبتها القومية والدينية والطائفية تابعة للمرجعيات السياسية (القومية والدينية والطائفية) التي تمارس أدوارها السياسية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق.وخطورة هذا المنهج في توزيع القوات المسلحة العراقية أنه يمكن استخدامه مستقبلاً من قبل أية جهة سياسية (قومية أو دينية أو طائفية) لينعكس جغرافياً علي الأقاليم العراقية ويمهد لتشكيل الدويلات الطائفية والعرقية في العراق.وتجدر الاشارة الي أن المواد السالفة الذكر والتي وردت في الباب الأول من الدستور أي المباديء الأساسية قد أضفي عليها الدستور حصانة من التعديل لدورتين انتخابيتين، اذ نصت الفقرة ثانياً من المادة 122 علي أنه لا يجـــــوز تعديل المبــــاديء الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتــــخابيتين متعاقبتين وبناء علي موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام.7 ـ نصت المادة 39 من مسوَّدة الدستور علي ما يلي:العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون.ان هذه المادة لا مثيل لها في قانون ادارة الدولة، لا من حيث الصياغة أو المضمون. وانما كان مجلس الحكم السابق قد أصدر قراراً بمعني هذه المادة وهو القرار المعروف برقم 137 تاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 2003 الذي أحدث ضجة في المنظمات النسائية العراقية والدولية لمساسه بمجموعة من الحقوق المكتسبة للنساء بموجب قانون الأحوال الشخصية الصادر برقم 188 عام 1959 والذي عدل سبعة عشر تعديلاً علي نصوص القانون كما صدر 13 تشريعاً أضافت أحكاماً الي القانون وذلك حتي نهاية عام 1999. ويتضمن هذا القانون تسعة أبواب وهي:1 ـ الزواج ـ 2 ـ المحرمات وزواج الكتابيات ـ 3 ـ الحقوق الزوجية وأحكامها ـ 4 ـ انحلال عقد الزواج ـ 5 ـ العدة ـ 6 ـ الولادة ونتائجها ـ 7 ـ نفقة الفروع والأصول ـ 8 ـ الوصاية ـ 9 ـ أحكام الميراث.وتضمن القانون مع تعديلاته نوعاً من التوازن في العلاقات بين الرجل والمرأة والأسرة بصورة عامة بدءاً بالخطبة والزواج وانتهاء بالميراث. وتخضع هذه العلاقات لقانون موحد تطبقه محاكم الأحوال الشخصية.ونصت المادة الأولي من القانون علي ما يلي:1 ـ تسري النصوص التشريعية في هذا القانون علي جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.2 ـ اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضي مبادئ الشريعة الاسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون.3 ـ تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه الاسلاميان في العراق وفي البلاد الاسلامية الأخري التي تقترب قوانينها من القوانين العراقية (6)، علماً بأن القانون المدني العراقي الصادر عام 1951 قد اعتمد المنهجية نفسها. وبمعني آخر فان المنهج التشريعي العراقي يقضي باعتماد القوانين الوضعية التي تجمع بين مختلف المذاهب الفقهية ولا تلجأ الي اخضاع العلاقات بين المواطنين الي قواعد متنوعة قد تتعارض أحياناً وتسبب عدم الاستقرار في العلاقات وخاصة الأسرية.ومن المعروف أنه نتيجة احتجاج المنظمات النسائية العراقية والدولية لم تستكمل اجراءات صدور القرار 137 ولم ير النور. ومن الجدير بالذكر أن لجنة القضاء علي التمييز ضد المرأة أصدرت بياناً في دورتها المنعقدة في نيويورك بين 12 الي 30 كانون الثاني (يناير) 2004 أشارت فيه الي قلقها من قرار مجلس الحكم المتخذ يوم 29 كانون الأول (ديسمبر) 2003 المتعلق بقانون الأحوال الشخصية. وطالبت اللجنة بمراعاة أحكام اتفاقية القضاء علي التمييز ضد المرأة في جميع التشريعات والقرارات كونه عنصراً مهما في تقدم المجتمع العراقي (7).وعندما بدأت لجنة صياغة الدستور وتوزعت أعمالها بين لجان فرعية حيث صاغت اللجنة المكلفة الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات مواد هذا الباب. وكان بين مواده المادة 14 التي تنص علي ما يلي: الأحوال الشخصية ينظمها القانون حسب ديانة ومذهب الشخص.وأثار هذا النص في المشروع احتجاجات المنظمات النسائية الدولية حيث وجهت احدي المنظمات الاسبانية النسائية رسالة الي الأمين العام للأمم المتحدة والسفير الأمريكي في العراق وتضمنت طلب دعم المنظمات النسائية للدفاع عن حقوق المرأة العراقية واسقاط المادة 14 من مشروع الدســـــتور (8). وأوضحت الرسالة أن قانون الأحوال الشخصية الصادر في العراق منذ عام 1959 يعتبر من أفضل التشريعات في الشرق الأوسط التي تحمي حقوق المرأة في علاقات الزواج والطلاق والميراث ويحميها من التعسف في حقوقها. وان مشروع الدستور سيجعل حقوق المرأة تحت وصاية تفسيرات رجال الدين وليس نصوص القانون.وجاء نص المادة 39 من الدستور بديلاً عن المادة 14 من المشروع الأصلي الوارد في الباب الثاني بصورة تعطي الانطباع للقارئ بأن الدستور حريص علي حرية المواطنين ومعتقداتهم في الأحوال الشخصية.وخطورة هذا النص أنه سيعيد وضع حقوق المرأة الي ما قبل عام 1959 أي لتفسيرات رجال الدين وليس لنصوص القانون. كما أنه يهدد العلاقات الأسرية بعدم الاستقرار نتيجة تعدد التفسيرات الفقهية والمذهبية ويحول دون الاندماج الوطني عبر الزواج بين المنتمين إلي المذاهب المختلفة بموجب قانون الأحوال الشخصية الموحد وانه علي العكس من ذلك يخلق نوعاً من الغيتو بين الطوائف والمذاهب. وهذا يشكل خطورة علي الوحدة الوطنية ويمهد لبيئة اجتماعية وسياسية لتشكيل دويلات مجهرية وطائفية.ثانياً: الأحكام المتعلقة بالنظام الاتحادي في العراق وأبعاده المستقبلية علي السلامة الاقليميةلئن كانت المادة 106 من الدستور قد نصت علي أن تحافظ السلطات الاتحادية علي وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الا أن النصوص التي تعالج صلاحيات سلطات الأقاليم وتعارضها مع السلطات الاتحادية تجعل الغلبة لسلطات الاقليم ومن بينها ما ورد في الفقرة ـ ثالثاً ـ من المادة 107التي نصت بين أمور أخري في شأن السلطات الاتحادية علي ما يلي: رسم السياسة المالية والكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء بنك مركزي وادارته.ولم توضح هذه الفقرة ما المقصود بتعبير (عبر حدود الأقاليم والمحافظات) في العراق وهل في النية وضع حدود بين الأقاليم وتنظيم السياسة التجارية بينها أم المقصود بها الحدود التي تربط الأقاليم بالدول المجاورة.هاجس النفط والغاز بين ثروة استراتيجيةتنموية وموارد تتقاسمها الأقاليمكانت وما زالت الثروة النفطية للعراق موضع اهتمام وطمع القوي الامبريالية والاحتكارات العالمية. وان تجربة تأميم نفط العراق عام 1972 ساهمت في تعزيز حق الشعوب في السيطرة علي الموارد الطبيعية. ويبقي النفط هاجساً استراتيجياً في سياسة الدول تجاه العراق، وكان الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 يستهدف، بين أمور أخري، الهيمنة علي الموارد النفطية العراقية. ويتذكر الجميع أن القوات الأمريكية عندما دخلت بغداد لم تحافظ علي موجودات وأرشيف أي من الوزارات العراقية سوي وزارة النفط، بينما سهلت تدمير وسرقة باقي الوزارات والدوائر الحكومية.واستكمالاً للهيمنة علي النفط العراقي جاء الدستور ليوزع الموارد النفطية علي الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط ومن المعروف أن المحافظات المنتجة تتركز في شمال العراق وجنوبه، ما يثير شهية هذه المحافظات لتتحول الي أقاليم اتحادية، آخذين بالاعتبار أن اقليم الشمال في كردستان العراق موجود بحكم الأمر الواقع وتم الاعتراف به دستورياً في قانون ادارة الدولة والمادة 137من الدستور. واذا ما حلت مسألة تبعية كركوك الادارية بموجب المادة 58 من قانون ادارة الدولة وأصبحت جزءاً من كردستان، تصبح حكماً آبار النفط في الشمال ضمن اقليم كردستان.وهذا أثار بالطبع شهية محافظات الجنوب لتعلن عن نيتها تشكيل اقليم جنوبي يماثل اقليم الشمال في موارده النفطية. وتبقي محافظات الوسط التي لا تتضمن أراضيها آباراً نفطية لتخضع في ايراداتها علي ما يخصص من قبل السلطات الاتحادية في الموازنة العامة. هذا اضافةً الي تجريد محافظات الوسط من البني التحتية الاقتصادية وتبعات ذلك سياسياً.وباستعراض أحكام الدستور حول النفط والغاز تتوضح الأبعاد المستقبلية لاستخدام النفط والغاز في تهيئة البني الاقتصادية لمشاريع دويلات تتولد من الأقاليم المنتجة للنفط، بحيث تكون الثروة النفطية تحت هيمنة الاحتكارات النفطية في العالم، لأن استثمار النفط يحتاج لبني اقتصادية وارادة سياسية من دول مقتدرة وليس من دويلات تضطر لاخضاع ثروتها النفطية للاحتكارات الكبري.هوامشـ[1] Edmund Jan Osmanczyk, The Encyclopedia of the United Nations and International 2. Patrick Dailier et Alain Pellet Droit International PPublic 5eme ((s,1) Editions Deta, 1994), p.401.3. نشر الأمر في: الجريدة الرسمية العراقية (17 حزيران/يونيو 2003) ولكنه طبق عملياً منذ صدوره.4. نشر القانون في: الجريدة الرسمية (2 أيار/مايو 2004).5. اعتمدت نصوص الدستور كما وردت في الموقع الالكتروني للحكومة العراقية الانتقالية (www. iraqigoverment.org) والنسخة التي سلمت الي الأمم المتحدة والتي تم بموجبها الاستفتاء علي الدستور يوم 15/10/2005.6. نشر القانون مع أسبابه الموجبة في: الجريدة الرسمية (30 كانون الأول/ديسمبر 1959).7. Pre Release, IK/420WOM/1435 http://www.un.org 8. http://www.marders.org 7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية