قمة العرب الثالثة والثلاثون… ونكبات فلسطين الدائمة!

كنت آمل أن يُطلق على القمة العربية 33 التي استضافتها مملكة البحرين للمرة الأولى، ورأستها للمرة الثانية منذ القمة 15 عام 2003 في شرم الشيخ -»قمة غزة»! تيمناً واستكمالاً بما أطلقه الملك سلمان بن عبد العزيز «قمة القدس» على القمة العربية 29-عام 2019. وعلّق يومها «ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين جميعاً» وتبرع بـ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس.
هل هي محض صدفة تزامن الذكرى السادسة والسبعين للنكبة الأولى التي أعقبتها نكبات ونكسات متكررة حتى نكبة غزة. في النكبة الأولى تم ترحيل قسري لـ 750 ألف فلسطيني وفي النكبة الثانية أجبر الصهاينة مليوني من سكان غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأكثر من 650 ألف منذ بدء الهجوم على رفح!
حسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني قتلت إسرائيل 134 ألف فلسطيني وعربي في فلسطين منذ 1948، وارتكبت 3000 مجزرة واعتقلت حوالي مليون فلسطيني منذ نكسة يونيو/حزيران 1967.
يعيش الفلسطينيون منذ النكبة، نكباتهم المتكررة وخاصة خلال الثمانية أشهر الماضية وتزامن انعقاد القمة العربية الثالثة والثلاثين في 16 مايو/ايار الجاري مع ذكرى النكبة السادسة والسبعين، ومع بدء جلسات محكمة العدل الدولية لمناقشة مرافعة شكوى جنوب أفريقيا باتخاذ المحكمة إجراءات جديدة ضد إسرائيل بسبب شن عدوانها وحربها على رفح. وأتهمت جنوب أفريقيا(جمهورية غير عربية ومسلمة)إسرائيل «بالإفلات من العقاب وعلى محكمة العدل الدولية إجبار إسرائيل وبشكل سريع على الالتزام بالأوامر الصادرة بخصوص غزة». وكانت جنوب أفريقيا تقدمت بشكوى في ديسمبر/كانون الأول الماضي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب إبادة وانضمت للدعوى مصر وتركيا وليبيا ونيكاراغوا وكولومبيا والمالديف. كما أعلنت إيرلندا وبلجيكا عزمهما الانضمام للدعوى أيضاً.
للمرة الأولى تُعقد قمة عربية في البحرين – طبّعت العلاقات مع إسرائيل ضمن ما عُرف بـ «الاتفاق الإبراهيمي»- برعاية إدارة ترامب في سبتمبر/ايلول 2020، وبغياب كثير من قادة الصف الأول. لتتكرر شعارات لا يسندها الواقع: «مركزية القضية الفلسطينية» و«السلام خيار استراتيجي» فيما نتنياهو وعصابته اليمينية المتطرفة يوغلون في الدم الفلسطيني وتجتاح قوات العدو رفح وتستمر بارتكاب مئات المجازر ضد شعب غزة النازف والمحاصر والمكلوم والجائع والمشرد والذي لا يجد مكاناً آمناً للهرب إليه، وخياره بين الموت قصفا أو جوعا، بينما الأشقاء على معبر رفح يراقبون وبقية العرب في المنامة يجتمعون ويعجزون عن ردع الصهاينة المعتدين!

كررت القمة شعارات لا يسندها الواقع: «مركزية القضية الفلسطينية» و«السلام خيار استراتيجي» فيما نتنياهو وعصابته اليمينية المتطرفة يوغلون في الدم الفلسطيني

أدان القادة العرب في «إعلان المنامة» بأشد العبارات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وباتخاذ إجراءات فورية لوقف حرب غزة بشكل دائم وإطلاق سراح الرهائن، ووقف كافة محاولات التهجير القسري، ودعم مبادرات البحرين، ودعوا لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة على أساس حل الدولتين وإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة، وإنهاء الصراع، وقيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل. وكان لافتاً في «إعلان المنامة» نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية إلى حين تنفيذ حل الدولتين».
كان صادماً وسط حرب الإبادة تهجم محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على حماس واتهمها: «نفذت حماس هجوم 7 أكتوبر بقرار منفرد وبذلك وفرت لإسرائيل المزيد من المبررات لتهاجم قطاع غزة وتمعن فيه قتلا وتدميرا وتهجيرا»! وقد وصف قيادي في حماس خطاب عباس بالمؤسف ويبرئ إسرائيل بعدما جلب الدمار للفلسطينيين لأكثر من 30 عاماً»!
لم تتطرق القمة لسؤال محوري: حول ما أوردته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية هل فعلاً حثت إدارة بايدن دولا عربية للمشاركة بقواتها ضمن قوات حفظ السلام في غزة بعد نهاية عدوان وحرب إبادة إسرائيل على غزة لتملأ الفراغ حتى تتمكن قوات السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة مستقبلاً!؟ ويرفض بايدن ودول أوروبية المشاركة بقوات أمريكية وأوروبية في غزة، وهو مطلب الدول العربية حتى تشارك بقوات حفظ السلام، وهو ما يرفضه نتنياهو وحكومته المتطرفة. والسؤال ما هي مهمة تلك القوات؟ وهل ستعتبر القوات حرس حدود لإسرائيل؟ وما هو موقف السلطة الفلسطينية؟ بينما أعلنت حماس رفض وجود قوات دولية في قطاع غزة؟!
ويبقى سؤال يثير قلق الجميع ماذا عن وضع ومستقبل غزة؟ ودور حماس والسلطة الفلسطينية في اليوم التالي بعد نهاية حرب الإبادة؟ ومن سيدير قطاع غزة وسط مطالبات تزامنت مع انعقاد القمة العربية في المنامة من وزير الأمن المتطرف ايتمار بن غفير يطالب بإقامة مستوطنات في غزة وخلاف حول الحكم العسكري!! أدت لانقسامات داخل مجلس الحرب بين جناحين أقصى اليمين المتطرف حول بقاء جيش الاحتلال في غزة ومطالبة وزير الحرب يوآف غالانت بالاستقالة! لم يُجب البيان القمة الختامي عن مشاركة قوات عربية من عدمه ضمن القوات الدولية التي طالبت القمة بمشاركتها؟!
لكن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد كان واضحاً برفضه واستنكاره ادعاء نتنياهو أن «الإمارات والسعودية ودولا أخرى من الممكن أن تساعد حكومة مدنية مع سكان قطاع غزة بعد الحرب… وأن تشارك في مساعدة حكومة مستقبلية في قطاع غزة بعد الحرب». وانتقد في تغريدة على موقع أكس قائلا: «تشدد دولة الإمارات على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتمتع بأي صفة شرعية تخوله اتخاذ هذه الخطوة، كما ترفض الدولة الانجرار خلف أي مخطط يرمي لتوفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة»…».عندما يتم تشكيل حكومة فلسطينية تلبي آمال وطموحات الشعب الفلسطيني الشقيق وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية، فإن الدولة ستكون على أتم الاستعداد لتقديم كافة أشكال الدعم لتلك الحكومة».
للأسف يتكرر المشهد في كل قمة عربية، وصب مياه قديمة في زجاجات جديدة!!ولا يتوقع العرب وأعداؤنا إنجازات تحولنا الى رقم صعب في المعادلة الإقليمية، لذلك لا يُحسب لنا حساب!

استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عامر عريم:

    مقال جيد. ولكن بسبب الحرص على المناصب والجاه. والخوف من المستقبل وغيرها تجعل الدول العربية وخاصة السلطة الفلسطينية غير قادرة على مواجهة التحديات الصهيونية او إقناع غالبية الدول الغربية من تغيير انحيازها التام الى اسراءيل بالرغم من انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي الانساني بما في ذلك مجازرها اليومية ضد الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة الصامدة. اما بالنسبة لنا العرب والمسلمين البعيدين عن السلطات فلا يوجد أمامنا إلا ان نرفع اصواتنا عالياً نرة للشعب الفلسطيني وان ندعو الله سبحانه وتعالى ان يفرج عن اهلنا في فلسطين.

  2. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكراً أخي عبد الله خليفة الشايجي. بعد قراءة هذا المقال يمكنني القول أن من الواضح أن الأنظمة العربية فاقدة الصلاحية! وفي الحقيقة لفتني استهتار نتنياهو بأصدقاءه (هذا إن كان بالفعل يعتبرهم كذلك) المطبعين، فيبدو أنه برى فيهم مجرد دولاب إحتياط في الصندوق الخلفي لسيارته. ومن جهة أخرى لفتني أيضاً اللهجة الشديدة لكن الدبلوماسية في تعليق وزير الخارجية الإماراتي على استهتار نتنياهو. يبدو لي أن الشدة هنا ايست إلا تعبير عن العجز وليست تعبير عن موقف. السيد وزير الخارجية يعرف وبفهم جيداً أن نتنياهو لايعبّره! ولايهتم لأقواله لأنه كلام يمحوه النهار! عندما تحترم السياسة العربية نفسها سيحترمها الأخرون، فمتى تتعلمون احترام شعوبكم ياسادة.

اشترك في قائمتنا البريدية