عادت سوريا بنظام بشار الأسد إلى مقعدها في الجامعة العربية، ولكن العودة ستكون قيد الاختبار، رغم اقتناع كثيرين أن الرهان على تَغيُّر الأسد هو كالسير خلف السراب.
غاب مشهد الصراعات عن القمة العربية الـ32 في جدّة والتي تسلّمت المملكة العربية السعودية رئاستها لسنة مقبلة. أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن تكون قمّة «التجديد والتغيير» و«لمّ الشمل» و«رأب الصدع»، و«العمل المشترك» وأن يضخَّ فيها روحية تُلاقي طموحاته الكبرى في جعل الشرق الأوسط «أوروبا جديدة» كقوة فاعلة ومؤثرة من بوابة الاقتصاد، والتنمية، والتي تُشكِّل «رؤية 2030» نموذجاً سينقل نجاحها المنطقة من حال إلى آخر، ويحفرُ بثباتٍ موقعاً عربياً متقدماً في عالم متعدّد الأقطاب تتبلور معالمه أكثر فأكثر في ظل التحوُّلات الدولية والإقليمية الكبرى الحاصلة.
الطموحات كبيرة لكن التحديات أكبر وأصعب. تقتضي صورة «لمّ الشمل» أن تكون سوريا في قلب «البيت العربي». في الشكل، تحقّق ذلك. عادت سوريا بنظام بشار الأسد إلى مقعدها في الجامعة العربية بعد 11 سنة على تعليقه، ولكن العودة في المضمون هي مسألة أخرى وستكون قيد الاختبار، رغم اقتناع كثيرين أن الرهان على تَغيُّر الأسد هو كـ»السير خلف السراب». أساساً، يتعامل الرجل في قرارة نفسه على أنه المنتصر، وليس هو من تَغيَّر بل العرب هم الذين تَغيَّروا وانفتحوا عليه. لم يستطع النظام السوري أن يلجم طويلاً تلك النظرة المتعجرفة والصلفة، فجاء سؤال مراسلة قناة «الإخبارية السورية» لكل من وزير الخارجية السعودي والأمين العام للجامعة العربية في المؤتمر الصحافي بعد القمة ليشكل تعبيراً فاقعاً عن بواطنه. سألت المراسلة السورية الوزير فيصل بن فرحان عمّا إذا كان التحرُّر من الإملاءات الغربية هو وراء إعادة بناء سياسات المملكة على أساس المصلحة القومية لا مصلحة الخارج؟ وهل عجّل ذلك في لمِّ الشمل العربيّ وفكِّ طوق القيود الغربية وساعد في إيجاد آلية تفاعلية للجامعة العربية؟ وقالت لأحمد أبو الغيط: إنَّ الشارع العربي، بأكثريته، لم يعد يُتابع قمم الجامعة العربية، فما الذي ستفعله ليقتنع الشارع بأنها تغيَّرت؟
كانت أجواء دمشق قبل اجتماع وزراء خارجية السعودية، والعراق، ومصر، والأردن، مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في الأول من أيار/مايو في عمّان قد طوت صفحة العودة لأنها غير راغبة في تقديم أية ضمانات أو الاستجابة لما سُمي بـ«دفتر شروط» تُطالب به بعض الدول العربية، وأنَّ الأسد يفترض أن يزور المملكة لمحادثات ثنائية. وضع اجتماع عمّان «خريطة طريق» مفصّلة وأجندة محادثات تستهدف الوصول إلى حل للأزمة السورية، ينسجمُ مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 ويُعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية، والسياسية، والأمنية، وفق جدول زمني سيتمُّ الاتفاق عليه، وهو ما عبَّد الدربَ أمام عودة سوريا. يقول قربيون من النظام السوري إن الرياض سعت بقوة إلى تذليل الاعتراضات العربية والتي عبَّرت عنها قطر والكويت بقوة كما مصر والأردن، وتعكس في جانب منها الموقف الأمريكي الرافض. يتحدث هؤلاء عن أنَّ دمشق أعطت الرياض «على الورق» في بيان عمّان لامتصاص التشنُّج العربي في ظل إصرار ولي العهد السعودي على عودة سوريا وحضور الأسد للقمة تحقيقاً لمشهد رأب الصدع العربي وللدور الذي تستثمر فيه بلاد الحرمين كقاطرة للعمل العربي المشترك.
خلا البيان الختامي، فيما خصَّ سوريا، من مفردات الحلّ السياسي ومرجعياته. وطغت لغة الترحيب بالعودة على غالبية كلمات المتحدثين، فيما جاءت كلمة الأسد لتطالب بـ«ترك القضايا الداخلية لشعوبها فهي قادرة على تدبير شؤونها، وما علينا (كجامعة) إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصراً» متحدثاً عن «سوريا قلب العروبة وفي قلبها». هي جملة ختامية حمَّالة أوجه، يقرأها المرءُ من الزاوية السياسية التي يقف فيها. يقول متابعون إنَّ قرار الجامعة العربية رقم 8914 الذي أقرَّ استئناف مشاركة سوريا في مجلس الجامعة، تضمّن تأكيداً على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرُّج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ «خطوة مقابل خطوة» وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بدءاً بمواصلة الخطوات التي تُتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
تتطلّب البراغماتية العربية تجاه نظام دمشق، في حال نجاحها، وقتاً لاستيعابها من قبل الشعب السوري الذي ثار على النظام، فهُجِّر من بلاده، وسُـوِّيت منازله بالأرض، وقُتل مئات الآلاف من أبنائه، وزُجَّ بعدد مماثل في السجون الذين سيشبهون الأموات إنْ خرجوا منها. وتتطلّب جهداً عربياً في اتجاه الغرب لتجاوز الاعتراض على التطبيع مع الأسد والعقوبات التي ستُعيق الاستثمارات المالية والانخراط في إعادة الإعمار. ففي إجابته عن أسئلة الصحافة الأجنبية، تحدث بن فرحان عن حوار سيحصل مع الغرب لتبديد قلقهم، آملاً في أن يساعد «الشركاء في الغرب» في حل الأزمة السورية تماشياً مع قرارات مجلس الأمن التي تسمح بجهود التعافي المبكر.
الغضب الغربي للتطبيع مع سوريا – ولا سيما أمريكياً حيث تنظر واشنطن إلى الخطوة العربية بقوة الدفع السعودية على أنها تصبُّ في خانة روسيا التي تغزو أوكرانيا كونها تُريحها وحلفاءها في سوريا – لاقى سبيله إلى الاحتواء عبر دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ضيفاً على قمة جدة وإلقائه كلمة بسقف سياسي عالٍ أمام القادة العرب. خطف زيلينسكي الأضواء من الأسد، وأضحى هو الحدث الإعلامي. وازنت الرياض في دعوتها للعدو اللدود لفلاديمير بوتين، والحليف القوي لجو بايدن، بين المحوَرَيْن في رسالة تأكيد على المسافة الواحدة في الحرب الروسية على أوكرانيا، وانتهاج المجموعة العربية سياسة «الحياد الإيجابي».
على أن الأبرز حضوراً في القضايا الشائكة على طاولة القمة كانت القضية الفلسطينية. أكدت كلمات القادة العرب بحزم على أنها ما زالت هي قضية العرب والمسلمين المحوريّة. أُعيدتِ الروحُ إلى مبادرة السلام العربية التي أقرَّتها «قمة بيروت» في 2002 على أساس حل الدولتين، بحيث تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية، بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. تصدرتِ القضيةُ الفلسطينيةُ البندَ الأول في «إعلان جدة». وكان لافتاً في رسالة الرئيس الروسي إلى القمة تأكيده أن «روسيا ستستمر في تقديم كل مساعدة ممكنة لتسوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي». وأبدى عزمه على مواصلة دعم الجهود الجماعية من أجل الحل السلمي للقضايا الإقليمية الحادة، بما في ذلك الأزمات في سوريا، والسودان، واليمن، وليبيا، حيث له تأثير ونفوذ في مقابل التأثير والنفوذ الأمريكيَّين. وهي أزمات تطرَّقت إليها المداولات، فأكدت على مرجعيات الحل في الأزمة اليمنية، وعلى ضرورة عدم التدخل الخارجي في الأزمة السودانية التي بدأ طرفا النزاع فيها محادثاتهما في مدينة جدة وفق المبادرة السعودية – الأمريكية وآلية متابعة تشمل مصر أيضاً. ثمة تأكيد واضح على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية الوطنية، وهو أمر ينطبق على غيرها من الدول التي تحوَّلت إلى ساحات صراع للاعبين الخارجيين بأيادٍ ميليشياوية، فكان أن خصَّص «إعلان جدة» بنداً يُطالب بـ«وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، والتأكيد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تُفاقم معاناة الشعوب وتُثخن في تدمير منجزاتها وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني تلك الدول».
وحين لا تعلو أصوات المدافع، تخفت أصوات الدبلوماسية؟ هذه هي حال لبنان الذي تناولته قرارات القمة عبر إعلان التضامن معه وحث الأطراف اللبنانية كافة على التحاور من أجل انتخاب رئيس للجمهورية يُرضي طموحات اللبنانيين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته. وقرأ متابعون معيار «رئيس يُرضي طموحات اللبنانيين» على أنه لا ينطبق على مرشح «الثنائي الشيعي» سليمان فرنجية الذي يُدرج في خانة المحور السوري – الإيراني، ذلك أن الكتل المسيحية البارزة وصاحبة التمثيل المسيحي الأكبر ترفض فرنجية، وأَعلن بعضها أنه سيعمل على تعطيل النصاب لمنع وصوله.
وانعكس الاتفاق السعودي – الإيراني على بيان القمة الذي كان في كل سنة يُخصِّص فقرة تتناول التدخلات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في الدول العربية. فغابت التدخلات الإيرانية وأوصاف المنظمات الإرهابية عن أذرعها العسكرية في المنطقة، وفي مقدمها «حزب الله» الذي تُشير المعلومات إلى بدايات حوار، بالواسطة، بينه وبين السعودية، يتولّى جسَّ نبضها رئيس وزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي. والتهدئة في اتجاه إيران انسحبتْ أيضاً على تركيا، حيث قال أبو الغيط أنه مطلوب منهما أن تلتقطا الخيط لبدء صفحة جديدة مع جوارهما العربي.
وفي لحظة التهدئة مع الجوار العربي وسط تحوّلات إقليمية ودولية ومخاض دولي سيُسفر عاجلاً أم آجلاً عن طبيعة النظام العالمي المقبل، وفي لحظة جيوسياسية مؤاتية عربياً يأتي تأكيد بن سلمان في كلمته كولي للعهد السعودي وكرئيس للقمة العربية لدول الجوار والأصدقاء في الغرب والشرق، بـ«المضي نحو السلام والتعاون والبناء وعدم السماح بأن تتحوَّل المنطقة إلى ميادين للصراعات، عانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية»، «قمة جدّة» ملؤها طموحات كبرى ولكن أمامها صعوبات جمة. وتبقى العبرة في النوايا.
قمة جدة ليست إلا استمرار للقم العربية الماضية، ولم ولن يفلح بن سلمان بطموحاته الشخصية في تحقيق شيء يذكر من قراراتها لسبب بسيط وهو أن السياسة ليست قرارات شخصية وارتجالية عادة لدى “القادة” العرب، بل قرارات مدروسة بعناية ومن ثم يأتي إصدارها من أجل تفعيلها!. مثلًا من منا بالله عليكم بعتقد أن النظام السوري سيمتثل للمطالب التي تم وضعها لقبول عودته! وهل هناك عاقل على وجه الأرض يعرب هذا النظام عن مثل ويرى أنه جادًا في كلامه أووعوده. بل أن “خطابه” في القمة وتصرفه يوحي بكل شيء! وحتى زيلينسكي كان خجولًا في الإشارة إليه مما يعني أن القمة بمجملها مجرد صور وعروض للمشاهدة لاغير. “تبويس لحى” كما يقال بالعامية. ثم ومن منا بالله عليكم يعتقد أن مبادرة السلام العربية “بيروت ٢٠٠٢” وحل الدولتين الذي يطالبون به سيلقى أي اعتبار من الحكومة الإسرائيلية أو أي حكومة إسرلئيلية أخرى قادمة، وحتى لو! حصل تطبيع مع السعودية ذات يوم! النظام العربي بائس ولابد من التغيير وربيع أخر قادم وإن شاء الله.
ولكن مصائر شعوب الشرق الأوسط بأيدي لورنس وسايكس بيكو وهم من يقررون من الذي يسوس ويحكم!