قَوافِلُ تَخْتفِي فِي الأُفقِ

هَذا الفَجْرُ
يَتَرَدَدُ عَلَى نَافِذتِي
مُثْخَنًا بِالأَلَمِ
كَأَنَّهُ ثَلْجٌ مُتَفَحِمٌ
عَلَى قِمَّةِ حُلْمَةِ جَبَلٍ
هَذَا الفَجْرُ المُرَصَّعُ بِنُقَاطٍ بَيْضَاءَ
كَأَّنَّه ُسِرٌّ خَلْفَ بَابِ خَشَبِيِّ مَنْخُور
قَلْبٌ يَنْبُضُ بِحَريرِ اللَّيلِ هَذا الفَجْرُ
جَزِيرَةٌ تُومِضُ عَلى ساحِلٍ مَهْجُورِ
خِنْجَرٌ فِي عُنُقِ نَجْمَةٍ بَرِيَّة ٍ
عَلى الخَط ِّ السَّحِيقِ لِلعُصُورِ
بَينَ تَمْبُكتُو وسَاحل افريقيا
حيثُ كانتْ قَوافلُ الأَيَّامِ
تَخْتفِي تِبَاعًا في أفقِ القَرية
قَوَاِفلُ تَلُوحُ من بَعيد
كفَوانيِسَ تَتَسَلَّقُ أُفُقَ الأَبدِيَّةِ
لِتَنْطَفأ فَجأْة ً
وكانَت تقُودُها أَسْرابُ طيُورِ
وغُيومُ الفِضَّةِ
بَينَما تَرمِينِي السَّمَاءُ
بِمذّنَّبَاتٍ غَرِيبةٍ
وتَخْتَفي
أَسْفَلَ الجَبَلِ
حيث تستحم القرية
في ضباب كثيف
ثَمَّة حُقولٌ هَادئَةٌ
حُقولٌ تَجُوبُها َأفْكارِي المُؤَجَّلَة
وأَحْلاَمٌ أنْهَكَها الانتِظَارُ
علَى حَافَّةِ النَّافِذةِ
حَيثُ أَظَلُّ مَشْدوهًا مِثلَ بُحَيرَةٍ
وهَا أنت تَرَى
من خِلالِ هَذِه النَّافِذَةِ ذاتها
في هًذا الفَجْرٍالذي يَحُطُّ عَلَى غُصْنِ شَجَرَة
مِثْلَ دَمْعَة مِثْلَ عُصْفُورٍ تَرَى
الطَّريق والكون والأَحْجَارِ
آثَارُ دَمٍ أَبيَضَ هَيكَلُ حَيوانٍ مِنْ ذَهَبٍ
صَحْراءٌ سَكْرَى بِوحِيشِ الظَّلاَمِ
عِظَامُ الإبِل المَنسِيَّةُ وأَرواحُ مِياهٍ
عَلى قَارعَة العَالمِ حَيثُ يَتمَدَّدُ الفَجْرُ
أَعْشَاشُ القُرونِ عَلى شَجَرةٍ
تَراهَا دُونَ أَن تَسْتطِيعَ التَقَدُمَ
وَأنْ تَلْمَسَ زُجَاجَ الوَقْتِ المُتطَايرِ
كالحُبِّ فِي أعْماقِ بِئْرٍ
في هَذا الفجْرِ
الفَجْرُ الذِّي يَسِيلُ من فَوقِ الجِبالِ
مثل حَريرِ الهَواءِ وأنِينِ الأَركَانِ؛
فِي صُورَة أحْجاَرٍ كَريمةٍ
أحْجَارٌ تُروضُ النُّجُوم في مَحاجِرهَا
كأَنَّها جَماجِمُ
تُردِّد صَدى عَابري الصَّحراءِ
أما الضَّوءُ
فَقَد سَقَطَ شَرِيدًا
عَلى سَطْح المِياهِ المَنْسِيَّة ِ
حيث تطفو جراح النيلوفر
بَيْنَمَا
كانت تَخْتَفِي عَربَاتٌ
فَي الأُفقِ الذِّي يَلمعُ بالفجرِ
كنا نُحسُ نَبَضاتِ فجرٍ يَنْزف
في عُيونِنا
بعد أن صَارت مَرايا الكَونِ
بحيراتٍ من الصَّمتِ المشْبوه
كجَريمَة ٍقُربَ بِئْرِ
في هَذا الفَجْرِ وَهُو يَنْفُخُ رُوحًا زَرْقاَءَ
فِي قُلُوبِنا التِّي شَرعَت تَسِيلُ
عَلَى رَصِيفِ العَالَمِ
ولاَحَتْ فِي الأُفُقِ
عَرَبَاتُ الصَّباحِ الضَّائِعَةُ في الضَّبَابِ
مُحَمَّلَة ًبريشِ الأَمَلِ وغُيُومِ الذَّهَبِ
إلَى أَنْ يَجُوبَ الظَّلاَمُ أرْجَاءَ الكَونِ
ويَحْمِلَ أَخْبَارًا جَدِيدَة
ونَنْتظِر مرَّة ًأخْرَى
الفَجْرِ
عَربَاتُ الصَّبَاح فِي الضَّباَبِ الكَثِيفِ
رِيشُ الأَمَلِ بِألوانٍ أُخْرَى
غُيومُ الذَّهَبِ تَجُوسُ التِّلاَلِ
في هَذ الفَجْرِ الذِّي يَقْطُرُ بَطِيئًا
مِنْ كُوَّةٍ فِي السَّمَاءِ
هُناكَ حَيْثُ كُنَّا نُصِيخُ السَّمْع
لِأَنِينِ الهَواءِ
وحَفِيفِ الأَوْراقِ المُتَسَاقِطَةِ مِنْ أَغْصَانِ الضَّوءِ
واللاَّجِئُونَ
لاجئون فَرُّوا مِنْ ضَجِيجِ الحَربِ
وصُراخِ الأطْفَالِ
وَقَد شَرَع يَشُقُّ القَلْبَ مِثْل بَرْقٍ؛
ومَوتَى هَجَرُوا قُبُورهُم
وإخْوةُ يوسُفَ
وهُم يَبْكُونَ عَلى مَشَارفِ الأَبدِيَّةِ
بَعدَ أن آشْتعَلتْ حُروبٌ أخْرَى
دُون أنْ يَنْتَصِرُوا
فِي هَذا الفَجرِ
حَيثُ كنْتُ أُحْصِي الخَسَاراتِ
قُربَ البِئرِ
لاَ أحَدَ مِنهُم إخْوة يُوسُفَ
سَيُدرِكُ
آثَارَ الفَرحِ
سِوى الشَّمسِ التي تَطلُعُ بأخْبارٍ جَديدَةٍ
تُعيدُ الحَياةَ إلَى المِياه المَيِّتةِ في الأَعمَاقِ

٭ شاعر مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية