متى يقرأ العرب؟

إنه واجب إنساني وقومي أن نقرأ بتمعن ذلك الكتاب الذي كتبه مشهد مليون ونصف مليون شخص يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر في بيروت. إنه يوم ينطبق عليه قول أحد الشعراء “إبك أيها العالم الثقيل.. إبك وأنت تدور حول ذاتك.. موشحاً بالضباب”. وإنه كتاب فلسفة قال عنها الفيلسوف اليوناني سقراط “ما الفلسفة إن لم تكن هي دراسة الموت”. وهو كتاب عن الشهادة لخّصه الشاعر البريطاني أودن في بيت شعر واحد: “حتى الشهادة المحيرة ستأخذ مجراها”. وهو استجابة لنداء البطولة الذي تلفظ به شاعر بولندي: “رب لا تدعني أموت في فراشي، رب دعني أموت في ساحات النضال في سبيل الحرية”.
وأخيراً هو كتاب دين يصف شخصيتي شهيدين حاولا العيش بصدق وتواضع، حسب قول ينسب للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم): “تخلقوا بأخلاق ربي، إن ربي على صراط مستقيم” ، وهو تفسير رسولي مبهر لقول رب العزة في قرآنه الكريم “ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم”.
سيحتاج شباب وشابات الأمة أن يدرسوا تفاصيل ذلك الكتاب بأوجهه المختلفة من أجل إغناء حياتهم الشخصية، ومن أجل إضفاء النبل والمروءة على نضالاتهم السياسية المستقبلية. وفي سبيل قراءة صحيحة دعهم أولاً أن يتخلصوا مما قد يعيق تلك القراءة الصحيحة مثل، المشاعر الطائفية المريضة، أو الاستماع إلى أصوات الاستخبارات الاستعمارية والصهيونية المشككة في معاني المشهد البيروتي، المجسّد للهوية العروبية الجامعة، والأخوة الإسلامية المتعاضدة ولمعاني القيم الإنسانية الدولية الصحيحة، وأن يبتعدوا عن طرق الشخصنة المليئة بالمطبات ويسلكوا طرق المبادئ والقيم وإشارات السّمو الكبرى. وكمدخل لذلك الابتعاد عن المعيقات لهم أن يطرحوا السؤال المفصلي التالي الذي ستكون الإجابة عليه تفسيراً لكل سلوك مارسه الشهيدان ولكل تضحية قدماها. السؤال المفصلي هو: هل كان باستطاعة القائدين أن يقفا في جنوب لبنان ساكنين وهما يشاهدان مذبحة الهولوكوست الاستعماري الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وسائر فلسطين، وهي تحصد أرواح الأطفال وأمهاتهم، وتحرق منازلهم، وتسكنهم في العراء ليل نهار، ولا تبقي لهم مدرسة ولا مستشفى ولا مستوصف إلا وتحاصرها وتقتل العاملين فيها، وتأسر شاباتهم وشبابهم لتضعهم في سجون تعذيبها وإذلالها واعتدائها المخزي على الشرف والعفّة؟ وهذا السؤال المفصلي الأساسي سيطرح الكثير من الأسئلة الفرعية: ما هي حدود الالتزام الوطني إزاء الالتزام القومي والإسلامي، ومتى يعلو الواحد على الآخر؟ وما إمكانيات النوم بسكينة مع الضمير المعذب الغاضب؟ وما هو الخط الأحمر الذي يفصل الجبن عن الشجاعة والمروءة عن الذل؟

ما يأمله الإنسان هو أن يقرأ الشباب العربي كتاب بيروت بشكل أفضل لينتقلوا لتفعيله في المستقبل القريب. هذه أمة تعودت أن لا تقرأ كتب أبطالها، وقد آن الأوان أن تقرأ ثم تفعّل

فقط بعد الإجابات الصحيحة الأخلاقية على تلك الأسئلة يستطيع الإنسان أن يشير إلى هذا الفعل فيعتبره خاطئاً في هذا التفصيل، أو مستعجلاً في هذه الخطوة، أو غير ذلك من ملاحظات قابلة للأخذ والعطاء وللإبقاء أو الإلغاء.
وأخيراً ليطرح السؤال المفصلي الذي يجب أن لا ينسى قط: حتى لو وقف الشهيدان في جنوب لبنان كمتفرجين، فهل كان العدو سيقف ساكناً، إن عاجلاً أو آجلاً، بشأن وطنهما الصغير ووطنهما الكبير؟ هل كانت القضية هي غزة أم أن القضية في ذهنهما كانت الصراع العربي والإسلامي الوجودي ضد المؤامرة الصهيونية وحلفائها التي لن تقف عند حدود ولن يكون لها سقف؟ مشهد بيروت كان مماثلاً لمشهد القاهرة وهي تودع جثمان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. في ذلك اليوم كتبت الجماهير كتابها، لكن مع الأسف حتى اليوم لم يقرأ بما فيه الكفاية ليفعل ما فيه.
ما يأمله الإنسان هو أن يقرأ الشباب العربي كتاب بيروت بشكل أفضل لينتقلوا لتفعيله في المستقبل القريب. هذه أمة تعودت أن لا تقرأ كتب أبطالها، وقد آن الأوان أن تقرأ ثم تفعّل.
كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الحسنات:

    صباحكم أخي الفاضل بكل خير وصحة وسلام عليكم صبح ومسا، نعم نحن شعوب
    لا تقرأ ولا تسمع ولا تعمل، إلا ما تريد عواطفها وتحيازاتها وأحكامها المسبقة،
    كتبت جماهير بيروت عن الغزو والإجتياح في وداع المقاومة 1982، وها هي تكتب بسمو أخلاق عالية الجودة الإغتيال والشهداء في بيروت 2024، كما كتبت جماهير مصر الناصرية
    في وداع جمال عبد الناصر في قاهرة المعز 1970، لكن إستاذي نحن نتعلم ونعمل
    أفضل مما سبق، بدليل زلزال السابع من أكتوبر وتداعياتها وإرتداداتها شاهداً ودليلاً .

  2. يقول سالم:

    قرأو وحفظوا القرأن عن ظاهر قلب وأهدوا النصر الى الامام ولم يأبأهوا بالحقائق, سقطوا الواحد تلو الاخر لأنهم لم يعتمدوا على دعم شعبهم وعولوا على دعم اخر غالبيته خارجي او فئوي من حزبي مقهور الى طائفي قذر على نمط خسارتهم, اما عن الامتين العربية المنتهية صلاحيتها والاسلامية المجاورة الطامعة في ارض العرب فلا مجال للاعتماد عليهما وخاصة الثانية, لم يبق الا الاعتماد على الذات الحقيقية للانسان العربي الحر رغم قلته في هذه الايام,

  3. يقول شرحبيل الشامي:

    رحم الله شهداء الامة وجزاهم عن شعوبهم خير الجزاء. فرق شاسع بين مقاوم بوصلته فلسطين والقدس ومطبع مع كيان غاصب للارض والعرض.

اشترك في قائمتنا البريدية