جنحت بعض الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات مبالغ فيها من أجل مجابهة وباء كورونا، وربما تكون هذه الدول قد تعمَّدت التهويل والمبالغة، وإرعاب الناس من أجل دفعهم للقبول بما تريده من إجراءات، وربما من أجل تحقيق مآرب سياسية أخرى، لكن هذا سيؤدي بنا إلى كوارث لاحقة تزيد عن كونها «أعراضا جانبية» لحالة الطوارئ التي فرضها الفيروس.
الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية للحد من انتشار كورونا أكثر صرامة في مجملها من تلك التي اتخذتها الدول الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، وهي إجراءات وإن كان أغلبها مبررا ومنطقيا لكن من بينها ما هو بعيد عن المنطق، فضلاً عن أن بعض الدول العربية ذهبت باتجاه فرض قبضة أمنية وعسكرية حديدية بحجة حماية الناس من المرض، والواقع الظاهر هنا أن هذه الأنظمة تريد أن تسترد عافيتها، بعد أن أضعفتها ثورات الربيع العربي، وترى في انتشار الفيروس الفرصة المناسبة لفعل ذلك، بل إن الدول العربية وجدت في منع التجمعات، فرصة لحظر الاحتجاجات، وتريد من ذلك تحقيق أهداف سياسية لا الحد من المرض.
بعض الدول العربية فرض قبضة أمنية وعسكرية حديدية بحجة حماية الناس من كورونا والواقع أنها تريد أن تسترد عافيتها
أما ما يدفعنا الى هذا الاعتقاد، فهو أن بعض الدول العربية فرضت إجراءات صارمة مثل حظر التجول الشامل بحجة مكافحة الفيروس، والحفاظ على أرواح الناس، في الوقت الذي لم تفعل ذلك أي من دول العالم الأخرى التي تجابه المرض ذاته، فلا الدول التي اجتاحها الوباء لجأت لهذه الإجراءات، ولا الدول التي ظل الوباء فيها محدوداً لجأت لذلك، ما يعني أن هذه الإجراءات لا تنقذ المنكوب بالوباء، ولا تحمي الخائف من انتشاره. تريد بعض الدول العربية لنا أن نصدق بأن لديها وصفة سحرية لمكافحة كورونا، وأن هذه الوصفة لم تخطر ببال الإدارة الأمريكية، التي تواجه أكبر كارثة منذ الحرب العالمية الثانية، كما تريد لنا بعض الدول العربية أن نصدق بأن حكوماتها حريصة على حياة مواطنيها أكثر من حرص الولايات المتحدة وأوروبا على مواطنيها، ولذلك فقد فرضت حظراً كاملاً وشاملاً للتجول حفاظا على أرواح الناس، بينما لم يفعل الأمريكيون والأوروبيون والكوريون ذلك لأنهم لا يكترثون بأرواح شعوبهم!
وصل الحال ببعض الدول العربية أن عطَّلت البرلمان، والقضاء، والأحزاب، والمؤسسات العامة، والمدارس والجامعات، والمواصلات، ونشرت الجيش في الشارع، وصولاً الى حظر التجول الشامل الذي يقضي بمنع الناس من الحركة والعمل لتحصيل قوت يومهم، وكل ذلك بحجة مكافحة كورونا، بينما لم تصل أي دولة أخرى في العالم الى هذا المستوى من الصرامة في الإجراءات، بما في ذلك الصين التي ظهر فيها الفيروس، ويكاد يختفي تماما، ومع ذلك لم تتعطل الحياة ولو يوما واحداً، بل اكتفت الحكومة بعزل الإقليم الموبوء عن باقي البلاد.. وعزله لا يعني طبعاً حظر التجول الشامل، ورغم ذلك كله فليست المشكلة في أن بعض الدول العربية تريد أن تستغل موسم كورونا، وتحقق بعض المكاسب السياسية، وإنما ثمة كوارث مقبلة ستؤدي اليها هذه الإجراءات المبالغ فيها وغير المحسوبة، وأهم هذه الكوارث الأزمة الاقتصادية، التي تنتظر بلادنا العربية، والتي ستصل في بعض الدول الى مستوى الانهيار الاقتصادي والمالي الشامل، لأن حظر التجول الشامل يعني انهياراً اقتصادياً شاملاً، إذ لا يمكن لعجلة الاقتصاد أن تدور في العدم ولا يمكن للاقتصاد أن يتحرك بينما يُمنع البشر من الحركة.
الدول العربية التي تبنت سياسة تقوم على فرض حظر تجول شامل، وإغلاق كامل للمطارات والحدود، وتعطيل كامل للمؤسسات والشركات والأعمال، وصولاً الى منع مواطنيها من العودة الى بلدانهم، سوف تنتهي قريباً الى أزمة اقتصادية ومالية خطيرة، وهذه الأزمة سوف تكون أضرارها على البلاد أكبر بكثير من مخاطر فيروس كورونا. ثمة الكثير من التفاصيل التي يُمكن أن تُحكى في الأزمة الاقتصادية المقبلة على الدول العربية، لكن مثالاً واحداً يكفينا لأن نتخيل ما الذي سيحدث، ففي الولايات المتحدة أظهرت الأرقام الرسمية ارتفاع أعداد طالبي إعانات البطالة، خلال شهر مارس بنسبة 3000% (نعم ثلاثة آلاف بالمئة)، وهو ارتفاع لم يسبق أن تم تسجيله في تاريخ الولايات المتحدة بالمطلق، على الرغم من أن نصف الإصابات بالفيروس تتركز في ولاية واحدة فقط وهي نيويورك، وعلى الرغم أيضاً من أن الحكومة لم تفرض حظراً للتجول، ولم تغلق المطار ولا الحدود ولم تُعطل الأعمال والمؤسسات العامة. ما يحدث في بعض الدول العربية حالياً، كمن اشتعلت النار في بيته فقام بهدم البيت على سكانه من أجل إطفائها، وهذا ليس من الحكمة والمنطق في شيء، بعض الدول العربية تقوم بإنقاذ الناس من الموت بكورونا ليموتوا جوعاً، وهذه كارثة حقيقية نتمنى أن لا نراها في بلادنا العربية.
كاتب فلسطيني
*عندنا ف (الاردن) كانت اجراءات
الحكومة قاسية جدا وشديدة.
الان بدأت تخف تدريجيا والحمدلله.
حمى الله الجميع من شر الامراض كلها.
الوقاية خير من العلاج غير هاذا السبب لايمكن تبريره بأي حال من الأحوال خاصة أن الوباء لاوطن له ولاحدود له .