كيفية الخروج من متاهة التوظيف السياسي للدين؟

في بدايات عام 2018 بدأتُ أولى خطوات رحلتي، للبحث عن أسباب وجذور الصراعات والحروب المشتعلة في منطقتنا العربية، في مسعى لمحاولة اكتشاف مجاهل كهوف الخلافات، وهويات وأهداف مُشعلي النيران، التي ما زالت مشتعلة حتى يومنا هذا، للوقوف على أسبابها وجذورها ودوافعها.
هذا ما يقوله السياسي والدبلوماسي اليمني عبد الوهاب هادي طواف في كتابه «الدين والسلطة.. تسييس الإسلام وأسلمة الدولة» الصادر حديثا عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، مُهديا كتابه إلى ضحايا المتاجرين بالدين، وإلى شهداء الصراعات المذهبية والطائفية، وإلى المؤمنين بسيادة الدولة. في كتابه هذا حرص الكاتب ألا ينزلق إلى مثلث برمودا الذي تربض فيه كل أشكال الخلافات، وتسبح في أعماقه كل التناقضات والاختلافات والصراعات الفكرية والعقيدية والمذهبية، والحلال والحرام، والمتشبع بجدليات أي الأديان هي الأحق، وأي المذاهب أصح. طوّاف يقدم لنا هنا قصة حقيقية، وتصورا لتفاصيل مراحل تأسيس الدولة الإسلامية، مسلطا الضوء على محطات خلافات الصحابة على السلطة دون رتوش ودون قداسة وتقديس وتعظيم وحشو.

معالجة الجذور

كما سيسمح الكتاب لقارئه بالسفر عبر محطات بدايات الخلافات والاختلافات بين المسلمين، مرورا بتصاعدها وتعقدها وتعقيداتها، وانقساماتها حتى وصولها إلى الشكل والصورة والحالة التي نعيش تفاصيلها في عالمنا اليوم. هنا يأمل الكاتب أن نتمكن من البدء الفوري لمعالجة الجذور لننعم بأمن وأمان واستقرار وتعايش، وبدول تقودنا إلى بر الأمان، بمعايير عادلة، ومواطنة متساوية، بعيدا عن معتقدات المذاهب وتصورات الوعاظ، واجتهادات قوى الإسلام السياسي، حول شكل الدولة وطرائق عملها وإدارتها.
ما يشير إليه الكاتب هنا أن المنافسة والاختلاف والصراع بين الأمم، وجدت منذ الأزل، وهي طبيعة بشرية متأصلة في الإنسان، ذاكرا أن منطقة شبه الجزيرة العربية، التي كانت مسرحا لكثير من الأحداث عبر التاريخ، شهدت تحولات عديدة، طبعها الصراع والتدافع بين قبائلها على أسباب الرزق وعلى السلطة، كما كان للأطماع الخارجية دور بارز في تزايد وتيرة الصراعات السياسية فيها، متناولا هنا الكثير من المفاهيم السياسية التي اختار أهمها وقدم شرحا وافيا لها.
كذلك يتحدث الكاتب هنا عن تأثير المعتقدات الدينية على الناس، مشيرا إلى أن منطقة شبه الجزيرة العربية مرت بأحداث كثيرة خلال القرون الخمسة السابقة لظهور الإسلام، ولم يكن للعرب قبل الإسلام عقائد دينية موحدة، وإنما أديان ومعتقدات متناثرة، متحدثا بعد ذلك عن تأثير ظهور الإسلام على منطقة الحجاز، وعن الصراع على السلطة، بعد وفاة النبي، وعن فترات خلافة الخلفاء الراشدين.

وضع متفاقم

طوّاف يخصص هنا فصلا من كتابه للحديث عن الصراع الأموي الهاشمي على حكم الدولة الإسلامية، مسلطا الضوء على بداية توريث الحكم في الدولة الإسلامية وتداعيات مقتل الحسين بن علي، وظهور الفِرق والمذاهب والطوائف الإسلامية وأسباب ظهورها. المؤلف الذي يتحدث هنا عن الوضع السياسي لليمن بعد سقوط الدولة العباسية، يكتب قائلا إن الوضع قد تفاقم أكثر بعد التكاثر السياسي للأسر الهاشمية في اليمن، فاندلعت الصراعات المسلحة بينهم على السلطة، ما ادى إلى مزيد من الدمار وتخريب الممتلكات، بشعارات تحمل مزاعم الحق ونصرة المظلومين. كذلك يبحث الكاتب في دور الدين السياسي في رسم الخريطة السياسية لشبه الجزيرة العربية سالكا طريق البعد الديني في الحروب العثمانية في شبه الجزيرة العربية وطريق البعد الديني في حروب الاستقلال في منطقة شبه الجزيرة العربية، ذاكرا أن الاستعمار الأوروبي، جاء ليعلن عن عهد جديد تخضع فيه المنطقة إلى نظام حكم غير إسلامي بالمرة، ومثلت الحرب العالمية الأولى سببا رئيسيا في إعادة تشكيل المنطقة العربية جغرافيّا وسياسيّا، وكان للأبعاد الدينية والمذهبية والطائفية حضور مؤثر في عملية إعادة رسم حدودها، وفي حروب استقلالها عن الدول الاستعمارية، وفي الصراعات السياسية العربية الداخلية.

توظيف الدين

في كتابه هذا الذي يشغل خمسمئة صفحة من القطع المتوسط، ويقسمه إلى ثمانية فصول، ويعد مرجعا لمن يريد البحث في تاريخ الصراع بين الدين والدولة في المنطقة العربية، يقول عبد الوهاب هادي طوّاف، إن قضية توظيف الدين لغايات سياسية واقتصادية ظلت هي القضية الأبرز في منطقة شبه الجزيرة العربية في مرحلة ما قبل ظهور الإسلام، وبعد ظهور الدعوة المحمدية ظل التوظيف سائدا ورائجا في المنطقة، مشيرا إلى أن اليمن دخل تحت حكم الدولة الإسلامية في الحجاز، بعد ظهور الإسلام، الأمر الذي تسبب باستنزافه بشريّا وماديّا، ما أثر سلبا في حركة تطوره الطبيعية، وتوقفت عجلة التنمية والعمران والزراعة فيه، وتدهورت الأوضاع المعيشية لسكانه، بسبب حروب توسعة الدولة الإسلامية، وكذلك جراء حروب وخلافات قريش البينية على السلطة، وتحويله إلى مخزن بشري ومادي للدولة ولقادة قريش، مُقدّما، في نهاية كتابه، عدة مقترحات للخروج من متاهة التوظيف السياسي للإسلام.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية