كيف تتعامل سلوفينيا مع نزاع الصحراء؟

حجم الخط
44

مع من تقف ليوبليانا في أعقد ملف بين الجارتين المغاربيتين؟ هل تنحاز إلى الرباط أم تميل إلى الجزائر؟ لا يتفق المغاربة والجزائريون على ذلك. لكن ما الذي ينتظرونه من بلد بلقاني صغير، بالكاد يتخطى عدد سكانه مليوني نسمة؟ لا شك في أنهم يتطلعون للحصول على موقف مطابق لوجهتي نظرهما من ذلك النزاع. لكن هل كان السلوفينيون مضطرين حقا لإقحام أنفسهم في معركة قد لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد؟ وهل كان بمقدورهم، بالنظر إلى الخلافات الحادة والعميقة بين المغاربة والجزائريين حول الصحراء، أن يقدموا على خوض ما يشبه المغامرة الصعبة، من دون المجازفة بنيل رضا طرف مقابل إغضاب الآخر؟
لقد وضعت دبلوماسيتهم على محك اختبار صعب وحساس، فقد كانت واحدة من بين النقاط المحورية التي أصر المغاربة على تضمينها في البيان المشترك الذي وقعه وزير خارجيتهم مع نظيرته السلوفينية، في أعقاب زيارة الأخيرة إلى الرباط في يونيو/حزيران الماضي هي الصحراء المغربية. وفي المقابل كان أهم موضوع سعى الجزائريون لإثارته خلال زيارة وزير خارجيتهم الشهر الماضي إلى العاصمة السلوفينية ليوبليانا، هو موضوع الصحراء الغربية. ولئن بات التسابق والتلاحق بين البلدين المغاربيين على كسب الاعترافات الدولية، إما بمغربية الصحراء، أو بحق في الانفصال عن المغرب، أمرا طبيعيا ومعتادا في السنوات الأخيرة بالتحديد، إلا أن السؤال الذي قد يطرح نفسه هنا هو، ما الذي دفعهما لأن يركزا جهودهما في الشهور الأخيرة وبشكل خاص على دولة أوروبية بعيدة عنهما نسبيا، ولدت في التسعينيات مع اشتعال فتيل تفكك يوغوسلافيا، ولا تجمعهما بها روابط قوية مثلما هو الشأن مثلا مع باقي دول الضفة الشمالية للمتوسط؟
ربما كانت للمصالح هنا كلمة الفصل، رغم أن زوايا النظر لها في العواصم الثلاث لم تكن واحدة. فبالنسبة للمغاربة كان تنويع شراكاتهم داخل القارة الأوروبية، وعدم حصرها فقط في الشركاء التقليديين للمغرب مهماً، في دفع الأوروبيين للخروج بموقف موحد من النزاع الصحراوي، يتطابق مع موقفهم. أما على الطرف الآخر فقد كان الجزائريون يرغبون باستثمار واحدة من أثمن الأوراق التي في حوزتهم أي ورقة الطاقة، خصوصا بعد أن ازدادت أهميتها نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، من أجل دفع تلك الدولة الأوروبية الصغيرة، لأن تقترب منهم وتبتعد بالتالي عن المواقف التي أعلنتها ألمانيا وإسبانيا، ثم لاحقا فرنسا من النزاع الصحراوي.

انخرط السلوفينيون في سياسة تقارب واضحة مع العالم العربي، كان أحد أبرز مظاهرها إعلانهم الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة وذات سيادة أسوة بما فعلته دول أوروبية أخرى

ومن جانبهم فقد انخرط السلوفينيون في سياسة تقارب واضحة مع العالم العربي، كان أحد أبرز مظاهرها هو إعلانهم في يونيو الماضي الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة وذات سيادة، أسوة بما فعلته دول أوروبية أخرى. لكنهم بدؤوا قبلها بفترة وخلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص بالتطلع بقوة نحو الشمال الافريقي. ومن البديهي أنهم لم يكونوا بحاجة إلى ذكاء خارق حتى يفهموا ما الذي كان يتعين عليهم فعله للحفاظ على مصالحهم في منطقة تشهد توترات مستمرة وتعيش على وقع قطيعة حادة بين أكبر بلدين فيها. فقد كانوا يدركون جيدا حاجتهم إلى غاز وبترول الجزائر، مثلما أنهم كانوا يعرفون أيضا أنه سيكون من الخطأ الجسيم أن يتجاهلوا بلدا مثل المغرب، ربما قد يكون بوابة مثالية لهم لدخول الأسواق الافريقية. ولم يفتهم أن حدة الخلافات بين الجارتين، ومقدار الحساسية الشديدة التي باتت تكتسيها مسألة الصحراء، والبرود الذي أصاب علاقة المغرب والجزائر في فترات ما بأكثر من دولة أوروبية بسببها، كانت كلها عوامل من شأنها أن تعقد مهمتهم وتزيدها صعوبة. وهذا ما جعلهم يتحركون بحذر شديد وبخطوات محسوبة ويعملون على تقديم خطاب، كان يحاول قدر الإمكان أن يأخذ بالاعتبار تطلعات العاصمتين المغربية والجزائرية حول قضية الصحراء، رغم التباعد والتناقض الشديد بينها، مع الحرص بعدها على أن لا تكون له أي ارتدادات أو تأثيرات سلبية على علاقاتهم ومصالحهم، لا مع هذا الطرف ولا مع ذاك. لكن ما الذي قاموا به بالضبط؟ لقد طار رئيس وزرائهم في مايو/أيار الماضي إلى الجزائر، لافتتاح أول سفارة سلوفينية فيها، وبعد أن التقى بالرئيس عبد المجيد تبون خرج ليقول للصحافيين، وفقا للترجمة الرسمية الجزائرية، إن «الجزائر وسلوفينيا بصفتهما عضوين غير دائمين في مجلس الأمن، يعملان معا على امتداد الأشهر الماضية من أجل إيجاد حلول مشتركة للعديد من القضايا الراهنة والتحديات الدولية»، قبل أن يضيف «لقد تحدثت اليوم مع الرئيس تبون حول الوضع المأساوي في قطاع غزة، وضرورة تنسيق الجهود لدعم القضية الفلسطينية، كما تحدثنا عن سبل إيجاد حلول سلمية للعديد من القضايا الدولية. واتفقت مع السيد الرئيس على حرية الشعوب في تقرير مصيرها، كما هو الشأن بالنسبة للقضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية». ومن الطبيعي أن تكون الفقرة الأخيرة من ذلك الحديث قد أثارت في ذلك الحين أكثر من علامة استفهام. فهل أراد السلوفينيون حقا أن يجدفوا ضد التيار الأوروبي الذي بدا، خصوصا بعد مواقف ألمانيا وإسبانيا، يميل إلى تأييد وجهة النظر المغربية من ذلك النزاع؟ ربما جاء الجواب من خلال وكالة الأنباء السلوفينية، التي اكتفت بالإشارة إلى أن رئيس الوزراء روبرت غولوب التقى الرئيس الجزائري وناقش معه مجموعة من القضايا التي تهم البلدين، وتم الحديث عن مشاريع تتعلق بالغاز، من دون أن تتحدث بأي شكل من الأشكال عن ملف الصحراء. وهذا ما أعطى وسائل الإعلام المغربية حافزا لاتهام الجزائريين بتحريف وتزييف التصريحات السلوفينية، لكن ما الذي حدث بعد أقل من أسبوعين من ذلك؟ لقد ذهبت وزيرة الخارجية السلوفينية إلى الرباط ووقعت مع نظيرها المغربي إعلانا مشتركا، نص في إحدى فقراته على إشادة سلوفينيا بمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء «باعتباره أساسا جيدا للتوصل إلى تسوية نهائية ومتوافق عليها للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي»، مثلما جاء في نص البيان. وعاد الجزائريون بدورهم للحديث أواخر الشهر الماضي عن تكذيب لمزاعم المغرب من خلال توقيع وزيري خارجية الجزائر وسلوفينيا في ليوبليانا على بيان يؤكد «دعم المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ونهائي يكفل ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير»، وفق ما أوردته وكالة الانباء الجزائرية ليتواصل دوران الطرفين في حلقة الاتهام، من خلال إشارة بعض وسائل الإعلام المغربية إلى أن الجانب السلوفيني لم يشر أبدا لا إلى الشعب الصحراوي ولا إلى تقرير المصير في نص ذلك البيان. ووسط ذلك الجدل بقي السؤال عن المستفيد الحقيقي من وراء ذلك؟ ومع أنه وللوهلة الاولى يبدو أنه سلوفينيا، إلا أن تطورات ملف الصحراء قد لا تجعلها الفائز الوحيد.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بوعلام .:

    عبارة وردت في المقال تستحق التوقف عندها حين يتحدث الكاتب عن( الإعتراف بمغربية الصحراء أو حق الإنفصال عن المغرب) والشاهد هنا أن الصحراء الغربية ليست قضية إنفصال وعلى النقيض من ذلك فهي مطروحة بالأمم المتحدة كقضية تصفية الإستعمار وتقرير مصير حسب قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية،

  2. يقول أبو رحاب.:

    دولة سلوفينيا كانت إحدى دول يوغسلافيا. ودولة يوغسلافيا لمن يعرف ابجديات التاريخ كانت دولة فيدرالية تمتلك كل دولة ضمنها برلمانا وحكومة محلية. واستقلال سلوفينيا جاء نتيجة لحرب اشتعلت في 1991 ودامت عشرة أيام. وانتهت باعلان البرلمان السلوفيني الإستقلال عن يوغسلافيا تحت حماية الحلف الأطلسي. وللتذكير فقد رفضت الجزائر الاعتراف باستقلال سلوفينيا لأنها كانت من أصدقاء يوغوسلافيا وهو القرار الذي بقي ساريا مدة طويلة. أما الدولة التي استقلت باستفتاء بعد المواجهة فهي كوسوفو وهي دولة مسلمة ترفض الجزائر إلى حد اليوم الاعتراف بها. ومن المعروف أن دول يوغوسلافيا كانت كلها دول مستقلة لها كيان سياسي وسيادي قبل ضمها من طرف تيتو ومنها كرواتيا والبوسنة ولا يمكن قياسها بالصحراء المغربية التي كانت مرتبطة طوال تاريخها بالمغرب ولكن يمكن تشبيهها بدولة ال القاضي في القبائل التي كانت دولة لها علم وعملة واسر حاكمة.

    1. يقول العرجاوي:

      تاريخيِّا معاهدة السلم بين محمد بن عبدالله سلطان المغرب و كارلوس ملك اسبانيا اللَّي صدَّق عليها الطَّرفان يوم 28 مايو سنة 1767 فإنَّ المملكة المغربية يحدٌّها جنوبا وادي نون اللذي يصبٌّ في المحيط شمال مدينة طرفاية الصَّحراوية .

    2. يقول عبد الرحيم بوعكاز:

      في يونيو من عام 1991، أصبحت سلوفينيا أول جمهورية تنفصل عن يوغوسلافيا وأصبحت دولة مستقلة ذات سيادة بناءا على استفتاء الاستقلال الذي أجري في 23 ديسمبر 1990.

    3. يقول أبو رحاب.:

      محمد بن عبد الله سلطان المغرب. الملقب بمحمد الثالث أو السلطان الفقيه. هو من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777. وهو من حرر الثغور المغربية من الاحتلال البرتغالي. ويقول العلامة المؤرخ أمين الشنقيطي. أن سكان شنقيط والساقية الحمراء ووادي الذهب في عهد هذا السلطان كانوا يحملون صكوكا مكتوبة وممهورة أي موقعة من طرفه تثبت أنهم من رعاياه. عندما كانوا ينزلون بارض مصر قبل العبور إلى الحجاز عن طريق البحر الأحمر.

  3. يقول سناد ولد الداه موريتانيا:

    في رد علماء موريتانيا ومؤرخوها على إدعاء أحمد الريسوني الرئيس السابق لإتحاد علماء المسلمين إدعائه بتبعية موريتانيا للمغرب أجمع هؤولاء على عدم صحة ذلك وأكدو على عدم تعيين ولاة من السلطان على بلاد شنقيط أو جمع خراج أو دعوى للسلطان على منابر الجمعة على الإطلاق إلى غير ذلك .أما حجاج شنقيط فلم يحملوا بوما صكوكا مما ذكر فقد كانت طريقهم عبر الصحراء الكبرى والسودان وإن كان العلامة الشنقيطي قصد شيء من هذآ فيخص من يحج من التجار الشناقطة الذين يحجون عن طريق المغرب الأقصى حيث طريقهم غير طريق قوافل حج الشناقطة.

    1. يقول أبو رحاب.:

      لو صدقنا هذا الكلام بأن شنقيط لم يكن لها علاقة بسلاطين المغرب. فإنه علينا أن نلغي تاريخ الدولة المرابطية التي أسسها الفقيه السوسي عبد الله بن ياسين. والدولة الموحدية التي اسسها الفقيه السوسي المهدي بن تومرت. وأن نلغي تاريخ الدولة السعدية التي كانت تحكم من النيجر إلى البحر المتوسط. وأن نلغي تاريخ الدولة العلوية الذي لازال قائما وزيارة المولى إسماعيل وبعده السلطان محمد بن عبد الله إلى شنقيط ونهر السينغال وتجديد البيعة لهما. انظر كتاب الاستقصاء للناصري.

  4. يقول سناد ولد الداه موريتانيا:

    التاريخ الذي يكتبه أصحابه حسب أهوائهم وأهدافهم لا يعتد به فالمحاكم والمعاهدات الدولية أجمعت على عدم تجاوز سلطة سلاطين المغرب واد نون، أما تاريخ المرابطون الشناقطة فلا أحد يستطيع السطو علية بالجميع يعلم أصولهم وتاريخ حكمهم الذي خضع له من يحاول اليوم إدعاء عكس ذلك .

    1. يقول أبو رحاب.:

      المرابطون كانت عاصمتهم مراكش ومركز نفوذهم الديني والعلمي فاس.ومؤسس دولتهم هو الفقيه السوسي عبد الله بن ياسين. كما كان مؤسس دولة الموحدين فقيه سوسي آخر وهو المهدي بن تومرت.وكذلك المرينيون والسعديون والعلويون كلهم بدون استثناء كانت مناطق نفوذهم ممتدة إلى عمق إفريقيا. وخرافة وادي نون التي يستدل بها أحد البياطرة وليس المؤرخين كان لها سياق محدد وهو أن السلطان محمد الثالث بن إسماعيل كان يقوم بتحرير الثغور البحرية من سيطرة البرتغال وفرنسا واسبانيا وفي نفس الوقت كان يحارب الثورات الداخلية مما جعل نفود الدولة يتمدد بعد مرحلة التقلص بسبب ذلك. وإذا قال الرئيس السوري مثلا بأنه لايسيطر حالياً على درعا أو حلب أو تدمر فهل يعني أنها ليست سورية. كما أنه من المعروف أن نفوذ الدولة المغربية كان ممتدا إلى النيجر التي فتحها القائد السعدي جودار. فكيف يستقيم منطقيا أن تحكم دولة المغرب النيجر ومالي من مراكش وتقفز على شنقيط.

  5. يقول عبد الرحيم بوعكاز:

    تحية سناد من موريتانيا، لقد إختصرت كل شيء في عبارة واحدة”التاريخ الذي يكتبه أصحابه حسب أهوائهم وأهدافهم لايعتد به” )
    فالمحاكم الدولية والمصادر المحايدة هي من يستشهد بها وقد أفتت في هذا المجال. وبالختام تحية لأهل شنقيط بلاد المرابطين.

    1. يقول الزهرة:

      التاريخ موجود في الكتب. ومحكمة العدل قالت كلمتها بوجود روابط البيعة. والمغرب قال كلمته باسترجاع الأرض.

  6. يقول عليلو:

    لُغويًا، يجب الوضوح عندما يُكتب أو يُقال بالعربية: المغاربي هو من يسكن و يقيم في المغرب العربي و جمعه: “مغاربة” و ليس “مغاربيون”هذا لُغويا فيه خطأ، و أمّا عن مواطن مملكة مراكش (Maroc ,Morocco) كان يقال عنه “المراكشي” و مند تسمية هذه المملكة “المغرب الأقصى” نحن في الجزائر نقول عنهم”مغَرْبَة، مَغرَبِيون” (جمع “مغربي”) نسبة إلى المغرب بينما تستعمل كلمة «مغاربي» وجمعها الصحيح «مغاربة» لسائر سكّان المغرب العربي. الليبي و التونسي و الجزائري و الموريتاني هم مغاربة. احترموا للغة.

  7. يقول زلاطي بشير:

    سلوفينيا التي لا يتخطى عدد سكانها المليونى نسمة. عدد المؤسسات الناشئة الصغيرة و المتوسطة فيها يساوى افريقيا كلها.مؤسسات الذكاء الاصطناعي لذلك يحتاجها الجزائر و المغرب .

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية