كتبت قبل أيام تغريدة على «تويتر» أعبر فيها عن الضرورة الحقوقية لإلغاء عقوبة الإعدام واستبدالها بعقوبة أكثر إنسانية. وعلى عادة مساحات وسائل التواصل غير المغربلة، توالت الردود التي قد تُفقِد الشخص المعني بها كل ثقته في الجنس البشري لولا تذكير النفس المستمر بأن مساحة وسائل التواصل ليست، على ما نتمنى، مساحة معبرة موضوعية حقيقية، إنما هي مساحة متحيزة للأشرار بسبب طبيعتها التحررية تماماً من كل الأطر التنظيمية للخير والشر. لا بد من تذكير النفس كذلك أن هناك الكثير من الإيجابية في هذا «الانفلات» الأخلاقي، الذي يدرب النفس البشرية على تحمل مفهوم الحرية بكل تبعاته، والذي كذلك يوفر فرصة لسماع الرأي الحارق الموجع بلا رتوش أو مواربة، وهي ميزة مهمة تحديداً في مواجهة الساسة والمتنفذين الذين يحتاجون لهكذا مواجهة «هابطة» أحياناً، والتي لا يمكن تقدميها سوى على ألسنة هذه النوعية من الأشخاص ومن خلال وسائل التواصل المنفتحة والفوضوية تلك.
ولقد تابعت «طبيعة» الردود على موضوع عقوبة الإعدام بإمعان، فوجدتها تنصب في أربعة أنواع، لربما يكمن في تحليلها الكثير من الفهم لهذه القضية الإنسانية وكذلك لطبيعة النفس البشرية التي تتعامل معها. أما أول أنواع الردود فهي تلك المتزنة منطقية المنحى، التي تختلف أو تتفق بأخلاقية وحسن حوار. ومع أن هذه النوعية من الردود مثلت أقلية ضئيلة، فإنها في اعتقادي، تمثل الخير الصامت الذي كثيراً ما يتنحى حين يهبط الحوار ويعلو الصراخ وتنفلت الكراهية من خلف شاشات الأجهزة، وكأنه يحمي نقاءه من محيطه ويتورع عن المشاركة في هكذا جو ملوث قد «يخلط الناس فيه بينه وبين الأحمق». هكذا أصوات نادرة أنتظرها كي أشبع شغف الحوار معها وأتعلم وأستفيد منها.
أما ثاني أنواع الردود فقد كانت الأكثر تواضعاً ذهنياً، هي تلك التي تتبنى الفكاهة الثقيلة الخالية تماماً من الإبداع والذكاء، والتي بكثرة تكرارها تتحول إلى كليشيه ثقيل الظل خاو من المعنى. تمثلت هذه الردود في جمل مثل «نعم، يجب أن ندغدغ المجرم إلى أن يموت ضحكاً»، أو «لا بد أن نضع المجرم في فندق خمس نجوم حتى يموت تخمة»، وغيرها من الجمل التي توالت معبرة عن فخر أصحابها بها معتقدين أنهم صاغوا تعبيراً شديد الذكاء عميق الفكاهة سيلفت النظر لرأيهم، غير مدركين أن جملهم هذه مثل البضاعة المقلدة، قليلة الجودة، ضعيفة الصنع، غير قادرة على التواصل العاطفي مع مأساة كل أطراف القضية أو احترام خطورتها وجديتها، جُمِل يعبِّر تكرارها عن سهولة صياغتها ومن ثم قلة ذكائها.
النوعية الثالثة من الردود التي وردت هي الأكثر خطورة والأكثر تعبيراً عن عمق المشكلة نفسياً وواقعياً. تبنت هذه الردود أسلوباً خالصاً في العنف النفسي والتدني اللفظي، والتي تجلت كلها في الشتم الممتد والدعوة بعظائم الأمور والضرب في الشرف والسمعة في محاولة للوصول إلى درجة من الإنهاك النفسي «للعدو»، تيسر الانتصار عليه أو لربما في محاولة لإنزال عقوبة «مستحقة» به. تتجلى خطورة هذه النوعية فيما تبديه من مشاعر الاستحقاق عند أصحابها، والتي عادة ما تتكون عند الفئة المؤمنة بأنها في جانب الحق المطلق، وأنها تدافع عن مفهوم مقدس، سواء كان دينياً أم وطنياً أم تقاليدياً، ذلك أنها بسبب هذا الاعتقاد لا تتورع عن تبني أي أسلوب دفاعي أو هجومي، ولا تتوانى عن الهبوط لأي منحدر أخلاقي. بالنسبة لهؤلاء، الغاية العظيمة في الدفاع عن الحق المطلق لا بد أن تبرر الوسيلة الهابطة وتضمن المغفرة عن كل انحدار سلوكي أو لفظي. يسهِّل هذا الاعتقاد ارتكاب أعمال العنف اللفظية والنفسية والجسدية بلا أدنى قلق بسبب السلوك الآثم، وبلا أقل درجات تأنيب الضمير تجاه الآخر المتضرر.
يأتي التعذيب النفسي ولي الذراع روحياً ليشكلا رابع أنوع الردود الواردة وأكثرها إيلاماً. تتمثل هذه الردود في صورة واضحة من الابتزاز العاطفي والترويع النفسي والمتمثلين في محاولة قسر الطرف المتلقي على التجاوب مع الرأي المضاد عن طريق تعذيبه بفكرة موجعة لا يمكن أن يتحملها، مثل؛ في حالة الردود الواردة على موضوع الإعدام، وتوصيف وقوع الأذى على الأحبة أو دعوة صاحبة الرأي، في هذه الحالة أنا، لتخيل أن يقتل أحدهم ابني أو يؤذي ابنتي، بالوصف التفصيلي وبالكلمات المؤذية، لإدخالي في حالة نفسية معذبة، ثم الاعتراف بعدالة حكم الإعدام. أصحاب هذه المنهجية التعذيبية يغيب عنهم أن الإنسان الذي يعاني نفسياً، والذي يمر بتجربة حارقة مثل تلك المساقة في تعليقاتهم، لا يمكن أن يكون حكماً عادلاً أو حتى متزناً نفسياً، ولا يمكن أن يقرر قرارات منطقية قانونية حيادية. ولذلك، وطبقاً لأبسط قواعد القانون، لا يمكن أن يكون القاضي طرفاً في القضية التي ينظرها، ذلك أن كونه طرفاً متضرراً لن يمكنه من أن يكون عادلاً أو منصفاً، سيحكم عندها بألمه، وربما يتجه لتصفية حساباته وإشباع رغبته بالانتقام، مما يقلب ميزان العدالة وينقلب على هدف الأمن والأمان الذي يفترض أن يكون هو المتقصد من كل قانون يشرع ومن كل محاكمة تقام.
هناك كذلك أساليب أخرى متنوعة ومتفرقة لتحقيق الانتصار المنشود، مثل التخويف من العقوبة الإلهية الدنيوية والأخروية، والوعد بالحرق والتعذيب في نار جهنم، والتهديد برفع قضايا ازدراء وخروج عن الدين، وتصوير تغريدات أو محادثات أخرى خاصة بمواضيع أخرى وربطها بالموضوع محل النقاش لإثبات «فساد» فكر المتحدث عموماً، والاستهزاء بالجنس، في حالة أن المتحدثة امرأة ذات عقل صغير، أو بالعمر، أنني امرأة عجور رغم أنني لا أعرف علاقة عمري بالموضوع.
وعلى الرغم من تنوع أساليب الردود المفصلة آنفاً وتباين درجات تخليها الأخلاقي، فالمؤكد أن مصدرها جميعها هو الخوف الشديد على الثوابت، على الحق المطلق، وبالتأكيد على الجانب الشرعي ذي الصلة في الموضوع. في ذلك وفي مساوئ عقوبة الإعدام، سأتحدث في المقال القادم.
مقالة الاستاذة ابتهال خصصتها للحديث عن ردود أفعال القراء إزاء تغريدة نشرتها ووعدتنا في نهاية مقالها بأنها ستعالج قضية الاعدام في المقال القادم الا ان التعليقات حول مقالة اليوم جاءت سابقة لأوانها إذ انصبت على هذه العقوبة قبولا اورفضا ولم تشر إلى ردود افعال قراء تغريدتها.وهي ردود كيفما كانت طينتها علينا بقبولها واعتبارها ثمن الحرية الذي علينا دفعه ان رغبنا في التمتع بالحرية.
عندما يرتكب الإنسان جريمة قتل فهو يكون قد أنهى حياته أيضا فحتى لو عاش فهو سيعيش كأسير لما اقترفت يدا فحياته هي سجن
سلب الحياة من طرف الحكومات كعقوبة عمل
لا يمكن و يستحيل ان يكون البشر ارحم من خالقهم و الذي ان اطاعوه كان حبيبهم و ان عصوه كان طبيبهم ،فالمجرم المعتدي على ارواح الناس او اعراضهم ،يهدد امن المجتمع ،و لذا كان في القصاص حياة لاولي الالباب ،و ليس لذوي العواطف العمياء ،و الله المستعان.