كانت الأمور تبدو عادية، لحين إعلان رئيس الجمهورية في اجتماع بالرئاسة يوم 21 مارس الماضي، عن قرار تسبيق الانتخابات الرئاسية ثلاثة أشهر، دون إبداء أي سبب معقول. كان هذا أول مؤشر استقبله الجزائريون وهم صيام في شهر رمضان، عن أن الأمور قد لا تمر بسهولة، كما كانوا يتمنون. بعد هذا القرار المفاجئ الذي أعادهم الى تجاربهم السيئة القديمة مع الانتخابات، التي ارتبطت في ذاكرتهم السياسية بحالة الاضطراب السياسي والعنف.
انتخابات ترشح لها، زيادة على الرئيس تبون، عبد العالي حساني ممثلا عن حركة «مجتمع السلم»، ويوسف أوشيش عن حزب «القوى الاشتراكية». ترشيحات عكست الخريطة السياسية الجزائرية بعائلاتها السياسية الكبرى، منحت الجزائريين مؤشرات إيجابية عن إمكانية تجنيد المواطنين للمشاركة في هذه الرئاسيات، خاصة في منطقة القبائل التي كان يفترض ان يجندها جزئيا على الأقل، ترشيح السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية»، رغم استمرار مقاطعة غريمه حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية».
لتعرف هذه الانتخابات، التي تقدم لها الرئيس تبون كمرشح حر، أول بوادر أزمتها أثناء الإعلان عن قائمة الأحزاب الكثيرة الداعمة للرئيس، التي تغير تشكيلها أكثر من مرة كدليل إضافي على أزمة تعيشها هذه الهياكل المتكلسة، التي ابتعد المواطن عنها، بعد دخولها إلى سوق نخاسة سياسية فعلية. ليبرز اسم عبد القادر بن قرينة «حزب البناء» المنشق عن حركة «مجتمع السلم»، كصاحب دور خاص داخل يوميات الحملة، لم تتمكن قيادات الأحزاب المساندة للرئيس من التحكم فيه، وهو يقوم بسلوكيات، زادت في تعميق أزمة هذه الانتخابات أمام الرأي العام الوطني. الذي تحول موضوع تجنيده الى التحدي الوحيد فيها، باعتبار فوز الرئيس تبون فيها أمر مفروغا منه، نتيجة ما يطلق عليه البعض بالتزوير القبلي الذي تعيشه الانتخابات الرئاسية في الحالة السياسية الجزائرية، التي يحتكر فيها مرشح السلطة الساحة الإعلامية والسياسية لسنوات قبل الانتخابات. في وقت يزداد فيه التضييق من كل نوع على كل نشاط سياسي، أو حزبي مستقل، بما فيه تلك النشاطات التي يمكن ان تبادر بها الأحزاب الممنوعة عمليا من أي تغطية إعلامية.. لا تسمح لها بإبراز قياداتها التي تبقى غير معروفة خارج فترة الحملة الانتخابية، داخل ساحة إعلامية تعود لتغلق مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، ليختفي الحزب السياسي ونخبه عن أعين الجزائريين لمدة خمس سنوات أخرى في انتظار انتخابات أخرى.
قراءة جدية مطلوبة من الرئيس تبون، رغم قساوتها، تتطلب الاستماع للجزائريين وهم يطالبون بحريات فردية وجماعية أكثر في الميدان السياسي والإعلامي، بدل التضييق المسلط عليهم منذ سنوات
انتخابات طفت أزمتها للسطح لحين وقت الإعلان عن نتائج الاقتراع من قبل رئيس الهيئة الوطنية المستقلة، بشكل أثار الكثير من الشكوك حتى لدى مسؤولي حملة الرئيس الفائز بها، بعد ان رفض الرجل الإعلان عن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التي عوضها، بما سماه معدل المشاركة، بعد تأخر غير مبرر عن الوقت المحدد لتقديم المعطيات للمواطنين، بعد ان تكون قد وصلته معطيات مؤكدة من جهات مختلفة من التراب الوطني عن مشاركة ضعيفة في هذه الانتخابات التي لم تتمكن من تجنيد الجزائريين والجزائريات الذين تعاملوا معها كانتخابات من دون رهانات سياسية فعليه، كما بينوا ذلك وهم يقومون بشبه مقاطعة لحملتها الانتخابية في صيف حار. حر يوم الاقتراع، من جهة أخرى، لم يشجع أبناء الجنوب والهضاب العليا على الذهاب الى صناديق الاقتراع، هم الذين كانوا تقليديا الأكثر مشاركة في هذا النوع من الانتخابات، التي تعودت السلطات العمومية تنظيمها، ما زاد من منسوب النفور منها بعد ان ظهر فيها الكثير من الوجوه والأحزاب التي كانت حاضرة خلال أسوأ مراحل «الجزائر القديمة»، بعد تغيير جلدها ومسمياتها التي لم تخدع المواطن الجزائري. ليكون الشباب والفئات الوسطى المتعلمة على رأس الفئات الأقل مشاركة في هذا النوع من الانتخابات التي تستهوي تقليديا، كبار السن من أصحاب المستويات التعليمية الأمية والضعيفة. لتبقى انتخابات من دون مستقبل في الجزائر. باعتبارها جزءا من الماضي.
زيادة على الجزائريين من أبناء المدن الكبرى والمتوسطة، حوالي 67 في المئة من مجموع السكان – الذين ترسخت منذ سنوات طويلة مقاطعتهم كاتجاهات سوسيو -سياسية ثقيلة إزاء هذا النوع من الانتخابات، بالإضافة بالطبع لأبناء منطقة القبائل الذين فشلت جبهة القوى الاشتراكية هذه المرة في تجنيدهم، نتيجة التشققات التي تعيشها قيادتها والضعف الظاهر عليها، والتي زادت بعد وفاة زعيمها المؤسس حسين أيت أحمد، رغم ما ميز حملة مرشحها من شجاعة سياسية أبان عليها وهو يواجه التيارات الانفصالية في عقر دارها في المنطقة وهو يرافع لصالح الحريات الفردية والجماعية للجزائريين. نتائج هذه الانتخابات التي ترفع تحديات كبيرة في وجه العهدة الثانية للرئيس تبون، التي تؤكد نسب المشاركة المتضاربة المعلنة فيها، من قبل مؤسسات مؤتمنة على العملية الانتخابية برمتها، أن النظام السياسي في حاجة ماسة الى إصلاح مؤسساته المركزية بشكل جدي بعيدا عن حالة الإنكار التي تقودها القوى السياسية المؤيدة له، بالشكل الذي تعبر به عن نفسها من داخل مؤسسات الإعلام الرسمي المتزلف، فشلت كما كان متوقعا في تجنيد المواطنين للمشاركة في هذه الانتخابات، للتوجه بدل ذلك نحو الاعلام الدولي لقراءة المشهد السياسي الوطني الذي ازداد غموضا واضطرابا. في وقت تعيش فيه الجزائر حالة تحرش أمنى وعسكري على مجمل حدودها الواسعة، تشارك فيها قوى إقليمية ودولية، لم تعرفها منذ استقلالها، سيزيد الأكيد في الضغوط على المؤسسة العسكرية الوطنية خلال هذا الظرف الذي يعيش فيه العالم حالة اضطراب وإعادة قراءة وتشكيل، لا تعكسها رسائل التهنئة الدبلوماسية التي وصلت للرئيس تبون، بعد الإعلان عن فوزه بعهدة ثانية.
قراءة جدية مطلوبة من الرئيس تبون، رغم قساوتها، تتطلب الاستماع للجزائريين والجزائريات وهم يطالبون بحريات فردية وجماعية أكثر في الميدان السياسي والإعلامي، بدل التضييق المسلط عليهم منذ سنوات، للتوجه نحو بناء مؤسسات سياسية شرعية والعمل الجدي على استقلال العدالة، لتكون المقدمة الضرورية لبناء اقتصاد وطني متنوع متحرر من منطق الريع، الذي يفسر استمراره الكثير من العيوب التي يعاني منها النظام السياسي وصلت في المدة الأخيرة الى نوع من التحرر شبه الكلي من كل «الشكليات» في السلوك السياسي الرسمي. كما برزت أثناء هذا الفشل في تنظيم انتخابات عادية، من دون رهانات سياسية فعلية، بكل التخبط الذي عرفته المؤسسات المكلفة بتسييرها، كما ظهر من خلال التضارب في أرقام الهيئة الوطنية لمراقبة الانتخابات والمحكمة الدستورية، التي لن تزيد إلا في تعقيد الوضع السياسي للبلد أكثر مما هو معقد.
كاتب جزائري
أعتقد أن الكاتب قال كل شيء عن هذه الانتخابات ومع ستجد من يحاول تجميل صورة النظام العسكري.
مجرد تساؤل.
متى كانت الأمور عادية في الجزائر !!!؟؟؟
جاء في المقال ما نصه:
“كانت الأمور تبدو عادية، لحين إعلان رئيس الجمهورية في اجتماع بالرئاسة يوم 21 مارس الماضي” انتهى الاقتباس
لم تكن أبدا الأمور عادية في الجزائر عن ناكرين جميلها. منذ استقلالها والطاعنون يطعنون في ذاكرتها، ورؤسائها وانتخاباتها وسياساتها وقراراتها، وفي مدنها، ومناهجها الدراسية، واللغة الإنجليزية لما قررت ترسيمها، وتنظيم امتحانات طلابها، وفي علاقاتها مع حلفائها وأشقائها. وطعنوا حتى في شعبها وإعلامها، وحتى في زمان انتخاباتها. بكلمة واحدة ابتدعوا وصف “كأن” وألصقوه بها.
يقول المثل الشعبي ” لا يصح الا الصحيح ” .
العلة ظاهرة للعيان من داخل الجزائر وخارجها العلة هو تجاوز وتعدي مؤسسة الجيش لمهامه و أدواره وتدخله في جميع المؤسسات
الجيش الجزائري هو مؤسسة من مؤسسات الدولة وليس هو الدولة .
إن كتبت مؤسسة الجيش بمهامها فقط ستبدأ عملية الإصلاح في المؤسسات الأخرى ولو بالتذرج
لا يوجد بديل و المعارضة من الخارج برفضها الشعب الجزائري. عارض النظام كما شئت و لكن الولاء للجزائر و الشعب الجزائري و ثوابته الوطنية
شكرا جزيلا للاتب على اختيار العنوان : كيف فشلت الجزائر في تنظيم انتخابات …. اعتقد من وجهة نظري كقاريء محب للقدس العربي منذ سنتوات طويلة رغم ان سعرها اغلى من الصحف الفرنسية لكنني اشتريها . العنوان الصحيح هو : كيف فشل المحللون في معرفة الخريطة السياسية للقوى الفاعلة في الجزائر ؟ لان القاعدة العلمية تؤكد : ان التشخيص الدقيق والصحيح لحالة المرض هو الذي يبين طريق الشفاء
البعض لا يطيق قراءة كلمة نقد للسياسة الداخلية أو الخارجية للبلد. كل نقدٍ يعتبر في نظر هذا البعض طعنٌ في الجزائر. يا عالم النقد موجود ويمارس حتى في الدول الرائدة في التقدم وفي الرفاه الاجتماعي وفي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.. وهو مرحبٌ به هناك، وتتم معاملة ذويه باحترام وتقدير، وتفتح لهم المنابر الرسمية ليعبروا عن آرائهم النقدية.
لماذا عندنا يتضايق البعض من النقد ويتنرفز منه؟
الانتخابات نجحت رغم النقائص المحدودة لأن السيد يوسف أوشيش عرف حجمه و من سانده كحزب كبير ناريخيا و صغير في الحجم الجغرافي
و اثبتت المعارضة محدوديتها السياسية و تتتذرع بحجة واهية بدون نضال من أجل إثبات ذاتها