لندن ـ «القدس العربي»: «لامين يامال هو صانع الفارق، بالنسبة لي، هو بالفعل أحد أفضل اللاعبين في العالم في سن 17 عاما. من الصعب أن نتخيل أنه بعد ليونيل ميسي سيأتي آخر مثله، لكنني آمل بأن يستمر لامين في التحسن لأنه لاعب يمكنه الوصول إلى هذا المستوى»، بهذه الكلمات الواضحة، تغزل المدير الفني لنادي جيرونا ميشيل سانشيز، في نجم نادي برشلونة ومنتخب إسبانيا لامين يامال، بعد انتهاء دربي كتالونيا المصغر بفوز البلو غرانا بنتيجة 4-1، في ختام مواجهات الجولة الخامسة للدوري الإسباني. تلك المواجهة التي جرت على ملعب «مونتيليفي»، وشهدت توقيع الصغير المغربي الأصل / الإسباني المولد والهوية، على أول هدفين خارج الديار مع البارسا، من أصل 9 مساهمات في تسجيل الأهداف، بواقع تسجيل 4 أهداف وصناعة 5 أهداف، كثاني أفضل حصيلة تهديفية للاعب في الدوريات الأوروبية الكبرى بعد سفاح مانشستر سيتي إيرلينغ براوت هالاند، وأقل بمساهمتين فقط من حصيلته مع الفريق على مدار الموسم الماضي. وكل ما سبق يأتي في الوقت الذي تتسابق فيه الصحف والمواقع الإسبانية، ومن قبلها صفحات «السوشيال ميديا»، لتوجيه الانتقادات اللاذعة لمدرب ريال مدريد كارلو أنشيلوتي، وقائمته المدججة بترسانة من «الغالاكتيكوس» أمثال كيليان مبابي، وفينيسيوس جونيور، ورودريغو غوس، وجود بيلينغهام، وأسماء أخرى لم تنجح حتى الآن في تقديم أفضل ما لديها أو إقناع المشجعين بجودتهم على المستوى الجماعي، في ما وصفه موقع «Goal» العالمي، بالأداء الأكثر تواضعا بالنسبة لأندية القمة في الدوريات الخمسة الكبرى، والسؤال الآن: هل يستحق يامال شهادة مدرب جيرونا؟ وهل حقا نجح في إحراج نجوم الميرينغي الكبار؟
بداية مفاجئة
لا شك أبدا أن أرقام يامال وبصماته منذ يورو ألمانيا 2024، لا تبدو طبيعية أو منطقية بالنسبة للاعب لم يتجاوز عامه الـ17، لكن ما فاق التوقعات أنه عاد مع برشلونة هذا الموسم من حيث توقف مع منتخب الماتادور في اليورو، من دون أن يعطي علامات أو مؤشرات على معاناته من الإرهاق والتعب عن دوره البطولي مع منتخب بلاده في العرس الأوروبي، بل من مباراة الى أخرى يتقمص دور ليونيل ميسي المستقبلي بامتياز، معيدا إلى الأذهان بدايات البرغوث التي تزامنت مع انتهاء موضة جيل «الغالاكتيكوس» الأوائل في بداية الألفية أمثال زين الدين زيدان، ولويس فيغو، ورونالدو الظاهرة، وديفيد بيكهام وبقية النجوم والأساطير، بقيادة الفريق لسلسلة من الانتصارات المقنعة على المستوى المحلي، وصلت الى حد تأمين العلامة الكاملة في أول 7 مباريات، بعد تجاوز خيتافي العاصمي بهدف روبرت ليفاندوفسكي الوحيد في مواجهات منتصف الأسبوع الماضي، كدليل على أن النادي الكتالوني يمتلك ماسة لا تُقدر بثمن، كانت قد بدأت بشكل متقطع تحت قيادة المدرب السابق تشافي هيرنانديز، قبل أن يضعه مدرب المنتخب لويس دي لا فوينتي على الطريق الصحيح، بإطلاق العنان أمام موهبته للانفجار في اليورو. والآن المدرب الألماني هانزي فليك يفعل نفس الشيء، بترك المراهق ينثر سحره وإبداعه بطريقته الخاصة في الثلث الأخير من الملعب، حتى ينفرد بدور البطولة المطلقة، وفي رواية أخرى «وزير السعادة» في الإقليم الثائر، والمثير للإعجاب أنه يفعل ذلك بأريحية وسهولة مطلقة، تجسيدا لمقولة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم «واثق الخطى يمشي ملكا»، والجديد تحت قيادة فليك الى جانب الزيادة الملحوظة في كتلته العضلية، أنه بات ينفذ تعليمات المدرب، بممارسة الضغط العالي على أول لاعب حامل للكرة من الفريق المنافس، مسجلا ثماني محاولات ناجحة لاستعادة الكرة في وسط ملعب المنافسين في أول 5 مباريات في الدوري، ما أثار إعجاب المدرب فليك، وجعله يقول في مقابلة مع شبكة «موفيستار» الإسبانية: «أنا سعيد للغاية بما يقدمه لامين، إنه صغير جدا لكنه لا يصدق حقا. وجوده هو مفتاح لنا ليس فقط بسبب جودته. ولكنه أيضا يضغط بشكل جيد للغاية. إنه يجمع بين الموهبة والضغط وهذا أمر هائل بالنسبة لنا. إنه رائع».
صحيح هناك قائمة عريضة من اللاعبين حصلوا على لقب «ميسي القادم»، منهم على سبيل المثال من الذاكرة بويان كيركيتش وجيرارد ديولوفيو وجيوفاني دوس سانتوس ومؤخرا أنسو فاتي، لكن لامين يبدو مختلفا 180 درجة عن هذه الفئة، ورغم اتفاق عالم كرة القدم، على أنه لن يكون هناك ميسي آخر إلى يوم يبعثون، ليس فقط لجودته الفريدة من نوعها وخياله العلمي في قراءة أفكار المنافسين والتفوق عليهم بجزء من الثانية في التفكير، بل لعقليته الفولاذية التي مكنته من القتال في أعلى مستوى تنافسي في اللعبة لمدة عقدين من الزمن، شأنه شأن غريمه الأزلي كريستيانو رونالدو، لكن على الأقل، يرى كثير من النقاد والمتابعين، أن يامال يستحق الدخول في هكذا نوع من المقارنات، كموهبة تجمع بين السحر والأناقة في الحذاء، وبين العقلية التي تعشق التحديات وخوض المواجهات الكبرى مع فريقه ومنتخب بلاده، وهذا ما أشار إليه المدير الرياضي للبارسا ديكو في مقابلة موثقة، قائلا: «الشيء الأكثر أهمية من الموهبة الفنية، أنه يتمتع بقوة كبيرة من الناحية العقلية، إذ أنه لا يشعر بثقل أو انزعاج كلما دافع عن ألوان برشلونة أو منتخب إسبانيا، وهذا ما يميزه عن الآخرين»، وأيضا صاحب الشأن قال في حوار مع مجلة «فرانس فوتبول» في بداية سبتمبر / أيلول الحالي: «بالنسبة لي، أهم شيء هو ترك إرث. في النهاية، المقارنة مع ليو أكثر أهمية من عدم النظر إليه، صحيح أنه إذا تمت مقارنتك بأفضل لاعب في التاريخ، فهذا لأنك تقوم بأشياء جيدة، ومن الواضح أن هذا لا يزعجني، لكنني أحاول دائما أن أكون نفسي»، لكن يبقى التحدي الأهم بالنسبة للاعب والمدرب ومجلس إدارة النادي، هو إبعاده عن فخاخ الشهرة حتى يواصل نموه الجسدي والعقلي. ووفقا لصحيفة «ماركا»، فهذا الأمر يُدركه الرئيس جوان لابورتا ومجلسه المعاون، بأخذ الاحتياطات اللازمة بالتعاون مع المدرب الألماني الصارم، لمنعه من التأثر بالضوضاء الخارجية، مثلما فعل من قبل في فترة تأهيل موهبة بايرن ميونيخ جمال موسيالا، قبل أن يتحول إلى واحد من أفضل المهاجمين الشباب في ألمانيا وأوروبا مؤخرا، ما يعني أن لامين، يبدو محظوظا بما فيه الكفاية بوجود مدرب مثل فليك على رأس الجهاز الفني، يُجيد فن التعامل مع الجواهر الثمينة.
حماية
وأحلام
يبقى التحدي الأكبر المحتمل بالنسبة لإدارة برشلونة والمدرب فليك، أن تأتي اللحظة التي يجد فيها النادي صعوبة بالغة في إقناعه بالبقاء لفترة أطول، وذلك بعد القنبلة الصحافية التي فجرها وكيل أعمال اللاعبين أندي بارا في وقت سابق، بأن لامين كان قريبا من الحصول على عرض فلكي بقيمة 250 مليون يورو للانتقال إلى صفوف باريس سان جيرمان في الميركاتو الصيفي الأخير، ومعروف جيدا أن النادي الكتالوني ما زال يعاني الأمرين من أجل تقليص فاتورة الأجور المبالغ فيها، والتي أجبرت الإدارة على قرار التخلي عن نجوم الفريق، آخرهم إلكاي غندوغان، وسيرجيو روبرتو، وماركوس ألونسو والمراهق مارك جيو، لكن الشيء المؤكد، أن لابورتا ومجلسه المعاون، يتعاملون مع لامين على أنه أصل ثمين لا يمكن المساس به، على عكس نيمار جونيور، الذي خسره النادي لصالح العملاق الباريسي مقابل تسديد قيمة الشرط الجزائي في عقده، والتي كانت تُقدر في صيف 2017 بنحو 222 مليون يورو، ومن حسن حظ البارسا ومجلس إدارته حتى الآن، أن يامال لم يخرج من مربع «الولاء المطلق للكيان»، أو بالأحرى يعرف بالضبط ما يريده في المرحلة القادمة في مشواره الاحترافي، قائلا في مقابلة مع قناة «آنتينا 3»: «لا أريد أن يمنحوني هذه الـ120 مليونا لأنني سأضطر لمغادرة برشلونة، آمل حقا بألا أترك برشلونة أبدا، وحلمي أن أكون أسطورة»، أشبه بالمعزوفة الموسيقية المحفزة لكل هرمونات السعادة بالنسبة لمشجعي برشلونة، برؤية ذاك الضوء في نهاية النفق المظلم في عصر ما بعد ميسي المضطرب، من خلال تشكل يامال كوريث إستراتيجي لقائد أبطال العالم في «كامب نو» طيلة العقد المقبل، شريطة أن يتعلم لابورتا ورفاقه من دروس وأخطاء الماضي، أبرزها إنهاء الفوضى والضوضاء القادمة من خارج الملعب. هذا بالإضافة إلى بعض التفاصيل الأخرى الجوهرية، مثل تحسن شخصية ونتائج الفريق في دوري أبطال أوروبا، خاصة بعد البداية المخيبة لآمال المشجعين، بالتجرع من مرارة الهزيمة في المباراة الافتتاحية لنظام الدوري الجديد أمام موناكو، منها يستعيد النادي هيبته المفقودة على الساحة الأوروبية، ومنها أيضا يستمر لامين في تعظيم اسمه وقيمته السوقية، التي تخطت حاجز الـ100 مليون يورو في غضون 7 أشهر فقط، وذلك في الوقت الذي يكتفي فيه الريال بتحقيق النتائج المطلوبة على حساب الأداء ومستوى جودة العناصر المتاحة للميستر كارليتو، بما يمكن وصفه بشتات الرباعي الهجوم مبابي وفينيسوس وبيلينغهام ورودريغو، أو على أقل تقدير ظهور هؤلاء النجوم بمستوى أقل حدة من الثلاثيات العالقة في الأذهان في السنوات الماضية أمثال «ميسي، ونيمار وسواريز» في برشلونة، وكريم بنزيمة، وغاريث بيل وكريستيانو رونالدو في ريال مدريد، ومحمد صلاح، وساديو ماني وروبرتو فيرمينو في ليفربول، فهل يا ترى سيستمر الصغير لامين يامال في إحراج «غالاكتيكوس» ريال مدريد حتى إشعار آخر؟ أم أنهم ما زالوا بحاجة لمزيد من الوقت من أجل الوصول لقمة التفاهم والانسجام الكروي وبالتبعية يتوقف إحراج الصغير الكتالوني؟ دعونا ننتظر ما سيحدث.
إسمه جمال و ليس يمال.
في الإسبانية و الألمانية ينطق حرف ( j ) ياء