كيف يضمن الأردن «وصايته» ومصالحه في القدس في ظل «دولة المستوطنين»؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: مجددا لم يعد سرا حتى على صعيد النخبة السياسية الأردنية وليس فقط دوائر القرار الأردني بأن برنامج الوصاية الأردنية على الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة في واحدة من أضيق الزوايا وأكثرها تعقيدا هذه الأيام في ظل ليس فقط تصريحات رئيس الائتلاف الإسرائيلي اليميني المتطرف نفتالي بينيت، وليس أيضا وفقط في ظل الاتجاهات الواضحة التي تؤكد بأن شريك السلام الإسرائيلي بدأ يدير دولة لصالح المستوطنين حصريا وباسم هؤلاء المستوطنين الذين يستحكمون بمفاصل القرار، ولكن باسم الواقع الجيوسياسي الموضوع على الأرض حيث معاناة مباشرة لأهالي القدس وتراكم الشعور في رام الله وعمان بين الحين والآخر بالعجز عن مواجهة البرنامج الذي يسميه رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري بوضوح بانه برنامج تهويد القدس، والذي إن بدأ لا يمكنه ان يتواصل ويستمر عمليا ما دامت الوصاية الأردنية بشكلها الحالي.

قناعة عمان كبيرة اليوم بأن ما تخطط له حكومة بينيت ولأسباب تتعلق ببقاء الائتلاف الحكومي صامدا هو المزيد من الاسترسال في مجاملة الجمعيات والمجموعات الاستيطانية اليمينية المتطرفة عبر إعادة تعريف الوصاية الأردنية بمعنى تضييق هوامشها وتقليص صلاحياتها وإظهار انها قد لا تكون ميدانية مباشرة ولا تتميز بأي صلاحيات سيادية بالحد الأدنى.
يطلق وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ومعه مسؤولون كثر في الواقع في عمان على هذا التكنيك الإسرائيلي الوصف المناسب وهو تقويض الوصاية لأغراض التأكيد على ان القدس عاصمة أبدية، ورفع لافتة فيتو تفاوض حول القدس الشرقية والتأكيد على مشروع تهويد القدس.
عمان خياراتها محدودة في مواجهة محاولات تقليص صلاحيات الوصاية، لكن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وحتى في آخر خطاب له بمناسبة عيد الاستقلال، تحدث بوضوح عن تمسك بلاده بثوابت واجباتها في إدارة الأوقاف المسيحية والإسلامية في القدس المحتلة والوقوف مع أهل القدس، بمعنى ان الخطاب السياسي الأردني المرجعى حتى اللحظة يرفض تقديم أي تنازلات جوهرية. وهو وضع عموما مربك للسلطة الفلسطينية كما هو مربك للحكومة الأردنية، أسوأ ما فيه انه يضع الوصاية وعمان أمام سيناريوهات غير مرغوب فيها في هذه المرحلة.
من بين تلك السيناريوهات طبعا إعادة تعريف وتسمية الوصاية الهاشمية الأردنية والإنقلاب على ما يسمى ببرنامج بروتوكول الـ«ستاتس كو» بمعنى آخر أن إسرائيل اليوم تبدو متحفزة تماما لإعادة تعريف وتسمية ما يسميه الأردن بالأمر الواقع في القدس.
الخطوة تنطوي على مساس مباشر بالمصالح الأردنية العليا حتى في رأي خبير المفاوضات وعملية السلام ووزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر الذي حذر من ان إعادة تسمية وتصنيف الأمر الواقع وما تكرسه إسرائيل من إنقلاب ليس على عملية السلام فهي أصلا متجمدة وغير موجودة، ولكن على المصالح الأردنية وعلى اتفاقية وادي عربة إشارة لدروب الخطر وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك بان إسرائيل تنقلب أيضا على المصالح الحيوية للدولة الأردنية وعلى الأردنيين حكما وشعبا.
ولعل مخاوف الأردن من تمكن حكومة نفتالي بينيت من فرض واقع جديد تحت عنوان القدس يدفع باتجاه إعاده إنتاج وتعريف ثم تقليص صلاحيات الأردن في إدارة الأوقاف، هو الهاجس الذي يتمحور حوله الحراك الدبلوماسي النشط في المعادلة والعمق الفلسطينيين بقيادة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
ولعل محاولة النضال مرة أخرى على أمل منع حكومة بينيت من تغيير اتفاقية عام 2015 هو السبب المباشر لحالة التشاور الدائمة ما بين الصفدي ونظيره الفلسطيني رياض المالكي.
لكن ما هو غير معروف بعد هو الهامش المتاح أمام السلطة وحكومة عمان في هذا السياق خصوصا وان التوجيهات الأمريكية المرجعية كانت واضحة الملامح وهي تعيد التأكيد قبل أكثر من أسبوعين على ان أي سماح بسقوط الائتلاف الهش لحكومة بينيت يعني وفورا بتقدير المطبخ الأمريكي عودة حكومة نتنياهو بالتأكيد.
وهو سيناريو لا يريده الرئيس الأمريكي جو بايدن لكن حتى وزير الخارجية الأردني الصفدي يلاحظ بان الجانب الأمريكي وطاقم بايدن لا يفعلان شيئا باتجاه منع هذا السيناريو، لا بل أيضا باتجاه منع طاقم بينيت من الاستثمار والاستغلال في هذه الظروف المعقدة.
نصح الأمريكيون طوال الوقت خلف الستارة والكواليس بين عمان ورام الله بالبقاء على صلة ببعض أعضاء الكنيست العرب بصورة تمنع حجب الثقة عن حكومة بينيت تحت عنوان ما يجري وعلى أساس إطالة عمر هذه الحكومة قدر الامكان لان البديل هو نتنياهو.
لكن ذلك يحصل بتقدير غرفة القرار الأردني فيما يستمر بينيت بمجاملة المستوطنين وإستثمار ما يجري في القدس لاخضاع أهلها و لتقويض الوصاية من دون ان تشارك إدارة البيت الأبيض في أي جهد مضاد.
هذا هو الوضع المعقد اليوم في سلسلة تعقيدات لا تنتهي أمام صانع القرار الأردني، والإنطباع كبير بان أحد أبرز سيناريوهات تقليص الوصاية قد يكون الاتفاق تحت عنوان إعادة تعريفها مع بعض الأطراف العربية والإسلامية التي يمكن ان تحتفظ بطموح ما في إدارة ولو جزء من ملف القدس.
وبالتالي يدخل الأردن سياسيا بتفاصيل الوصاية ويحاول تذكير الأمريكيين برعايتهم اتفاقية عام 2015 ويحاول فتح مواجهة ومعركة دبلوماسية نشطة تحت عنوان الحرص الشديد على الستاتس كو. بالتالي على منع حكومة بينيت في أي لحظة من إعادة تعريف الأمر الواقع أو فرض وقائع جديدة على المدينة المقدسة المحتلة، وتلك أكبر مساحة من الضرر يمكن ان تلحق ليس بالأردن فقط ولكن بدوره الإقليمي وبمساحته في المناورة، لان إعادة توصيف وتعريف الوصاية الأردنية تعني تقليص صلاحيات طاقم الأوقاف الأردني.
وقد تعني لاحقا اشراك بعض الأطراف الأخرى في عملية لا أحد يعلم بعد إلى اين ستنتهي حيث طموح تركي بالمشاركة والحصول على حصة من كعكة التمثيل الإسلامي لأزمة القدس. وحيث بالتأكيد بعض الدول الصديقة مثل الإمارات والسعودية يمكنها ان تعزف على وتر طموح ما تحت عنوان برنامج الرئيس بايدن في ضرورة التركيز فقط على مسألتين أولا التهدئة العامة في القدس والأراضي المحتلة فقط.
وثانيا فقط أيضا تجنب سيناريو سقوط حكومة نفتالي بينيت حتى لا يأتي نتنياهو. دون ذلك لا تفعل واشنطن شيئا محددا لا لعمان ولا لرام الله وهما تناضلان الآن بعد التحدث معا على أمل لحلحة هذه التعقيدات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية