كُرد سوريا: الممكن والمأمول

حجم الخط
1

ليس من السهل على أي طرف من أطراف الحرب السورية أن يصل لمواجهة لحظة الحقيقة التي تضطره لقبول نتائج غير التي كان يتوقعها طوال سنوات الحرب الثمان، أو أن يرى حليفه يتخلى عنه في وقت هو بأمس الحاجة لدعمه؛ وهذا -بالضبط – ما يواجهه كُرد سوريا اليوم.
بعد سنوات من التحالفات -الرسمية وغير الرسمية منها- مع الحكومة السورية وروسيا وأخيراً الولايات المتحدة، ها هي اليوم تجد نفسها دون حليفها الأوحد واشنطن، التي أعلنت اليوم موافقتها الضمنية على عملية عسكرية تركية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

اتفاق الآلية الأمنية

الإعلان التركي الذي أنهى بموجبه اتفاق الآلية الأمنية الموقعة بينها وبين الولايات المتحدة قبل شهر واحد فقط، سوف يضع المنطقة على شفير حرب لا يستطيع أحد التكهن بمآلاتها، وبالتالي إعادة خلط أوراق المشهد السوري.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال في سلسلة تغريدات على تويتر أنه «قد آن الأوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة والتي لا تنتهي، والكثير منها قبلية».
موقف يشي بغياب الأهمية الاستراتيجية لمنطقة شرق الفرات في ملفات واشنطن، وليس أدلّ على ذلك من موقفه اليوم حين قال «كان من المفترض أن تكون مهمة القوات الأمريكية فيها لمدة «30 يومًا» فقط.. تعمقنا أكثر وأكثر في المعركة دون هدف أمامنا».
تحالفت الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب (الكردية) ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية إثر اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة كوباني/ عين العرب أواخر العام 2014 وقدمت دعماً عسكريًا لحليفها الكردي، لكن موقف الرئيس الأمريكي تغير بعد حين، فترامب قالها بلغة الاقتصاد أولاً والمصلحة الاستراتيجية الأمريكية ثانيًا «الأكراد قاتلوا معنا، لكنهم حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل لفعل ذلك. إنهم يقاتلون تركيا منذ عقود».

أسس واضحة

لم يكن تحالف «سوريا الديمقراطية» مع الولايات المتحدة استراتيجيًا منذ البداية، كان هناك عدو مشترك يتم مواجهته، والآن انتهى هذا الاتفاق، وعليه كان عليها أن تجدد تحالفها على أسس واضحة يتعلق بالرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة، كان على مجلس سوريا الديمقراطية أن يقوم بتدوير الزوايا لعقد تحالفات على أسس أقوى من التي هي عليها الآن.
لم تتمكن «مسد» من نسج أي تحالف يعتد به منذ نشوئها عام 2015 ولا أن تستثمر الانتصارات الكبيرة لـ «قسد» طوال سنوات حربها مع تنظيم «الدولة الإسلامية» وكان يتخلف على اللحاق بركب الانتصارات العسكرية لـ «قسد» لذا كانت التحالفات تقتصر على الجوانب العسكرية وحسب، ولم تترجم إلى أي اتفاق سياسي.
استبعدت «مسد» عن لقاءات جنيف وأستنة وكذلك عن اللجنة الدستورية المشكلة مؤخراً، وذلك بفعل الضغوطات التركية التي لم تتهاون في إعطاء الفرصة لأي طرف مقرب من «المجلس» ما زاد من صعوبة إيجاد حلّ لسكان منطقة شرق الفرات الذين وجدوا أنفسهم في منطقة مستقرة أمنيًا، لكنها مهددة بالانفجار في أي وقت، نتيجة التخلخل السياسي القائم.
لا تريد الولايات المتحدة سوى إنهاء -أو على الأقل تحجيم- الدور الإيراني في سوريا، وهذا لن يتم بالتحالف مع الكُرد في سوريا، ولا عبر دعم الإدارة الذاتية في شرق الفرات طالما أن هناك جيبا للحكومة السورية تتصل به مع الجانب العراقي في المنطقة الفاصلة بين منطقتي النفوذ الأمريكية في كل من شرق الفرات، والتنف الواقعة في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني.

السيناريو الأمريكي

السيناريو الذي تريده واشنطن هو البقاء في هذه المنطقة -غير الاستراتيجية أمريكيًا- وابتزاز المحور الروسي الإيراني السوري إلى أن تجبر طهران على إخراج قواتها وكذلك الميليشيات المتحالفة معها من سوريا.
التنسيق مع الروس قد يفضي إلى منع وقوع الحرب التي من الواضح أن نتيجتها لن تكون لصالح قوات سوريا الديمقراطية في مشهد مماثل لما حدث في عفرين مطلع العام 2018 والذي انتهى حينها بسيطرة الجيش التركي وحلفائه من المعارضة السورية على المدينة بعد 58 يوماً فقط
الوصول إلى حل مع الحكومة السورية هو الأمل الوحيد الذي تنتظره شعوب شمال وشرق سوريا، 5 ملايين نسمة ينتظرون الخلاص الذي ربما يضيق هذا الأمل أو يكاد يضمحل.
لم تنجر شعوب المنطقة إلى أي حرب طائفية أو عرقية خلال سنوات الحرب، وهذا ما يجعلها مهيأة لأي حل توافقي مع الداخل السوري.
لن يستفيد أحد من الحرب إن وقعت، المنطقة النفطية لن تكون هدفاً سهلاً لتركيا التي تريد فقط إنهاء المشروع القائم في شمال وسوريا، فليس من المنطق أن تقبل موسكو بسيطرة أنقرة على الخزان النفطي والمائي الأهم في سوريا، وهي التي لا تربطها سوى علاقة تحالف مؤقت على خلفية التباعد بينها وبين واشنطن عقب تحالف واشنطن و»قسد» وعليه فإن الصيغة الأكثر واقعية هو توسط موسكو لمنع قيام الحرب بشرط أخذ الهواجس التركية في أي اتفاق مقبل بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية.
على «مسد» أن تتعامل مع التطورات بحصافة سياسية، وأن تأخذ بقضية أمن المواطنين كبوصلة لا تحيد عنها، وعليه فإنها مطالبة بتجنيب المنطقة أي حرب محتملة، وأن تتواصل مع موسكو للتوسط بينها وبين الحكومة السورية لعقد مفاوضات ستكون شاقة بالتأكيد، وبحاجة لتنازلات كبيرة نوعًا ما، وإيجاد حل عملي بالسرعة الممكنة.

كاتب سوريّ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح//الاردن:

    *هدف (تركيا ) واضح ومعلن للجميع.
    انشاء (منطقة آمنة) وعودة أكبر عدد
    من اللاجئين السوريين اليها.
    على جميع الأطراف دعم تركيا لتحقيق
    هذا المشروع الحيوي السامي.

اشترك في قائمتنا البريدية