لأسباب نفسيّة واقتصاديّة واجتماعية: ثلاث حالات انتحار لنساء وأطفال خلال يومين شمال غربي سوريا

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق– «القدس العربي» : سجلت جهات حقوقية وإنسانية ثلاث حالات انتحار لنساء وأطفال خلال أقل من 48 ساعة في مناطق مختلفة من شمال غرب سوريا، بزيادة مرتفعة بـ 120 % مقارنة بعدد الحالات المسجلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وسط صعوبات متزايدة، حيث يحتاج نحو 17 مليون سوري إلى مساعدات مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية، بسبب تعنت النظام في إدخال المساعدات الإنسانية، بعد الحرب التي شنها على الشعب السوري ووصفت بأنها “أكثر الحروب وحشية في هذا القرن” وأدت إلى مقتل أكثر من 300 ألف مدني في سوريا في السنوات العشر الماضية.
مدير منظمة “منسقو استجابة سوريا” د.محمد حلاج، قال لـ “القدس العربي” إن عدد الحالات المسجلة في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام السوري، ارتفعت منذ بداية العام الحالي إلى 12 حالة (8 حالات انتحار، 4 محاولات فاشلة) دون أي تحرك فعلي من الجهات المحلية لإيقاف تلك الظاهرة التي أصبحت هاجساً جديداً يضاف إلى المصاعب الكبيرة التي يتعرض لها المجتمع المحلي في المنطقة.
وتعتبر 75% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث معدلات الفقر مرتفعة، وتشير الأدلة إلى وجود علاقة بين المتغيرات الاقتصادية والسلوك الانتحاري، كل هذا يمكن تفهمه بسبب حجم المشاكل التي يعاني منها الفقراء والآلام الناجمة عنها.
وقال حلاج: “نتفهم الوضع الإنساني الذي يمر بها مئات الآلاف من المدنيين في الشمال السوري، لكن نؤكد أن اللجوء إلى الانتحار ليس الحل النهائي للقضاء على المشاكل التي يتعرض لها الشخص المقبل على الانتحار، ونؤكد أن الأثر السلبي لها أكبر بكثير لما له تبعات اجتماعية ودينية على الشخص المنتحر”.
وأشار المتحدث إلى البيان الأخير الصادر عن منظمة “منسقو استجابة سوريا”، حيث أكد أن أغلب الأسباب التي دعت إلى تزايد هذه الأرقام هي الآثار الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والبطالة والفقر وازدياد حالات العنف الأسري والاستخدام السيئ للتكنولوجيا، وانتشار المخدرات والتفكك الأسري بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
المحامي عبد الناصر حوشان، تحدث في تصريح لـ “القدس العربي” عن أسباب ارتفاع معدل الانتحار شمال غربي سوريا، مشيراً إلى أن أهمها هي الأسباب النفسيّة والاقتصاديّة والاجتماعية وقلّة الوعي بسبب الأوضاع القلقة التي يعيشها أهالي المناطق المحررة.
وقال: “من خلال المعلومات التي وردتنا، فإن حالتين لتلاميذ “أطفال” إحداهما تركت رسالة لأهلها تبين فيها سبب إقدامها على الانتحار بأنه فشلها بأن تكون عند حسن ظنّهم، والأخرى أيضاً تشبهها، كما أن أسلوب الانتحار واحد وهو استخدام “حبّات الغاز” المقصود بها مواد تعقيم يستخدمها الأهالي للتعقيم الزراعي، وهناك حالات أخرى مجهولة الأسباب، لكن بالعموم أسباب الانتحار في المناطق المحررة هي إما أسباب نفسيّة وإما أسباب اقتصاديّة وأسباب اجتماعية، فضلاً عن قلّة الوعي بسبب الأوضاع القلقة التي يعيشها أهلنا في المناطق المحررة، وعدم توفّر الرقابة الأسريّة على الأطفال أو عدم معرفة الأهالي بسبل حل مشاكل أبنائهم”.
وكانت حكومة الإنقاذ قد منعت بيع حبوب الغاز إلا بشروط محدّدة منها بلوغ الشاري ومعرفة سبب الشراء للحدّ من انتشارها بين الأطفال والنساء وهم الشريحة الأضعف في المجتمع والتي لا تحتمل الضغوط النفسية والاقتصادية. وتستدعي هذه الأوضاع وفق منظمة منسقو استجابة سوريا “مطالبة كافة الجهات بمعالجة هذه الظاهرة في كافة جوانبها وإنشاء مراكز للتأهيل النفسي وتشكيل فرق خاصة لمكافحة ظاهرة الانتحار وإطلاق حملات إعلامية لتكريس الضوء على مخاطر هذه الظاهرة وكيفية الحد منها”.
ويعيش نحو 90٪ من السكان في حالة من الفقر، ويعاني 12.9 مليون شخص من مشكلة انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى وجود 7.2 ملايين شخص من النازحين داخلياً.
وفي ظل مواجهة أزمات متعددة الأوجه، يحتاج 16.7 مليون شخص وفق تقديرات الأمم المتحدة، إلى المساعدة، وهو ما يمثل ارتفاعاً من 15.3 مليوناً في العام الماضي. وقد طالت تأثيرات الزلزال 8.8 ملايين شخص في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف، العديد منهم كانوا أصلاً في عداد النازحين. وفي منطقة شمال غرب سوريا وحدها، لا يزال هناك أكثر من 40,000 شخص نازح جراء الزلزال، ويقيمون في 70 مركز استقبال مؤقت.
رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، باولو بينيرو، قد أوضح في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن سوريا تشهد “تصعيداً حاداً للعنف، أجبر عشرات الآلاف من الأشخاص على الفرار، فيما لا تزال تشكل أكبر أزمة نزوح في العالم، وهو أمر لا يلاحظه أحد إلى حد كبير خارج المنطقة”.
وفي رأي بينيرو فإن سوريا “تحتاج بشدة إلى وقف أعمال العنف، ولكن بدلاً من ذلك، فإن الحرب المستمرة منذ أكثر من 12 عاماً هناك تزداد حدة، وتمتد الآن على طول خمس جبهات في نطاق صراع مماثل”.
وأضاف أنه “في ظل الاضطرابات التي تمر بها المنطقة، من الضروري بذل جهود دولية جادة لاحتواء القتال على الأراضي السورية”، مشدداً على أن “أكثر من عقد من إراقة الدماء يحتاج إلى نهاية دبلوماسية”.
وأشار بينيرو إلى أن “الهدنة الدائمة في غزة من شأنها أن تهدئ إلى حد كبير من الوضع في سوريا، وتخفض حدة التوتر بين القوى الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران من خلال وكلائها، التي تنشط عسكرياً داخل البلاد”.
من جهة أخرى، قال بينيرو إنه “في خضم كل ذلك، يواجه السوريون صعوبات متزايدة لا يمكن تحملها، حيث يحتاج نحو 17 مليوناً منهم إلى مساعدات إنسانية مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية، ومع ذلك، لا تزال عمليات تسليم المساعدات معلقة في خيط رفيع، ويعتمد ذلك على تعسف النظام السوري، وتعرقله العقوبات”.
وذكر أنه “في الوقت نفسه، أجبر النقص الحاد في أموال المانحين لبرنامج الأغذية العالمي على تعليق المساعدات الغذائية المنتظمة في سوريا، مما وضع الملايين في قبضة الجوع”.
ولفت إلى أن “واحدة من أكثر الحروب الأهلية وحشية في هذا القرن أودت بحياة أكثر من 300 ألف مدني في سوريا في السنوات العشر الماضية، وليس من المستغرب أن يصل عدد السوريين طالبي اللجوء في أوروبا في أكتوبر الماضي، إلى أعلى مستوى مسجل منذ 7 سنوات”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية