لالا “نعيمة” لبؤة قناة “المربوحة”: عشتار العروبية… المولد في القيروان…”المقروظ” غلب الحضرة… سخاء المرأة المغاربية أمام سطوة الطبيعة والرجل

“المربوحة” قناة من قنوات اليوتوب المغربية، وهي تعرف نفسها على أنها مغربية عربية، تطمح لأن تكون كذلك وأن تتسع دائرة متابعيها إلى كل البلدان العربيّة وإن كانت “المربوحة”، قناة عائلية تلم شمل الأسرة، التي انقطع التواصل بينها وجفت عروق الرحم وصلاته.
وهذا ما جعل القناة تتميّز بجمع حواريّات السيدة سميرة نساء من مناطق جبلية وعرة، العروبية، ليتحدثن عن تجاربهن التي صقلت مساراتهن، وعن معارفهن التقليدية التي ما زلن يتمسكن بها، في بيئة ريفيّة تشم روائح النظافة منها، فلا أكياس بلاستيكية عابرة للأجواء وملتصقة بالأشجار كرؤوس العفاريت، ولا قنوات الصرف الصحي، التي أصابها العطب تلوث الطرقات والحقول، إنه الخلا. بكل ما يحمله من دلالات متعددة تتكاثر فيها نسب الخروج إلى بيئة قد تشفي المشاهد من التلوث.
كل شيء يوحي بالمنتوج الـ”بيو” مع أنّ صاحبة القناة ولا الفاعلين فيها يشيرون، ولو إشارة إلى الزعم البيئي والمحافظة على البيئة، وكل تلك الأقاويل التي أصبحت مجرد دعايات وأوهام، تترك وراءها أطنانا من القمامات تصل عنان السماء.
مقدمة البرامج بزي متواضع ليس من توقيع أي دار من دور المصممين محليين كانوا أو عالميين. وجه لا تركز عليه الكاميرات أبدا ولا تبدو عليه آثار المكياج ولا رموش اصطناعية تسبّل للضيوف، ولا أيد تتصنّع الجدّية وتشوّش على المشاهد. بل ما يهم السيدة سميرة هو لفت الاهتمام بطاقات هؤلاء السيدات وما تنتجه أناملهن وما يبدعه فكرهن.
محاورة هادئة لصاحبات المهارات العالية، ببساطة البيئة، وهدوء اللغة والحوار والتبادل العميق. وترك المجال واسعا أمام مهارات الريفيات العروبيات، ليدلين بدلوهن وليخرجن أسرار العمل وتقنيات البناء والحرث والدرس والزراعة وطقوس التسمين والتنحيف وتخصيب الأرحام ومختلف الأطباق، التي لا تحتاج لكريم شانتييي ولا الاجبان الثلاثية ولا أي نكهة من نكهات “جامبو” و”اندومي” الفتاكة بالصحة. هو طبق الفول ومن ليس لديه الفول قد تنام بداره الغيلان. الغيلان الجائعة. الطهي على الجمر والدخان. ألذ الأطباق والطواجن المغربية يمكن متابعتها على الهواء مباشرة. الهواء الطلق البارد الذي يلفح الوجنات. ويحرك الشهية لنيران الأثافي والمنتوجات الزراعية، التي تستثمر فيها النساء كلية.

لالا نعيمة سخاء أمام الطبيعة القاهرة لأعتى الرجال

عشتار البيئة العروبية، سيدة سمراء، بتقاطيع صارمة، صلبة الجسد، لكن الابتسامة والنكتة لا تفارقها وهي دائمة العمل، الكد والجد. سخاء جسدي أمام الطبيعة القاهرة لأعتى الرجال. سيرة ذاتية وتجارب الأنا والذات الجماعية، تحكى بالملموس وليس داخل استديو، بل تتفجر الطاقات عمليا وعملا وكدحا. لالا نعيمة تبني البيت الذي يأوي عائلاتها يد بيد مع زوجها. تشاركه مع متتبعي قناة مربوحة بألوانه البيضاء والحنية، بني بدقة وتناغم مع محيطه، تماما لا نشاز فيه، عمارة الطين التي لم تغب عن المغرب في قصورها الواحاتية وفي الأرياف. أثقل الايجار كاهل لالا نعيمة، فجعلها تتحدى الظروف وقلة الحال وتبني مسكنا يذكرنا بالطفولة في المغارب، ونحن نرسم بالبياضة والحمراء خطوطا وجوهنا لنتذكر أننا ولدنا من التراب مختلف الألوان والطعم.
تختلط روائح روث الأبقار بالتبن وبالطين الحر لينتج بيتا صفته الراحة والرطوبة صيفا والحرارة في شتاء العروبة القاسي. وهل تهدأ حركة عشتار الصامدة. أبدا، ها هي تحمل المحراث.
انتهاكات امرأة غير مقصودة، هكذا هي انتهاك لالا نعيمة لطقوس الحرث المغاربية، التي تشكل أساس فحولة الرجل في المجتمعات الزراعية. لم تقلل لالا من مكانة زوجها، بل تساعده يدا بيد في الحرث بالجويجة، زوج حيوانات ثورين كانا أم بغلين أم حمارين وبسكة خشبية ما زالت على حالها وتقوم بوظيفتها في المغرب، قبل أن تسلم روحها في بلدان أخرى للحديد أو للعدم وتحولها لديكور أحد الأثرياء أو المهتمين بجمع المقتنيات القديمة أو محفوظة بالمتحف. تحملها لالا نعيمة تحرث أرضا وعرة لتؤمن قوت عيالها وتساعد زوجها الذي تقبل رأسه ويديه لأنه تصرف تصرف الفرسان معها ومع ظروفها ولم يغيرها بامرأة أخرى. هذا جميل من جمائله تتذكره دائما لالا نعيمة وتبذل قصارى جهدها في أن ترد الدين بقوتها وجيدها ونحتها الصخور بأظافرها. ضريبة تمدرس الأبناء وكرامة الأسرة، يجعل لالا تترقب وقت الخريف لقطف حبات الهندي التي تتأخر في النضج أو تلك التي تنضج على مهلها، التي لاعظم بها وحلاوتها تفوق السكر فقط للحاجة فطيمة والحاجة عيشة في المدينة. تحمل البيض الطري، والديك البلدي للمدينة لتعود بالمال. من يشتغل دون مقابل، هل تقديم ثمن المجهودات الجبارة لهذه السيدة المكافحة الجميلة في كفاحها الذي تحوله لموسيقى ناعمة طوال الوقت، يعتبر طمعا وجشعا؟ هل مقارنتها بين بنات المدن والنساء الريفيات، يعتبر اهانة تستحق منها أن تعتذر وإلا تشتم؟
في كل المناسبات لا بد أن تحضر بصمتها كعلامة من علامات نجاح المناسبات والمهام، فحيثما قدمت أدخلت الفرحة والبهجة. واتقنت أعمالها. صريحة جدا جدا، في زمن تلبسه النفاق وسكنته أحقاد البشر الدفينة. الصراحة راحة والكلام فيه ازاحة وزحزحة لتراكمات الهموم والأحزان والمستقبل المجهول.
فصيحة دون تعلم ومثقفة دون مدارس. وملمة بالأغاني وأهازيج الحناء. لالا نعيمة سميح كما تريد أن تسمي نفسها، مرة على مرة تصدح بين أحضان الطبيعة الوعرة الخلابة:
آذاك الجبيل العالي اللي فوقو الدوالي
آحميد الهلالي فصلي ثوب اللي غالي
لنقرأ ونتمعن السيرة الهلالية، وهي تتغزل بزوجها وتشبّهه بأبوزيد الهلالي. وما تخفيه في جعبتها الكثير الكثير. المربوحة كشفت على كنوز بشرية حقيقية لا تشوبها شوائب المكاتب والمؤتمرات، الكنوز الدائمة للأجيال وللأوطان دون وصاية من أحد.

مولد النبي بالقيروان: حضر المقروظ وغابت الحضرة

في برنامج “بلا قناع”، كاميرات آم “تينزيانا”، تتجول بين المارة والباعة في القيروان للسؤال عن مظاهر وعادات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. الكل يثني على الاحتفالات ويقول إنها قيروانية مميزة. بسهراته المميزة، وبلمة العائلات وتحضير ما لذ وطاب من المأكولات. وخاصة المقروظ القيرواني بالجلجلان، والخبز المبسس. أحسن مقروظ تاع القيروان. كذلك تشتهر القيروان باللباس التقليدي الذي يلبس احتفاء بمولد خير البرية (ص) وتتزين الشوارع وتجوب الأحصنة المزينة ليركبها الصغار ويطوفون المدينة. القيروان يأتيها الزوار من مختلف الولايات والمعتمديات التونسية للاحتفال، كل على طريقته، للصلاة وللزيارة وللحضرة.
بهذه المناسبة تنتعش الاقتصاديات المحلية، بل يتمنى التجار أن تدوم أكثر لمبيعات أكثر. كل المواسم دينية كانت أو غير ذلك هي بمثابة الفرصة التي يجب أن تغتنم لحل بعض من مشاكل البطالة والحال الواقف.
بهذه المشاهد اكتفى البرنامج، حتى غابت شمس بلد دولة الأغالبة وأضاءت المصابيح في كل الأرجاء. وانتهى زمن البرنامج بوضع قناع على الحضرة القيروانية التي تزين الموالد والمناسبات الدينية ولا شيء بقي على حاله، فالأبواب لم تعد مفتوحة لاستقبال ضيوف القيروان والأمن والأمان قل في هذا الزمن المقيت. فيحتاج البشر في هذا الوقت بالذات لمعجزة تعيد الطمأنينة للقلوب. لذلك عادت.
مظاهر الاحتفالات التقليدية أكثر من أي وقت مضى، والمولد كغيره من الاحتفالات التراثية عاد وعادت احتفالاته الاستثنائية ومنذ سنتين فقط. يحتاج المجتمع لرجة عنيفة ليعود إلى صوابه الاجتماعي والعادات التي لا تؤذي أحد، سوى من كان يراها تعيق التقدم، ومن يعتبرها رجعية. وها هي عادت لتصبح اعتدالا وسلما ومجابهة للتطرف، أو هكذا عدلت مسارات الاحتفالات، التي كانت منبوذة سياسيا ونخبويا.

كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابوتاج الحكمة.شاعرسوري.باريس:

    الكاتبة الكريمة:
    انت تمتلكين العبارة النثرية من ناصيتها
    تكاد الصور تتكلم

  2. يقول ali:

    من بين أفضل المساهمات
    على هذا الموقع

    شكرا لك سيدتي

    Thanmirth

اشترك في قائمتنا البريدية