يظهر أن مسيرة الانتقال إلى نظام ديمقراطي في بلاد العرب، أصبحت سلسلة من اللعنات السياسية التي لا تنتهي. فما إن خرج العرب من تحت عباءة الحكم التركي العثماني غير الديمقراطي، حتى وقعوا في قبضة التسلط الاستعماري الأوروبي في شتى أشكاله، الذي بدوره كان ينادي بالحكم الديمقراطي لمجتمعاته، ولكنه كان يحرّمه على المجتمعات التي كان يستعمرها.
وما إن نجحت الأقطار العربية تدريجياً في الحصول على استقلالها الوطني، وخروجها من قبضة الاستعمار الأوروبي غير الديمقراطي، حتى استبشر الناس خيراً وظنوا أنهم مقدمون على مستقبل ديمقراطي واعد. لكن، كما يقال، «يا فرحة ما تمّت»، إذ ما إن حصلت الأقطار العربية على استقلالها، حتى حمّلتها الحضارة الأوروبية أوزار ومصائب المشكلة اليهودية ـ النازية، من خلال إعطاء فلسطين العربية، كتعويض للصهيونية العالمية، إلى جحافل المهاجرين الأغراب، وتشريد شعب فلسطين العربي في شتى المنافي، ومن ثم تسليم ما بقي لديهم من جزء صغير من وطنهم إلى حكم صهيوني مباشر.
وأمام تلك المحنة توالت الانقلابات العسكرية في شتى الأقطار، لاعتقاد الحركة القومية آنذاك بأن الأولوية يجب أن تعطى للموضوع الفلسطيني، حتى لو كان على حساب الانتقال إلى الديمقراطية، التي تم تأجيلها إلى ما بعد الانتهاء من ذلك الخطر القومي الجديد، لكن الموضوع الفلسطيني تعثر ومعه تعثّر الانتقال الديمقراطي، وعاشت الأمة العربية في دوامة من الخلافات والأزمات والصراعات السياسية التي أنهكت قواها وقدراتها وشلّت مشروعها النهضوي العربي المأمول.
مهما كثرت المحن فإن الديمقراطية يجب أن تبقى في قمة أولويات مشروع النهوض العربي، ديمقراطية قانونية إنسانية عادلة شاملة لكل مسالك الحياة
وأخيراً، ومنذ السنة العاشرة من هذا القرن، عادت الآمال وارتفعت بقرب الانتقال إلى نظام ديمقراطي في العديد من الأقطار العربية، التي اجتاحتها الحراكات الجماهيرية الهائلة، التي أسقطت العديد من أنظمتها غير الديمقراطية السابقة. لقد ارتفعت أصوات الأمل بحلول عهد ديمقراطي عربي جديد، إبان كل حراك جماهيري في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والسودان وبعض دول الخليج العربي والمغرب العربي، إلا أنها تعثرت جميعاً لأسباب داخلية، وبعضها أيضاً لأسباب خارجية، ودخلت الأمة العربية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في عهد مرتبك وغير مستقر وغير واضح في مستقبله، بل حتى وجوده. اليوم، وبارتباك الوضع السياسي مؤخراً في الكويت الشقيق، حيث ترسّخت فيه منذ استقلاله ديمقراطية واعدة ومستقرة أكثر من غيرها من المحاولات العربية، تكون محنة الديمقراطية العربية قد وصلت إلى أصعب وأعقد الأوضاع وأكثرها خطورة. إزاء هذه الصورة القاتمة للمسيرة الديمقراطية في بلاد العرب، ستنبري، كالعادة، أصوات الشّؤم والاستهزاء لتؤكد المقولة الاستعمارية الشهيرة بأن الأرض العربية لا يمكن أن تتعايش مع المبادئ والسلوك والتنظيم الديمقراطي. هنا، يجب أن ننبّه شابات وشباب الأمة العربية بأن لا يستمعوا إلى تلك الأصوات، التي أغلبها مستأجرة ومجيّشة لإدخال اليأس والقنوط في كل مناحي الحياة العربية، وأن يتمسكوا بشعار الديمقراطية مهما كثرت المؤامرات عليه، خصوصاً في هذه الفترة التي بدأ الاستعماري الغربي ـ الصهيوني يشعر بوجود روحية نهضوية نضالية في كل أرجاء الوطن العربي، وبالتالي بات يخاف على سقوط مشاريعه وخططه وألاعيبه الكاذبة.
إن المشاكل التي تواجهها الديمقراطية في بلاد العرب، تواجهها الحضارة الغربية برمّتها. وهناك نقد شديد في كل مجتمعات الغرب لنقاط ضعف الديمقراطية في بلدانهم. فإذا كان الأمر كذلك في بلدان مارست الديمقراطية عبر عدة قرون، فكيف سيكون الحال في بلدان أضاعت عبر تاريخها مبدأ ديمقراطياً واعداً، مبدأ الشورى الإسلامي، وعاشت عدة قرون تحت حكم الأغراب، وابتليت بمؤامرات خارجية وداخلية لا عدّ لها ولا حصر؟
مهما كثرت المحن والإحن فإن الديمقراطية يجب أن تبقى في قمة أولويات مشروع النهوض العربي، ديمقراطية قانونية إنسانية عادلة في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع، ديمقراطية شاملة لكل مسالك الحياة.
كاتب بحريني
تحية طيبة الى الاستاذ علي محمد فخرو ،مع المحبة والتقدير والاحترام.
فالديمقراطية في المفهوم اليوناني “حكم الشعب” ،وهو اختراع توصلت اليه التجمعات البشرية لتنظيم الصراع والتطلع ،تفاديا للحروب الاهلية والصراعات الدموية. واليوم فمعظم الدول الاعضاء في الامم المتحدة تتبنى هاته الالية في الحكم وتنظيم المجال،لاحتواء الصراع والتطلع.
كما جاء في مقالكم ان على الشباب والشابات التشبت بشعارات الديمقراطية.
فالممارسة الديمقراطية عملية معقدة وتراكمية،ومن اجل تجسيدها على ارض الواقع،فهي الية تمارس،وتتم من خلالها عملية توزيع الموارد والسلطة…
…تتمة
فالمشروع الديمقراطي يتم بناؤه في المجتمع ،وفي اي تجمع بشري يريد تنظيم الصراع والتطلع.من هنا فان العملية تتطلب البناء والنفس الطويل.
فالتشبت بالشعار لا يكفي بل المطلوب ممارسة الديمقراطية،والتي تبتدء من المهد الى اللحد،اي من المدرسة الابتداءية الى الاعدادية الى الجامعة الى جميع مراكز التكوين،مرورا بالحي عند بلوغ سن الاقتراع ،الى العمارة والمعمل وجميع فضاءات الشغل.
انها ممارسة يومية،فالدول الديمقراطية الحقيقية تبنت هاته الممارسة بشكل شامل،من المهد الى اللحد،فكانت النتيجة الدخول الى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة،وصولا الى المؤشر العالي في الرفاهية والسعادة.
تحية مرة تانية دكتور علي محمد،ولكم واسع النظر والتامل،واجمل التحيات…