لا شيء يستحق عناء الكتابة

إنه مجرد طفل سوريّ في مخفر الدرك في الأشرفيّة.. طفل اسمه ريّان السعدي.. الأب محمد السعدي، قضى في انفجار مرفأ بيروت. الأم منى النحّاس، في العناية المشددة.. لا شيء يستحق الكتابة.. لا شيء يستحق أن يتحول الحدث إلى كلمات.
لك أن تراه طفلاً سقطت الدهشة من عينيه، بدل الدموع، وبإمكانك أن تبحث عن الابتسامة بين شفتيه، إلاّ أنك لن تجدها، فابتسامات الأطفال تتوارى أمام الغرباء، ورجال الدرك (الشرطة). فما بالك إذا اجتمع عليه درك غرباء؟
لك أن تسأله عن لعبته، التي بقيت تحرس بيتهم في دمشق، هذا ما قالته له أمه ذات شوق، والأمهات دائما صادقات، بإمكانك أن تخترع لتلك اللعبة اسماً محبباً، إلا أنه لن يفهم عليك، فهو لا يعرف إلا اسمها الذي أطلقه عليها بنفسه، يمكنك أن تعدّ أمامه أسماء الألعاب، لعبة، لعبة، كما تعدّ الرصاص. حين تنفجر واحدة منها، سيعرفها فوراً.
لا شيء يستحق عناء الكتابة، لا شيء يستحق تحويل الحدث إلى كلمات. مجرد طفل سوريّ ضائع. طفل سوريّ بلا أبوين، في مدينة منكوبة. طفل (ما زالت بخديه ظلال المهد واللعب). طفل التقطه دركيّ من الشارع – قبل أن تضع الخيبة بصمتها على ملامحه ـ قرأ في وجهه سورة الرحمن، فاستعاد وجدانه الذي شتته الانفجار، تمعن به جيداً، فاستعاد بناء يقينه الإنساني.
أيها الدركيّ المحترم، أرجوك، لا تفتح عينيه على هاوية الأسئلة. لا تسأله عن أبيه، فينهار جدار هذا الاسم أمام عينيك، لا تسأله عن أمه، فيتذكر ملاذه الآمن بنوبة بكاء، أحضر امرأة من الشارع، أيّ امرأة كانت، فهو يعرف كيف يلتقط أمومتها بحسه الطفوليّ النظيف، وهي تعرف كيف تضمه إلى صدرها. أخشى أن تستغرق الكلمات كل البكاء. أخشى أن يتحول ريّان إلى كلمات، وأطفال الرقة يتحولون إلى دموع، فهناك، في مدينتي النائية، ثمة أطفال أيضاً، أطفال يتعقبهم المجرمون.
(في كل يوم لنا ميت نشيعه/ نرى بمصرعه آثار موتانا) وكأن الموت قد حدد مكان إقامته في شرق المتوسط، وطاب له المقام!! وحده الموت الذي يعرف السوريين حق المعرفة. ينتقيهم بعناية المحب، ويأكلهم بوحشيّة العدو، أيها الموت السوريّ متى تموت؟ أيها الموت اللبناني من أيقظك؟

٭ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية