لبنان أمام امتحان أمريكي-إسرائيلي عصيب: ترامب يُطلق يد نتنياهو بلا هوادة

رلى موفّق
حجم الخط
0

ثمّة شكوك كبيرة في بيروت وعواصم عدة من أن الجيش الإسرائيلي سيُنهي في 18 شباط/فبراير الحالي انسحابه من قرى الحافّة الأمامية في جنوب لبنان، التي لا يزال يحتلها، إلى الحدود. تحدثت مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف من قصر بعبدا، في أول زيارة خارجية لها منذ تسلّم إدارة دونالد ترامب، أن بلادها ملتزمة بالتاريخ المحدد، لكنها استخدمت تعبير «إعادة الانتشار» من دون الإشارة الواضحة إلى الانسحاب الكامل.
الانسحاب الإسرائيلي الكامل مربوط بشكل فعليّ بتنفيذ لبنان لبنود اتفاق وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً انتهت في 26 كانون الثاني/يناير، ومُدِّدت إلى 18 شباط/فبراير، وأولها تفكيك «حزب الله» بعتاده وأسلحته ومخازنه وبنيته العسكرية بدءاً من جنوب الليطاني. وهذه المهمة مُلقاة على عاتق الجيش اللبناني الموكل إليه تنفيذ الاتفاق بشكل صارم ودقيق وكامل، وهو الأمر الذي لم يحصل عملياً حتى اليوم. فالانطباع السائد لدى دوائر عدة، أن «الحزب» يستمر في المناورة، ومؤشِّر ذلك مواصلة إسرائيل استهدافها لمخازن سلاح وبُنى عسكرية في قرى وبلدات جنوبية يُفترض أنها أصبحت خالية ونظيفة. لكن المقلق أن الاتهامات لا تقتصر على «حزب الله» بل تطال الجيش اللبناني ومعه العهد الجديد الذي جاء بضغط «دول الخماسية من أجل لبنان» على وقع التحوّلات الكبرى في الإقليم، بحيث أن أولى أولوياته بسط سلطة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية واحتكار الدولة بأجهزتها للسلاح. وقد حدَّد «اتفاق وقف إطلاق النار» تلك الأجهزة بدقة.
المعضلة في أن مناورة «الحزب»، ولا سيما جنوب الليطاني، تضع الجيش اللبناني إما في موقع العاجز عن القيام بالتزاماته أو المتواطئ، وهذا يُفقد لبنان وقواته المسلحة المصداقية والثقة، ويُعطي إسرائيل الذرائع للاستمرار في ضرباتها التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وستفتح الباب لتمديد جديد لاتفاق وقف إطلاق النار أو العودة إلى الحرب.
يلفت المحلل العسكري والاستراتيجي رياض قهوجي إلى أن الاتفاق الذي وقَّعت عليه الحكومة اللبنانية وإسرائيل هو اتفاق وقف إطلاق نار (وقف الأعمال العدائية) وليس إنهاءً للحرب. ويعتبر أن «حزب الله» يقوم بمخاطرة كبيرة بتصرفه وكأن شيئاً لم يحصل، وهذا سيعرِّضه وأهله واللبنانيين إلى موجة جديدة من الحرب، وسيكون البقاع مسرحها هذه المرة؛ إذ تتحدث التقارير عن وجود مخازن ومنشآت تصنيع صواريخ لـ»الحزب». ويتوقف عند انكشاف «الحزب» في الجبهة الشرقية بعدما أصبحت إسرائيل في القنيطرة على بعد 25 كلم من معبر المصنع الحدودي مع سوريا. ما يراه قهوجي في مقابلة أخيرة له قبل أيام أن الوقت ليس لصالح «الحزب»، وأن على الدولة، التي وقّعت الاتفاق، أن تضغط عليه لمنع اندلاع الحرب مجدداً، كما عليها أن تكون شفّافة مع اللبنانيين لناحية ما إذا كان «حزب الله» ملتزما بالاتفاق أو لا، ولا سيما أن «الحزب» لا يزال ينشط على الأراضي اللبنانية جنوب وشمال الليطاني.
على أن الكلام في الكواليس يدور حول ما أبلغه «حزب الله» للجيش اللبناني من أنه لن يُسلِّم بنى تحتية أو مخازن أو منشآت له إذا لم تكتشفها إسرائيل بنفسها، فضلاً عن اتفاقه مع الجيش على إجراء التسليم بعيداً عن أعين الإعلام، ما يجعل الرأي العام مُغيباً كلياً عما يجري في جنوب الليطاني.
الحديث عن عدم الانسحاب الإسرائيلي الكامل في 18 شباط/فبراير يعزوه أيضاً رئيس التحالف الأمريكي الشرق أوسطي العضو في الحزب الجمهوري الأمريكي اللبناني طوم حرب إلى استمرار «الحزب» بالتحايل على الاتفاق، وإلى تعامل الجيش اللبناني غير الجدي بالتنفيذ الكامل لالتزاماته في اتفاق آلية مراقبة وقف إطلاق النار، جازماً أن الإدارة الأمريكية الجديدة تقف بقوة وراء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي جرى التعامل معه في زيارته إلى واشنطن على أنه بطل الشرق الأوسط نظراً إلى التغييرات التي أحدثها في غزة ولبنان وسوريا في ضرب النفوذ الإيراني وأذرعها. وسوف تعمل الإدارة على ترجمة ما حققه في الحرب سياسياً وتنفيذه على الأرض، مُدرجاً في هذا الإطار خطة ترامب لقطاع غزة بتحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». يقول حرب إن ترامب لا يرمي صنارة ليرى ماذا ستصطاد، بل يرمي شبكة، ومن ثم يتصرف بما تلتقطه. في نظره أن النقطة الإيجابية بكلام ترامب هي أن إسرائيل لن تبقى في غزة، لكن قلقه هو على الضفة الغربية التي قال السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل مايك هاكابي إنها أرض يهودية، ما يعكس إرادة أمريكية على ضمّها جزئياً أو كلياً إلى إسرائيل.
ما يهمّ واشنطن هو أمن إسرائيل، ويأتي تعاطيها مع لبنان على هذه القاعدة، وفق طوم حرب الذى يعتبر أنه إذا خرج «حزب الله» من جنوب الليطاني وتيقنت إسرائيل من ذلك، فستنسحب عندها، وبذلك يكون الأمريكيون قد أمَّنوا أمن إسرائيل، لأن لبنان هو من أمنها. أما شمال الليطاني فهذه مهمة الدولة اللبنانية واللبنانيين في الداخل، فإذا لم يقوموا بما يُحقّق لهم تفكيك «حزب الله» شمال الليطاني وعلى كامل الأراضي اللبنانية، فأن أمريكا لن تفعل ذلك، لكنها جاهزة لمساعدتهم إذا هم ساعدوا أنفسهم. وهنا يأتي دور اللبنانيين في الاغتراب ولا سيما في الولايات المتحدة، حيث يقوم هؤلاء بالضغط في هذا الاتجاه، ويعملون مع الكونغرس على إصدار رزمة جديدة من العقوبات ستبصر النور قريباً، وستطال الجناح السياسي لـ»حزب الله» (كتلة الوفاء للمقاومة)، كما ستطال أعضاءً من حركة «أمل»، وستهدف العقوبات أيضاً إلى حماية مصداقية الجيش اللبناني ومساعدته من خلال فرض عقوبات على أي عسكري يُسرِّب معلومات لـ»الحزب» أو يتعاون معه، وسترسم كيفية تعاطي الدولة اللبنانية مع من سيُدرجون على لوائح العقوبات التي ستكون مختلفة بمضمونها ونوعيتها.
من هنا، يمكن فَهْم كلام أورتاغوس حول رفض وجود «حزب الله» في الحكومة الجديدة، واعتبارها أنه هُزم عسكرياً. الدبلوماسية الأمريكية عُـيِّنت محل آموس هوكشتاين وستكون الرئيس المدني للجنة مراقبة آلية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وهي لجنة خماسية مؤلّفة من أمريكا وفرنسا ولبنان وإسرائيل و»اليونيفل»، يشاركها في الرئاسة، عسكرياً، الجنرال الأمريكي جاسبر جيفرز. ما تريده مورغان أورتاغوس من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ومن رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام ومن الوزراء في الحكومة الجديدة الالتزام بإنهاء الفساد وإجراء الإصلاحات والتأكد من أن يظل «حزب الله» منزوع السلاح ومهزومًا عسكريًا.
في واقع الحال، يأتي كلامها متمماً لمسار عودة الضغوط القصوى على إيران التي بدأها ترامب والتي قالت نائبة مبعوثه للشرق الأوسط إن هدفها منع طهران من تمويل وكلائها الإرهابيين في المنطقة. والتأكد من أن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتمكن من الحصول على سلاح نووي، ولن تتمكن من نشر الفوضى وإلحاق الأذى بهذا البلد وفي العديد من الدول الأخرى في المنطقة، وهو ما سُمح لها بفعله لعقود. لكن هذا الأمر ينتهي مع الرئيس الأمريكي الحالي.
تشي التطورات في المنطقة بأن لبنان لا يزال في عين العاصفة، وأن الضغوط ستشتد عليه مع إدارة ترامب الذي يستخدم قلمه في تطويع دول العالم متكئاً على قوة أمريكا العظمى، وعلى ضمان أن تكون إسرائيل القوة العظمى في الشرق الأوسط الجديد. والمقلق هو أن لبنان قد لا يلتقط الفرصة المواتية للخروج من عزلته والتحوّل إلى دولة غير فاشلة، لها موقعها ودورها في ترتيب المنطقة الآتي لعقود طويلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية