لبنان: «القرض الحسن» تعيد افتتاح فروعها وعاملون في المجال الإنساني يستأنفون نشاطهم

سعد الياس
حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي» ـ ووكالات: ميدانياً، وبين الركام والجدران المتداعية، يتفقّد عاملون في مركز يُعنى بالنساء والأطفال في ضاحية بيروت الجنوبية آثار الدمار الذي تسّببت به غارة للطيران الإسرائيليّ استهدفت مبنى مجاوراً في الأسابيع الماضية.
تُعبّر زينة مهنا من مؤسسة «عامل الدولية» عن «الصدمة» وهي تُعاين آثار الدمار، وتقول «سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يعود مركزنا للعمل». في أيلول/سبتمبر الماضي، بدأت إسرائيل بشنّ غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية وهي منطقة مكتظة بالسكّان يحظى فيها «حزب الله» بتأييد واسع.
أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، أمس الأربعاء، أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على لبنان بلغت 4047 شهيداً و16 ألفاً و638 جريحاً منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي ذلك اليوم اندلع قصف متبادل عبر الحدود بين إسرائيل و«حزب الله» ثم تطور في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى حرب واسعة توقفت في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

حصيلة الشهداء

حديث الأبيض جاء في مؤتمر صحافي عقده في مكتبه بالوزارة في العاصمة اللبنانية بيروت قدم فيه حصيلة محدثة شبه نهائية لعدد القتلى والجرحى في لبنان جراء العدوان الإسرائيلي. وقال الوزير: «قبل 15 سبتمبر الماضي ارتقى في لبنان 645 شهيداً و1983 جريحاً».
وتابع: «وبعد هذا التاريخ بلغ عدد الشهداء 3402، إضافة إلى أكثر من 14 ألفاً و655 جريحاً». وأضاف الأبيض أن «حصيلة الضحايا النهائية للعدوان الإسرائيلي على لبنان حتى الآن بلغت 4047 شهيداً، و16 ألفاً و638 جريحاً منذ أكتوبر 2023».
«ومن الأطفال، 316 شهيداً و1456 جريحاً، ومن النساء، 790 قتيلة و3357 جريحة» حسب المصدر نفسه. وأشار وزير الصحة إلى أنه كان هناك استهداف إسرائيلي واضح للقطاع الصحي. وأضاف الأبيض: «عدد الاعتداءات الإسرائيلية على المستشفيات بلغ 67 اعتداء، منها 40 استهدافاً لمستشفيات بشكل مباشر، وحالياً لا تزال 7 من هذه المستشفيات مقفلة بشكل قسري وهي مستشفيات بنت جبيل الحكومي، بهمن، صلاح غندور، ميس الجبل، البرج، مرجعيون والمرتضى وهذه الاعتداءات أسفرت عن مقتل 16 شخصاً وإصابة 73 آخرين».
وبالنسبة للجمعيات الطبية، قال الأبيض إنها «تعرضت أيضاً للعديد من الاعتداءات الإسرائيلية وأنها تحملت عبئاً كبيراً خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان» مضيفاً أنها تعرضت لـ 280 اعتداءً أسفرت عن مقتل 206 أشخاص، وإصابة 257 آخرين.
واعتبر أن «هذه الأرقام هي توثيق يوميات الحرب والاعتداءات التي استهدفت لبنان وبشكل خاص القطاع الصحي، والجزء الأكبر مما حصل يعتبر بمثابة جريمة الحرب».
وشدد على «ضرورة استخدام هذه الأرقام في إحقاق الحق وتحميل إسرائيل مسؤولية انتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي في لبنان».
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى القتلى والجرحى، عن نزوح نحو 1.4 مليون شخص، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في سبتمبر الماضي. وتحتل إسرائيل منذ عقود أراضي في لبنان وسوريا وفلسطين، وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ومع إعلان وقف لإطلاق النار في الأسبوع الماضي، يعكف العاملون في «مؤسسة عامل» التي بدأت نشاطها في زمن الحرب اللبنانية (1975-1990) على لملمة آثار هذه المواجهة الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل.
تعرّضت هذه المنطقة، إضافة لمناطق واسعة في جنوب لبنان وشرقه، لغارات مدمّرة استهدفت وفقاً للجيش الإسرائيلي منشآت ومصالح تابعة لـ«حزب الله». وسبق الكثير من هذه الغارات تحذيرات للسكان وأوامر بالإخلاء. ومن بين هذه الغارات تلك التي أدّت لتضرّر مقرّ مؤسسة عامل، حيث ما زالت الجدران المثقوبة تحتفظ برسومات للأطفال وعبارات مكتوبة على غرار «أحلم كثيراً» وسط الركام وقطع الزجاج.

4047 شهيداً حصيلة ضحايا عدوان إسرائيل منذ أكتوبر 2023

وفيما تلملم الضاحية الجنوبية لبيروت وقرى البقاع والجنوب جراحها وتعمل على ترميم ما أمكن من المباني المتضررة، فقد اكتسب الإعلان عن إعادة مؤسسة «القرض الحسن» التابعة لـ«حزب الله» افتتاح فروعها في المناطق اهتمام المودعين وارتياحهم.

«القرض الحسن»

تقول زينة مهنّا إن 13 مقرّاً لمؤسسة «عامل» من أصل 40 تضرّرت في هذه الحرب. وهي مراكز تقدّم خدمات صحيّة واجتماعيّة على مستوى لبنان كلّه. وتضيف أن مركزاً في حيّ السلّم ومستوصفاً مجاوراً ومركزاً لإيواء العمّال الأجانب في الشيّاح، وكلها مراكز في ضاحية بيروت الجنوبية، تضررت جراء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت فروع مؤسسة «القرض الحسن».
وتشكّل مؤسسة «القرض الحسن» المرتبطة بـ«حزب الله» والخاضعة لعقوبات أمريكيّة، متنفّساً للكثير من اللبنانيين سواء من الطائفة الإسلاميّة الشيعيّة التي ينتمي لها «حزب الله» أم من طوائف أخرى، في هذا البلد الواقع تحت أزمة اقتصادية مستمرة منذ سنوات.
إلا أن الدائرة الإعلامية في حزب «القوات اللبنانية» توقفت عند هذه الخطوة، وعلّقت عليها في بيان قائلة: «تداول الإعلام وما زال، خبراً مفاده أن جمعية «مؤسسة القرض الحسن» التابعة لـ «حزب الله» ستعيد افتتاح فروعها في المناطق. لذلك، يهمّ الدائرة أن توضح، أنه نتيجة قرار مجلس الوزراء الأخير تاريخ 27/11/2024 الذي صادق فيه على التفاهم تطبيقًا للقرار الرقم 1701، بات على «حزب الله» العودة إلى الدولة، وشرعنة مؤسساته كافة، ومنها جمعية مؤسسة القرض الحسن، قبل افتتاح أو إعادة فتح أي فرع لها».
وأضافت: «من هنا، ندعو «حزب الله» إلى قوننة مؤسساته كلها، وفي طليعتها الجمعية المذكورة عن طريق إدخالها في النظام المالي اللبناني، والاستحصال لها على ترخيص قانوني من مصرف لبنان بمقتضى المواد 178 حتى 184 من قانون النقد والتسليف اللبناني، وعملاً بنص القرار الرقم 5994 تاريخ الأول من شهر أيلول/سبتمبر 1995 المعدل الصادر عن حاكم مصرف لبنان، المنشور في الجريدة الرسمية الرقم 40 تاريخ 5\10\1995».

«مرحلة جديدة»

وختمت الدائرة الإعلامية: «دخل لبنان في مرحلة وطنية جديدة، ولم يعد من المقبول في هذه المرحلة الاستمرار في ممارسات وسياسات بعيدة من الدولة والدستور والقوانين المرعيّة الإجراء وتنتمي إلى حقبة الفوضى والتسيُّب، إنما حان الوقت لعودة الدولة الفعلية على المستويات السيادية والمالية والإدارية وغيرها، والدولة هي كل لا يتجزأ، والخروج عنها مرفوض رفضاً باتاً».
وقد رد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسين الحاج حسن مشيراً إلى «أن جميع مؤسسات «حزب الله» مرخصة وهي ضمن القانون ولاسيما القرض الحسن» وقال «نحن نحرص دائماً على تطبيق القوانين».
ويقول جيش الاحتلال الإسرائيلي إن مؤسسة القرض الحسن «تشارك في تمويل نشاطات حزب الله، وفي العشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي أصدر تحذيراً للسكان المقيمين قرب فروع المؤسسة بالابتعاد عنها. وقال المتحدث باسم الجيش باللغة العربية أفيخاي أدرعي على تويتر «قرر جيش الدفاع مهاجمة هذه البنى التحتية الإرهابية». وفي وقت لاحق، قال الجيش الإسرائيلي إنّه ضرب 30 هدفاً مرتبطاً بالمؤسسة، وواصل غاراته في الشهر التالي.
وتقول سُكنة الحولي، مديرة مركز مؤسسة عامل في حيّ السلم «يقصد المركز هنا ما يقارب مئة طفل و40 امرأة يومياً، حين سمعت بوقوع غارة، لم أنم الليل» ثم تغالب دموعاً اجتاحت عينيها. وتضيف هذه السيّدة التي هجّرتها الحرب هي أيضاً من بيتها في المنطقة «الناس في المنطقة هنا محتاجون كثيراً لهذا المركز».
في تشرين الأول/أكتوبر، ندّدت الأمم المتحدة بتلك الغارات التي استهدفت «القرض الحسن» معتبرة أنّها تسبّبت في «أضرار واسعة» للممتلكات والبنى التحتيّة المدنيّة، فيما وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها «جريمة حرب» تستوجب التحقيق. وأوضحت مهنا أن مركز حي السلم كان يوفر مساحات آمنة للنساء ضحايا العنف، ويُقدّم برامج للأطفال من بينها برنامج بالتعاون مع اليونيسف.

«سنعود أقوى»

وقال مصدر في «اليونيسف» لوكالة «فرانس برس» إن «إعادة تأهيل المساحات الآمنة للأطفال في مجتمعاتهم أمر بالغ الأهمية». وقالت زينة مهنا إن مؤسستها تواصلت مع الأمم المتحدة رسمياً بهدف حماية مراكزها من القصف.
على بعد بضعة كيلومترات، في حيّ الشياح الواقع أيضاً في الضاحية الجنوبية، كان جمع من الناس يتفقّدون مركز مؤسسة عامل للعمال الأجانب، بعدما تعرّض لأضرار كبيرة جرّاء غارة إسرائيلية دمّرت فرعاً لمؤسسة القرض الحسن في مبنى مجاور.
بين الجدران المتهاوية والزجاج المهشم على الأرض في كلّ مكان، استقرّت أريكة قديمة قذفتها قوة الانفجار من بيت مجاور إلى الشرفة. وهناك، وقفت نور خزعل إحدى العاملات في المؤسسة، وهي تشير إلى صور توثّق أياماً أقل حسرة، وتقول «نشعر بالأسى، هذا منزلنا، نمضي كلّ وقتنا هنا». وعلى الرغم من كلّ الخسائر والأهوال، نُعرب نور خزعل عن أملها في أن تعود المؤسسة لسابق عهدها في العمل الاجتماعي والصحي.
وتقول هذه الشابة التي اضطرت هي الأخرى للنزوح خلال الحرب من الشياح مع زوجها وابنها ذي السنة الواحدة «لن يعود هذا المركز كما كان وحسب، بل سيكون أفضل بعشر مرّات… بل بمئة مرّة».
واستشهد شخص الثلاثاء جراء ضربة نفّذتها مسيّرة إسرائيلية على جنوب لبنان، وفق ما أوردت وزارة الصحة، وذلك رغم سريان هدنة هشّة بين حزب الله وإسرائيل منذ أسبوع.
وتبادل الطرفان الاثنين القصف والاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، الساري منذ فجر الأربعاء. واستشهد 11 لبنانياً الاثنين جراء الغارات الإسرائيلية، في تصعيد سارعت واشنطن إلى التقليل من خطورة التصعيد.
وأفادت وزارة الصحة الثلاثاء عن مقتل شخص بضربة نفذتها مسيّرة إسرائيلية على بلدة شبعا الحدودية، قالت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية إنه راع من البلدة.

خروقات قاتلة

وأكد الجيش الإسرائيلي رداً على استفسار لوكالة فرانس برس أنه شنّ «ضربة الثلاثاء ضد إرهابي كان يشكل تهديدا على الجنود الإسرائيليين» في جنوب لبنان.
ويسري منذ فجر الأربعاء الماضي وقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل وضع حداً لنزاع بدأ قبل أكثر من عام بين الطرفين، غداة اندلاع حرب في قطاع غزة عقب هجوم غير مسبوق شنّته حركة حماس على الدولة العبرية.
ومنذ سريان الهدنة، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان بشكل يومي عن «انتهاكات متواصلة لوقف إطلاق النار» من جانب القوات الإسرائيلية، مع تعرض بلدات، خصوصا الحدودية منها، لقصف مدفعي ورشقات رشاشة.
وأعلن حزب الله الاثنين أنه نفّذ «ردّاً دفاعياً أولياً تحذيرياً» مستهدفاً موقعاً عسكرياً إسرائيلياً في منطقة حدودية تحتلها إسرائيل، «على إثر الخروقات المتكرّرة» للهدنة.
واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحزب «بانتهاك خطير» للهدنة، وفي وقت لاحق، قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم «مخربين وعشرات المنصات الصاروخية والبنى التحتية التابعة لحزب الله في أنحاء لبنان». وهدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس الثلاثاء بالتوغل «أعمق» داخل لبنان وعدم التمييز بينه وبين حزب الله، إذا انهار وقف اطلاق النار.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية