لبنان بعد الحرب: التحديات السياسية والعسكرية

حجم الخط
5

يأتي تحرك الجيش اللبناني جنوباً بالأمس، وإزالته الساتر الترابي الذي رفعه جيش الاحتلال الإسرائيلي وفتح الطريق في اتجاه بلدة عيترون، ليعيد تسليط الضوء على أهمية وخطورة الأسبوعين الأخيرين من هدنة الستين يوماً بين إسرائيل وبين لبنان وحزب الله والتي تنتهي أواخر هذا الشهر. لعله التحدي الأول الذي يتصدى له الرئيس المنتخب جوزف عون: التمكن من سحب القوات الإسرائيلية من المناطق الجنوبية الحدودية وإفساح المجال للانطلاق في عملية إعادة إعمار القرى المنكوبة.
لقد شكل انتخاب الرئيس الجديد، وخطاب القسم الذي ألقاه على مسمع الأطراف كافة من تحت قبة البرلمان، منعطفا قوياً في لحظة فارقة تعقب الحرب الكارثية على لبنان، وانهيار النظام الأسدي في سوريا. وينتظر لكلام الرئيس الجديدة حول احتكار الدولة للسلاح وحول أهمية التكاتف بين اللبنانيين بحيث يحولون دون شعور أي فريق منهم بالانكسار أن تتبلور ترجمته على أرض الجنوب أولا: انتشاراً للقوات المسلحة اللبنانية، وعودة للأهالي، وتوحيداً لقرار الحرب والسلم. في الوقت نفسه، لا بد من وضع الأمور في نصابها: فاتورة الحرب الأخيرة كانت باهظة، ليس فقط على صعيد قيمة الخسائر الإجمالية، إنما أيضا من زاوية أن لبنان صار عمليا تحت وصاية متعددة الجنسيات، ترسم أفق المرحلة الانتقالية الحالية التي يجتازها.
يبقى أن النقاش الداخلي اللبناني حول تداعيات الحرب الأخيرة وشروط السير بإعادة الإعمار لم ينطلق بعد وإن كان خطاب قسم الرئيس الجديد يقدم مساهمة توجيهية متماسكة للتحفيز على هذا النقاش. بالتوازي، لا تزال غير واضحة الآلية التي سيصار في ضوئها لإعلان اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار تفكيك ترسانة حزب الله جنوب الليطاني، ويجدر عدم إغفال التحدي المتمثل بضبط المعابر الحدودية، الجوية والبحرية والبرية، والذي صاحبته توترات قبل جلسة الانتخاب.
في النهاية، جوزف عون انتخب على رأس دولة يتمتع فيها الرئيس بصلاحيات مهمة إنما تبقي السلطة التنفيذية في كنف مجلس الوزراء، وبالتالي يتوقف الأمر على إمكانية الإقلاع بحكومة جديدة، وإذ تذهب مؤشرات عديدة إلى إمكانية إعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة العتيدة فإن الأسئلة المتعلقة بمضامين البيان الوزاري لهذه الحكومة وما إذا كان سيستعيد روحية خطاب القسم بالكامل أم لا، وهوية القوى التي ستتشكل منها الحكومة، كلها مسائل في غاية الأهمية لا يمكن قبل اتضاح مآلاتها التسرع بالحكم على عمق التحول اللبناني. ويبقى الموضوع الموازي: كيفية إعادة صياغة العلاقات بين لبنان وقد أخذ يستعيد عافيته، وبين سوريا الحرة؟ البلدان يحتاجان أكثر من أي وقت مضى إلى التعاون لتجاوز مصاعب المرحلة الانتقالية والسيطرة على تناقضاتها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح// الاردن:

    *من حق الدولة في ( لبنان وسوريا ) جمع
    السلاح المنفلت وجعله في يد الدولة حصرا.
    كل التوفيق ل لبنان وسوريا بغد مشرق
    مزدهر ان شاءالله.
    حسبنا الله ونعم الوكيل والله المستعان.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    بدأ اللبنانيون يتنفسوا “الحرية” !
    عقبال شعوب عربية أخرى !!
    و لا حول و لا قوة الا بالله

  3. يقول مجتهد:

    لولا دمشق لما كانت طليطلة …….ولما زهت ببنو العباس بغدان (بغداد).
    ولولا تعافي دمشق لما تعافت بيروت ولما تم انتخاب رئيس للبنان. يبقى أن تكون الدولتين يد بيد فالدم لا يصير ماءً.

  4. يقول عماد غانم:

    عندما تقترب ذبابة من عينك، في أقل من ثانية: تشاهد observe وتحلل oriente وتقرر decide وتكشها/ تفعل act وتكرر ذلك حتى تقتلها أو تجبرها على الابتعاد/ تهزمها، هذا يسمى DOOA loop وأول من أستخدمه في الحرب، مصر باجتياح “خط بارليف” ، المصمم ل48 ساعة انذار مبكر فاقتحمته مصر في 11 ساعة، وقدرت التضحيات ب10 آلاف جندي فاقتحمته مصر ب112 شهيد، ثم أصبحت تطبيقاته في كل حقل، من التحكم بانتشار الخلايا السرطانية والقضاء على الأوبئة إلى كل شيء ذكاء صناعي AI
    لبنان واليمن (انتصرا) فأقل من 20% من الاسرائيليين عادوا لبيوتهم في الشمال وما زال اليمن يعيدهم للملاجيء، ولبنان لم ينفجر وبقي متكافلا وانتخاب الرئيس مؤشر “المشروع الفرنسي والذي تبنته أمريكا يشمل عودة المتنازع عليه كمزارع شبعا للبنان في النهاية”
    لا يمكن قول ذلك عن سوريا وإيران وغزة، فمنذ البداية أغلق”ماهر الأسد” الحدود في وجه عناصر وأنصار حزب الله، وانفجر الوضع بين الجنرالات والسلطة في إيران حول سوريا، وتشهد الضفة “جنين” توتر وشعبية حماس في غزة بالحضيض

  5. يقول الدكتور جمال البدري:

    شكرًا لكاتب الرأي…في تقديري أنّ التحديّ الأكبر للرئيس اللبنانيّ ليس في السيّاسة ولا في العسكر إنما ( وهي أداة حصر ) في الشؤون الماليّة…فهي المعضلة الثقيلة التي ينوء بها لبنان؛ والتي كبحت سلبًا الحياة العامّة والخاصّة فيه.ولهذا تمّ توقيت زيارته الأولى إلى المملكة العربيّة السعوديّة.

اشترك في قائمتنا البريدية