لبنان في مرحلة انتقالية مديدة: نحو تسوية يرتضيها اللاعبون الخمسة الكبار

حجم الخط
1

ما زال لبنان يعاني أزمته المزمنة والمستعصية. أزمةُ لبنان لا تخصّ اللبنانيين وحدهم، لا في أسبابها ولا في نتائجها ولا في محاولات تجاوزها، ذلك أن الصراع في وطن الأرز يتناول الأرض والموارد والمصالح ويتداخل مع مصالح وموارد ونفوذ دول أخرى في الإقليم والعالم.
في الصراع على الأرض والموارد والمصالح، ثمة لاعبون خمسة كبار: الولايات المتحدة ومن ورائها «إسرائيل»؛ فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي والفاتيكان؛ السعودية وحرصها على احتواء النواب السنّة في البرلمان اللبناني؛ إيران وهمّها عدم النيل من حليفها المقرّب حزب الله؛ منظومة السياسيين المستفيدين من نظام المحاصصة الطوائفي الممسوك بأيدي أمراء الطوائف، مسلمين ومسيحيين. على الأرض ثمة صراع أخر محتدم بين حزب الله ومؤيديه من كل المشارب والمناطق من جهة، وأمريكا و»إسرائيل» وأصحاب المصالح المحليين والأجانب والمتعاملين والعملاء من جهةٍ اخرى.

أزمةُ لبنان لا تخصّ اللبنانيين وحدهم، لا في أسبابها ولا في نتائجها ، فالصراع يتناول الأرض والمصالح ويتداخل مع مصالح ونفوذ دول أخرى في الإقليم والعالم

الصراع الأول له ثلاثة عناوين بارزة: انتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ إصلاحات جوهرية اقتصادية واجتماعية وإدارية مطلوبة من الرئيس القادم ومن القوى السياسية التي تؤيد انتخابه؛ والأسس المتوخاة للنظام السياسي الجديد الذي يمكن أن يخلف النظام الحالي المتهالك. في هذا السياق، يحمّل حزبا الكتائب والقوات اللبنانية حزبَ الله، دونما أدلة ثبوتية، مسؤولية تردي الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ويعلنان عزمهما على منعه من انتخاب رئيسٍ للجمهورية يكون صديقا له، ويكافحان لمنعه أيضا من المشاركة في السلطة. في المقابل، يؤكد حزب الله أنه عُرضة في الوقت الحاضر إلى حملةٍ شرسة مكشوفة من الولايات المتحدة، كما من حلفائها المحليين، هدفها ليس إبعاده عن السلطة فحسب، بل منعه أيضا من ممارسة فعله المقاوم ضد «إسرائيل» على كامل الأراضي اللبنانية، لاسيما في جنوب لبنان المحاذي لأراضي شمال فلسطين المحتلّة. موفدُ الرئيس الفرنسي جان ايف لودريان، أمضى في لبنان أربعة أيام، جال خلالها على معظم القيادات السياسية والدينية، وختم جولته بالتأكيد على ضرورة توصّل اللبنانيين أنفسهم إلى أفكارٍ ومخارج جديدة لحل الأزمة المستفحلة، وملاحظا أن المشكلة ليست في أشخاص المرشحين لرئاسة الجمهورية، وإنما في آليّة انتخابهم، وأن هناك من يريد الحوار على أن يليه عقد جلسةٍ بدورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية، وهناك من يريد انتخاب رئيس الجمهورية قبل أيّ إجراءٍ آخر، وهنالك من يرفض كل شيء. وعليه، دعا لودريان إلى الاتفاق على الآلية أولا، ولا بأس من إبدال مصطلح الحوار الذي يتحفّظ بشأنه البعض بمصطلح التشاور، بغية التوصّل إلى توافق. وإزاء إخفاق لودريان في إقناع الأطراف المتصارعين باعتماد صيغةٍ توافقية للخروج من المأزق، يبقى السؤال الخالد مطروحا: ما العمل؟
في الصراع الثاني المحتدم بين حزب الله ومؤيديه بشتّى مشاربهم ومناطقهم، تبيّن أن ثمة حوارا مستترا بين لبنان و»إسرائيل» يجري برعاية قوات الطوارئ الدولية ـ «يونيفل» في الناقورة على الحدود بين الدولتين بشان النقاط الـ13 موضوع النزاع على طول الخط الأزرق، كان لبنان قد تحفّظ بشأنها عندما جرى ترسيم الخط المذكور بعد حرب عام 2006، التي انتهت إلى انهزامٍ مهين لجيش العدو. الواقع أن الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين كان طرح موضوع «ترسيم» الحدود البرية بين الطرفين خلال زيارته الأخيرة للبنان، وقدّم مبررا لذلك مفاده ضرورة تكريس استقرار أمني في المنطقة، لضمان قبول شركات الحفر والتنقيب بالعمل في الرقع العشر blocks التي تحتوي مكامن الغاز والنفط على طول الساحل، ما يمكّن لبنان من الحصول على عائدات وفيرة منها، واستخدامها تاليا في متطلبات وإجراءات خروجه من أزمته الاقتصادية والاجتماعية. الحقيقة أن أمريكا لا يهمها تعافي لبنان من أزمته المستفحلة بقدر اهتمامها إرساء قواعد استقرار أمني على الحدود مع فلسطين المحتلة يساعد، في ظنّها، على عدم قيام حزب الله بتهديد منشآت «إسرائيل» النفطية والغازية البحرية، كما فعل قبل سنة تقريبا وأدى إلى تراجعها عن مطامعها الرامية إلى قضم قسمٍ من الرقعة رقم 9، التي تحتوي بئر قانا، وأتاح لشركتي توتال الفرنسية وأيني الإيطالية وشركة قطرية مجتمعة، مباشرة الحفر لاستخراج الغاز والنفط لصالح لبنان. أكثر من ذلك: تحرص أمريكا كما دول الاتحاد الأوروبي، بالدرجة الأولى، على تسريع أعمال التنقيب عن الغاز على طول الساحل اللبناني، أملا في الحصول على كمياتٍ وافرة منه في المستقبل لتعويض انقطاع الغاز الروسي عنها عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا.
في ضوء هذه الواقعات والتطورات، يتردد في أوساط مسؤولين ومستشارين لدى اللاعبين الخمسة الكبار، أن الولايات المتحدة وفرنسا ناشطتان لصياغة تسويةٍ يرتضيها جميع الأطراف المعنيين قوامها الأسس الاتية:
أولا: الضغط على القيادات السياسية والدينية في لبنان لحملها على التوافق على رئيس جامع، مستقل عن التكتلات السياسية الكبرى، ليكون جديرا بانتخابه رئيسا للجمهورية بالسرعة الممكنة.
ثانيا: إحراز توافقٍ بين القيادات السياسية على إصلاحات أساسية أهمها، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتأمين إعادة الودائع في البنوك إلى أصحابها، واستعادة الأموال العامة المنهوبة، وتكريس استقلالية السلطة القضائية، على أن يلتزم الشخص المتفق على انتخابه رئيسا والقوى السياسية المؤيدة له بتنفيذ هذه الإصلاحات.
ثالثا: تثبيت الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، لضمان الاستقرار الأمني بينهما بغية تسهيل أعمال الحفر والتنقيب عن الغاز والنفط في مكامنهما على طول الساحل اللبناني.
في هذا السياق، سيعود الموفد الفرنسي لودريان إلى لبنان ليتابع مساعيه الحثيثة للتوفيق بين الأطراف السياسية المتصارعة، كما سيكثّف رئيس مجلس النواب نبيه بري مساعيه لعقد حوارٍ، أو مشاورات، تحت قبة البرلمان تمهيدا لدعوة أعضائه إلى جلسةٍ بدورات متتالية لغاية انتخاب رئيس الجمهورية. هل ينجح أهل الوفاق والوسطاء، لبنانيين وأجانب، في مساعيهم التوفيقية؟
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
كاتب لبناني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سنتيك اليونان:

    اه اه …. دونما ادلة ثبوتية!!! الا يكفي وجود قوة مسلحه لا تاتمر بوزارة الدفاع وخارجة عن القانون والدستور الا يكفي هكذا وجود لجعل لبنان دولة هجينه لا مثيل لها على وجه الارض

اشترك في قائمتنا البريدية