يشهد لبنان منذ السابع عشر من تشرين الأول /أكتوبر ثورة شعبية سلمية انخرطت في قوامها معظم أطياف الشعب اللبناني بمختلف أعمارهم ومشاربهم الثقافية والفكرية.
سببها المباشر فرض ضرائب جديدة على قطاع الاتصالات
أما السبب غير المباشر فهو تراكم عقود من الفساد وتواتر حكومات تقوم على التوزيع الطائفي أوصلت لبنان إلى الحافة.
حراك غير مسبوق
نتج عن هذا الحراك غير المسبوق الذي وحد اللبنانيين لأول مرة على علم واحد وعلى نبذ جبران باسيل، أن قرر رئيس الحكومة سعد الحريري الاستقالة، وسبق وأن استقال وزراء « سمير جعجع»، هنا علينا أن نتوقف بعناية أمام خطوة الرئيس سعد الحريري، ونطرح السؤال التالي هل سقطت أو أسقطت الحكومة؟
في ظاهر الأمر نعم حدث ذلك، ولكن علينا أن نقرأ المشهد بتمعن حينها سنكتشف أن الحكومة لم تسقط بل استقال رئيسها لأسباب عديدة، الظاهر منها للعيان أنه نزولا عند مطلب الثوار اللبنانيين، لكن أي مراقب متمحص للمشهد سيكتشف أن سعد الحريري استقال لأنه لم يتم التعامل بإيجابية مع ورقة الإصلاح التي تقدم بها بعد مهلة 72 ساعة التي منحها لزعماء الطوائف بهدف إرضاء الجماهير الثائرة.
لنتذكر هنا لاءات زعيم ميليشيا حزب الله «حسن نصر الله» الذي قال بكل وضوح أن العهد لا يمكن إسقاطه، وهو ضد استقالة الحكومة. وهذا كان موقف الرئيس ميشال عون وتياره بزعامة صهره الوزير المثير للجدل والخلاف في أي مكان حل فيه «جبران باسيل».
أعتقد أن دوافع استقالة الحريري كانت لها أسباب أخرى، للعلم هو قبل بالتسوية مع ميشال عون وحليفه حزب الله بهدف وصول عون لرئاسة الجمهورية وتحقيق حلم عمره الممتد عقودا ووصول سعد الحريري لرئاسة الحكومة، متخليا عن دعم سمير جعجع للرئاسة، والكاسب الحقيقي في هذه المحاصصة حزب الله الذي عطل انتخاب رئيس الجمهورية إلا بشروطه، معلناً أن الطريق إلى قصر بعبدا يمر عبر بوابة الحزب والقبول بـدعم مواقف الحزب وسياساته في سوريا وتغطيته سياسيا في « الداخل والخارج» تأمين الغطاء القانوني والشرعي له أمام المجتمع الدولي بصفته حزباً سياسيا ومقاومة وطنية للاحتلال، داخلياً، إنهاء أي حديث عن سلاح الحزب وهيمنته على السلطة، السكوت بل الدعم لحرب حزب الله في سوريا واليمن والعراق ومواقفه الداعمة لإيران، والتطاول على حكومات بعض الدول العربية.
محامي الشيطان
أجاد الوزير باسيل، لعب الدور «محامي الشيطان» وتبنى سياسات الحزب ونافح عنه في المحافل الدولية والعربية، وقد أثار باسيل، صهر الرئيس اللبناني، الجدل على مدار الأشهر الماضية بعد نشره سلسلة تغريدات مستفزة للجميع وصفت بقمة العنصرية، خاصة في موضوع العمال الأجانب، الذي أغضب السعوديين، وموقفه من اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
وكاد باسيل يتسبب في حصول فتنة في جبل لبنان، بعد إصراره على زيارة منطقة كفرمتى غرب لبنان متحديا بذلك معارضة أهالي المحافظة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى استفزاز السفارة التركية في بيروت، عقب تصريح للرئيس اللبناني ميشال عون زعم فيه أن «الدولة العثمانية مارست إرهاب دولة تجاه اللبنانيين».
تصرفات جبران باسيل، كانت تهدف لتقوية نفوذه وسلطته الحزبية والطائفية وتقوية حظوظه في انتظار إعلان وفاة ميشال عون لخلافته وقد أدرك أن في الانبطاح التام لحزب الله هو الطريق الأسهل للوصول إلى قصر بعبدا. في هذه الأثناء حاول تهميش دور الرئيس سعد الحريري، وإقصاء خصمه اللدود الرئيس المحتمل سمير جعجع، ومحاصرة نفوذ الزعيم الدرزي جنبلاط، والانفراد بالحكومة بغطاء من حزب الله وحركة أمل الشيعيتين وكتلته البرلمانية.
في هذه الأثناء كان سعد الحريري الذي قبل بالتسوية مع التيار الحر نتيجة تخلي حلفائه العرب عنه وموقفه المالي الصعب قد وجد نفسه خارج الحسابات السياسية، وكان يراقب المشهد بقلق ولم يخف امتعاضه من تصرفات صهر عون خاصة مع رضـوخه لقـبول سـفير نـظام بشـار الأسـد في لبـنان.
وقبل أيام من انطلاق الثورة اللبنانية وصل استهتار جبران بالحريري سعد حدا لا يطاق بعد أن قرر بالتوافق مع حزب الله الذهاب إلى دمشق لمقابلة بشار الأسد الأمر الذي أوقفته الثورة اللبنانية.
هل تحطمت طموحات جبران باسيل على صخرة الثورة اللبنانية التي وحد جبران هتافاتها بهتاف واحد « لم يبق عليه ولم يزر» أم أن الرئيس عون مستمر بدعمه مهما حصل.
الرئيس عون وجد نفسه في منعطف حاد يكاد يودي به وهو الذي قدم نفسه على أنه الرئيس القوي «العهد القوي» هل يستمر باستفزاز الثوار بفرض صهره على الحكومة ولبنان ويضحي بما تبقى له من عهدته وقد انفصل عن كتلته النيابة صهره العميد ميشال روكز.
سمير جعجع المتهم من قبل باسيل بالتآمر على أبناء بلده، الذي لم يخف انزعاجه من توافق الحريري مع عون ومنع وصوله لقصر بعبدا، استغل فرصة الاحتجاجات ولم يتردد بالطلب من وزرائه الاستقالة، فهل يصب خلاف باسيل الحريري في صالحه ويضطر الحريري للعودة خطوة للوراء إلى صف جعجع؟
حزب الله هو أكبر الخاسرين في استقالة الحكومة التي كسرت أول خطوطه الحمراء، وهاجسه هو تشكيل حكومة بالمواصفات السابقة نفسها التي تأمن له الغطاء الدولي ولا تفتح موضوع سلاح الحزب، هل يضطر للرضوخ والقبول بتسوية بشروط الحد الأدنى.
يبدو أن المشهد معقد: لكن في العموم أعتقد أن الطرف الأقوى في ظل الوضع الراهن هو دولة الرئيس سعد الحريري الذي كسب احترام الشارع بالنزول عند رغبته وتقديم استقالته، وهو الذي يحظى بقبول دولي واسع يمكنه من جلب الدعم المالي للدولة، وحاجة جميع الأطراف لمباركته من جعجع إلى حزب الله خاصة مع مأزق لإيران في العراق فهل ستدفعه طهران للإنحناء للعاصفة والقبول بتكليف الحريري والتخلي عن باسيل الحلقة الأضعف المثير للفتن داخليا والمكروه محليا «السعودية» وإقليميا « تركيا».
كاتب سوري
لبنان مفلس إقتصادياً بسبب هروب الإستثمار العربي عنه بسبب حزب حسن! وهذا الحزب مفلس بسبب حصار الغرب لإيران!! ولا حول ولا قوة الا بالله