الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
قتل في الحرب العالمية الثانية أكثر من 60 مليون إنسان. أجزاء واسعة من أوروبا أصبحت خرائب، وحجوم الدمار في ألمانيا واليابان كانت هائلة. ملايين الألمان واليابان بقوا بلا مأوى وبلا غذاء، والبنى التحتية المدنية في هاتين الدولتين انهارت تماماً تقريباً. لكن في الوقت الذي وضع فيه الأمريكيون الخطط لإعمار ألمانيا (في إطار “مشروع مارشال”) واليابان – لم يفكر أحد في واشنطن بنقل السكان في هاتين الدولتين إلى مكان آخر. الحقيقة أن العملية استغرقت سنوات، لكنها تمت بمشاركة المجتمعات المدنية ومواصلتها حياتها اليومية إلى جانب الدمار والخراب.
ظاهراً، إعلان ترامب بأن الولايات المتحدة “ستسيطر على غزة وتقوم فيها بالعمل”، دراماتيكي وثوري. يسعى ترامب يسعى لتحويل عش الإرهاب في القطاع إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وإذا ما حاكمنا الأمور وفقاً للوضع في غزة – فإن منطلق ترامب صحيح: حسب معطيات الأمم المتحدة، فإن نحو 92 في المئة من البيوت فيها ونحو 60 في المئة من المباني بما فيها المدارس والمستشفيات، تضررت أو دمرت في “السيوف الحديدية”. لا يبدو ممكناً في السنوات القريبة القادمة إدارة حياة طبيعية في غزة، وبالتالي، في سابقة تاريخية، ثمة حاجة لإخلاء سكانها منها. إلى أين؟ هذا يبقى سؤالاً مفتوحاً.
من تثور حفيظتهم للفكرة، هي الدول العربية، وأساساً تلك التي يحددها الرئيس الأمريكي كمقصد لاستيعاب اللاجئين – مصر والأردن. لا حاجة للتوسع في السبب: مسائل أمنية واجتماعية على المحك، ولكن أساساً اقتصادية. لا الملك عبد الله ولا الرئيس عبد الفتاح السيسي بقادرين على استيعاب مئات آلاف اللاجئين، وتوفير السكن والغذاء والرزق.
يخافون من مظاهرات عنيفة
ينبغي أن يضاف إلى هذا، بالطبع، عطف وتضامن الشارع العربي مع الفلسطينيين، والرغبة في رؤية قيام دولة فلسطينية، والكراهية الهائلة لإسرائيل وللولايات المتحدة. وعليه، فإن كل زعيم عربي يوافق على التعاون مع خطة الاقتراح التي يطرحها ترامب سيلتقي معارضة عظيمة من الداخل، في شكل احتجاجات ومظاهرات عنيفة، لأنه لا يمكن لأي عربي أن يوافق أحد على كنس ما تبقى القضية الفلسطينية من تحت البساط.
أمر إضافي، يقلق العرب حتى أكثر من هذا، هو الاستعداد الأمريكي للحكم في غزة وإرسال الجنود إليها. بعد سنوات من التجربة المريرة، لا يوجد في العالم العربي جنون اضطهاد أكبر من “الاستعمار الغربي”. وأمس، أعطى ترامب الإشارة لتجسد الكابوس الذي يلاحقهم منذ بداية القرن الماضي. وعليه، فإن الأصوات التي تسمع من الرياض والقاهرة وعمان هي المعارضة المطلقة والقاطعة للفكرة، في ظل إعطاء إسناد مطلق لحماس في غزة أو للسلطة الفلسطينية في الضفة. الذين بالغوا في العمل هم الأردنيون، حين تقدم بعض من أعضاء البرلمان بمشروع قانون “يمنع طرد الفلسطينيين إلى الأردن”.
وأخيراً، إلى أين يأخذ اقتراح ترامب حماس؟ بافتراض أن الحديث يدور عن خطة جدية وواقعية لإعمار القطاع، فما هي مصلحة منظمة الإرهاب لمواصلة باقي مراحل الصفقة مع إسرائيل؟ إذا كان الغد يطوي لحماس على نزوح وإبعاد، فلماذا سترغب في تحرير الـ 79 مخطوفاً الذين في أيديها وتكمل الاتفاق مع إسرائيل؟
لقد جلب ترامب روحاً جديدة وإبداعية لولايته الثانية في البيت الأبيض، لكن في ظل الظروف الحالية في الشرق الأوسط، لا يبدو أن سياسة “الأعمال التجارية” خاصته ستصبح واقعاً.
د. يهودا بلنجا
إسرائيل اليوم 6/2/2025