لعبة الحظ والأبراج أسرع وسيلة للشهرة على السوشيال ميديا

 كمال القاضي
حجم الخط
0

لا يُمكن نفي فكرة التأثر بالحظ وقراءة الطالع في الكف والفنجان والكوتشينة، وغيرها من وسائل التسلية أو التعزية أو الترفيه لدى بعض الناس، فمن لم يؤمن بهذه الألعاب البهلوانية ولا يُصدق كلام المُنجمين، ينجذب إليها لشدة غرابتها، فهي مُسلية وقاتلة للفراغ والملل وقادرة على تخليص الإنسان من الكآبة والرتابة، شأنها شأن أي نوع آخر من أنواع التسلية والتلهي كالدومينو والطاولة والشطرنج وغيرها.
ثمة أشياء معينة تجعل تلك الهوايات والوسائل، موضع شك وقلق وحيرة واضطراب في بعض الأحيان، فارتباط هذه الألعاب أو المهارات بالغيبيات واعتقاد فئة من البسطاء والأميين في إمكانية استقراء ما سوف يحدث من تغيرات في المستقبل ومُعجزات كونية، هو في ذاته الجانب الأخطر في التعامل مع هذه الممارسات الغريبة والمُدهشة.
كثيرون استغلوا شغف العوام بالتكهنات والتنبؤات وباتوا يُمارسون حرفة التوقع والحدس لإيهام البعض بأن أشياءً في حياتهم ستتغير للأفضل أو للأسوأ وعليهم الإحاطة والحذر أو الاستبشار والتفاؤل، ومع زيادة أعداد المتجاوبين من الناس تحولت قراءة الطالع عبر الوسائل المُشار إليها كالكوتشينة والفنجان وغيرها مهنة لها أساتذة ومُعلمون ومُريدون وضحايا أيضاً.
وبفعل التطور السريع في وسائل الاتصال والتخاطب والتعارف عن بُعد، نشطت عملية التفاعل إلى الحدود القصوى، وبلغ تأثيرها ذروة التصديق والاعتقاد في صحة ما يتردد عن وجود كوارث طبيعية وحالات اغتيال لشخصيات مهمة وصفقات دولية يتم إبرامها وهبوط أسهم البورصة في بلد ما وحلول الفقر والفلس وحدوث مجاعة، أو حديث آخر عن طفرات علمية واكتشاف حقول غاز وبترول ومناجم ذهب وفوز شخصيات مرموقة بمناصب قيادية مهمة وتصالح بين دول متصارعة واتفاقيات سياسية إلى آخر ما يُثير الخيال ويلفت النظر ويأخذ بالألباب.
هذه الممارسات ربما كانت موجودة ولها تاريخ قديم وعريق، فالتكهنات والتوقعات لها متخصصون في كل بلدان العالم، وليس أدل على ذلك مما كتبه الكاتب الراحل أنيس منصور ونشره في كتابه الشهير «حول العالم في 200 يوم» قبل سنوات طويلة، ذلك الكتاب الذي تعددت طبعاته ووزع ملايين النسخ في مصر وخارج مصر، لما تضمنه من غرائب وعجائب اتصل بعضها بالسحر والشعوذة والقُدرات الخارقة لدى بعض الشخصيات الاستثنائية التي صادفها الصحافي الشاب حينذاك، وتعامل معها خلال رحلته السياحية الاستكشافية التي استغرقت 200 يوم جاب خلالها عواصم العالم طولاً وعرضاً.
في الوقت الذي كتب فيه أنيس منصور كتابه الشهير لم يكن هناك إنترنت وفيسبوك وتويتر، لذا ظلت الفكرة الخاصة بالمُعجزات والتنبؤات متداولة فقط بين فئات قليلة من الجمهور، ولم تكن هناك مشاريع اقتصادية قائمة على استثمار الأفكار الغيبية والإيهام والحدس والتوقع وغير ذلك، فالمسألة في مُجملها لم تعدو كونها تفاعلاً ثقافياً مع ما يصدر من بعض الكتب النوعية ويتصل بهذا الشأن اتصالاً مباشراً أو غير مباشر.
لكن ما زاد واستفحل وفاض عن حاجة العقل للتأمل والتفكير في الظواهر الغريبة، هو الانشغال الكامل على مدار الساعة بأنواع الفتاوى والأحاديث عن الخير والشر والقبح والجمال والرزق والفقر والنجاح والفشل والزواج والطلاق.
كل هذه العناوين تضمنتها مئات الفيديوهات والتحليلات لمن يعتبرون أنفسهم مضطلعين بعلم الفلك ومتخصصين في تفسير الرموز الكونية والرؤى السارة والأحلام المُزعجة والكوابيس السوداء.
غير أن هناك من يجتهد في تحليل دلالة الألوان، الأصفر والأحمر والأخضر والأبيض والأسود والبني والبرتقالي والسيموني والفيراني والرمادي والأقحواني، فلكل لون دلالة ومعنى ورمز وتأثير وطبيعة وطاقة سلبية وإيجابية تنعكس على من يتعامل مع الألوان وتؤثر فيه وفي شخصيته ومزاجه العام.
وقد يكون لذلك بالفعل أصل علمي يُدركه العلماء، ولكنه بالقطع ليس علماً مُباحاً ومُستباحاً لكل من هب ودب من المنتشرين على السوشيال ميديا والمتاجرين برغبات الناس ومخاوفهم وهواجسهم وأحلامهم.
كما يُضاف إلى ذلك لعبة الأبراج، وهي الأكثر أهمية بين كل الألعاب، فهي تنطوي على علم ومعرفة وخبرة بالتأويل والتفسير لأنها ترتبط حسب ما يذكر المتخصصون الحقيقيون بعلم الفلك، ومع ذلك يشوب تأويلاتها بعض الشك، لاشتغال الكثير من الهواة بها وجزمهم بأن كل ما يقولونه محض حقيقة، وهذا هو موطن الشك وسبب الخوف من تفشي تلك الظاهرة التي امتلأت بها معظم المواقع وأصبحت مورداً دائماً للدخل جراء بيع الوهم والتركيز على أوجاع الناس وهمومهم ومحاولة إرضائهم بما يحبون أن يسمعوا ويلبي احتياجهم النفسي في أوقات الضيق والضجر والفزع من المخبوء في المستقبل حسب الاعتقاد والظن.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية