لغة السيسي الفارغة: أي جذور؟

حجم الخط
5

تسجل الباحثة في علم الاجتماع دلال البزري في كتابها «مصر التي في خاطري» ملاحظة عن علاقة المصريين بالسينما، إذ أن «الحياة والسينما تكادان أن تكونا شيئاً واحداً»، مستندة في ذلك إلى «عالم الإشارات والمعاني غير المصاغة وغير الشائعة». ما يحيل، في حال تطوير هذه الملاحظة واستخدامها في مجال آخر، إلى الكلام، ولغة المجتمع. والأخيرة، بقدر ما هي مركبة ومتعددة المصادر، لكنها تمر بأساليب يتشارك فيها معظم المصريين، وتساهم السينما بشكل أساسي في صياغتها. السينما هنا، هي مساحة يسهل فيها تمرير أي موقف أو انفعال أو معنى من دون مسؤولية، ذاك أننا حيال تمثيل، سرعان ما يتسلل نحو المخيال الجمعي ويفرز فيه نماذج وحالات وأبطالا، تمنع حضور الذات الفاعلة وتستبدلها بأخرى مربكة تنتظر دورا تلعبه.
وعليه، فإن اللغة المتبادلة بين الناس انعكاس لهذا الفوات، بحيث يسهل الاستماع إلى الكثير من الجمل المستخدمة في التعاملات اليومية، ينفصل فيها الدال عن المدلول، أو تعتمد على شيفرات جرى التسليم بها. هكذا يمكن أن تتدفق اللغة اليومية بغزارة بشكل يفيض عن حاجة المعنى. والحال، فإن الذات المستهدفة بفاعليتها، التي تجد في السينما منفذاً للتعبير عن إضرابها، هي حصيلة النظام السياسي الذي تعاقب على حكم مصر بعد «ثورة» الضباط الأحرار، أي أن البعد الاجتماعي لالتباس اللغة له مصدر سياسي، إذ دخلت البلاد في رطانة قومية ترفع شعارات الصمود ومواجهة العدو، في وقت يجري فيه تجريف الداخل بالقمع والاستبداد، وإضعاف أي قوى معارضة. فغدا المصري رهين لسان الكرامة الوطنية، الذي تنتجه السلطة، فيما لسان حاجاته وحقوقه وحريته مقطوع، ما أسس لتناقض فج وجد في السينما تصريفاً له، أيضاً، ولكن هذه المرة بمفعول سياسي، ضمن صراع بين السلطات، فالساداتية أنتجت أفلاماً ضد الناصرية، بعد أن كانت الأخيرة قد سعت لترسيخ نفسها باحتلال الشاشات، ما أضاف إلى اضطراب الذات المصرية والتباس لغتها، تسيس صلب ضد مصالح الذات نفسها.
حقبة مبارك، بدورها لم تبخل على المصريين بإضافة تناقضات جديدة تشرخ لغتهم وتفصلها عن معانيها، تمثلت بالانهيار الاقتصادي، ما تسبب بوضع القيم المحافظة أمام امتحان صعب رصد تجلياته الباحث الراحل جلال أمين، في كتابه «ماذا حدث للمصريين». ما جعل اللغة التي تحايلت في السابق على انعدام وجود ذات فاعلة، وتلابست مع لغة الرطانة الرسمية، تدخل مرحلة التكاذب لتعويض المسافة بين القيم وانعدامها.
ولا تبدو خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي التي يمر فيها الكثير من الأفكار الغامضة وغير المفهومة وأحياناً المثيرة للسخرية، سوى تكثيف لكل ما سبق، مع إضافة حصانة حديدية تتمثل بالإجراءات التخويفية التي لا يتوقف الرجل عن تنفيذها في بلاده. ما يعني أن كلام الجنرال فوق المحاسبة يستطيع أن يقول ما يشاء وما على المستمعين سوى التصفيق له. وكأن السيسي في خطاباته، يطلق كل تناقضات المصريين التي تفصل لغتهم عن معانيها، من عقالها، ويجعلهم بالترهات التي يتفوه بها، أمام سؤال فهم الذات الجمعية، الذي قد يجيب عن سؤال آخر، ما الذي جعل هذا الرجل يتسيد عليهم وعلى كلامهم؟
كاتب سوري من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. اثير الشيخلي - العراق المنكوب:

    هذا من نكد الدنيا علينا و على مصر ،أن يكون مثل هذا الأعجم العيي المتلعثم على رأس مصر !
    .
    و سيقفز أحدهم ليقول لك يا استاذ ايلي ،انت سوري و يقول لي انت عراقي فما علاقتكم بمصر ! و بريئسها و مما يجري فيها !
    اهتموا ببلدانكم فالسيسي جاء ليمنع انزلاق مصر إلى ما حصل لبلديكما
    و كأن مصر تعيش عصر هارون الرشيد هذه الأيام و ليس وضعها في أسفل السافلين !
    و الغرابة الأكبر ، أن المعترض ،يقرأ في صحيفة اسمها القدس العربي و هي ليست مصرية بالتأكيد

    1. يقول موناليزا- مصر:

      ولماذا لا يقول أحدهم انظر إلى سوريا والعراق؟ أليس هذا واقعا عزيزي الأثير؟ مصر ليست في عهد هارون، إنما في عصر تنمية واستقرار. هل حقا مصر في أسفل السافلين؟ إذا كانت كذلك فماذا نقول عن عراقنا الممزرق وشامنا المتقطعة أوصاله ويمننا الحزين وجزيرة عربنا الموحلة؟

  2. يقول واحد من الناس:

    قلنا قبل ذلك أن هذه هي لغة الجواسيس.السيسي لا يستطيع التعبير بصراحة عما في نفسه لأنه صادم للمصريين.فهو يدير أكبر مؤامرة صهيونية على الإسلام والشعب والأرض.لهذا فإن لغته مبهمة وغامضة مثل كل عملاء الحركات السرية في التاريخ.

  3. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان (لغة السيسي الفارغة: أي جذور؟) ومحاور التحليل أسفل العنوان رائعة، لماذا؟

    وأهم شيء لماذا من وجهة نظري، لأنه يثير سؤال (التمثيل)، على أرض الواقع بالنسبة للسياسي، أو ما يتم تدوينه بواسطة المثقف،

    وهل هناك اختلاف بينه وبين التمثيل في أي عمل فني؟

    لأنه يجب أن يكون هناك فرق بين فكر الخيال (الأحلام) وبين لغة الواقع عند أي سياسي أو إعلامي أو قانوني أو أمني أو عسكري،

    وإلا لن يمكن هناك أعتراف بأي خطأ يمكن نقده أو المحاسبة عليه، لأي موظف في النظام البيروقراطي لدولة الحداثة، وهنا أساس مشكلة سبب لغة الإفلاس لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني.

  4. يقول Saedanaya:

    كلام جميل وتصور مبدع للأحداث تحيه للسيده دلال البزراتي

اشترك في قائمتنا البريدية