بيروت – «القدس العربي»: في الكُتيب المرفق قرأنا لمؤلف ومخرج مسرحية «لغم أرضي» إيلي كمال تكثيفاً فنياً لمضمون عرضه الممتد لساعة وربع وفيه: تدور أحداث هذه المسرحية في زمان غير محدد وغير مكان. رجل وإمرأة عالقان في ما يبدو أنه لغم أرضي يحملهما. فكرة الذهاب حاضرة دائماً، لكن هاجس انفجار اللغم بمجرد أن يزول الوزن عنه يحول دون أن يكون الأمر مجرد نزهة.
على خشبة تنتصب إلى يمينها شجرة تفاح أو ربما بندورة، كما بدا من بعيد، مقعد طويل في الواجهة، وآخر أصغر حجماً كان اللقاء المباشر بين زوجين. ندى أبو فرحات وعمّار شلق دخلا منذ الجملة الأولى صُلب الحياة الزوجية المحكومة بالمناكفات، وصار تماهي الجمهور معهما يتواصل ويكبر لحظة بلحظة. فالنص من واقع الحال، مُصاغ برشاقة بالغة، ومشغول بإحتراف عالٍ كلغة مسرحية. نص يبحر أحياناً على ضفاف الفلسفة، العلوم وربما المنطق، لكنه في الغالب يغرق كما الأزواج في ما يشبه المناوشات الكلامية اليومية ودون كلل. مناوشات يتخللها تبادل ألفاظ واقعي كـ»أكل الهوا». إذاً للنص أبعاد مختلفة، ولكل متفرج على العرض أن ينجذب إلى البعد الذي يشبهه أو يعبر عنه.
إلى هذا الواقع الزوجي الذي يتفجر لحدود التهديد مراراً بالرحيل المستحيل، يدخل «عرس الديمقراطية» بطلته البهية. وكما هو عرس الديمقراطية مستحيل التطبيق بين فردين ربما هو كذلك على الصعيد العام. فـ»لغم أرضي» بما يفيد به الكتيب المسرحي بأنه «لغم ضد الأفراد»، عرض يجتهد في محاولة لتدوير الزوايا بين البشر الذين قرروا التعايش معاً، وكلما سعى لدواء جديد ينتصب في المقابل داء جديد. وتبدأ رحلة فلسفية وجودية ربما، بحثاً عن حل. ولكن… يبدو الطريق مسدوداً، والعزلة إلى مزيد من السوداوية، فسحتها الوحيدة كتاب عجز الزوج من ختم قراءته رغم طول الزمن. فلهذا الكتاب مهمة إحلال التوازن النفسي لدى الزوج في واقع جعله مقطوعاً عن الخارج.
تنفك تلك الصلة بين الرجل والمرأة أم لا؟ هذا رهن باللغم الأرضي. تعود تلك الصلة إلى مكان مشترك آمن أو لا تعود؟ هذا ايضاً رهن باللغم الأرضي. هذا اللغم الذي يحمل في آن صفة الداء والدواء. وفي لحظة يعبِّر الرجل بعاطفة مباشرة: «اشتقتلك». تقول: عن جد؟ يقول: أي. تقول: «قديش»؟ يقول: «كتير». ويتفجر الشوق على مذبح تقدير حجم ومدى الـ«كتير»، ويعود الدوران حول محور لا انفكاك منه سوى بمواجهة «اللغم الأرضي». هل هو حقيقة أم كذب؟
يُطلق «لغم أرضي» كثيراً من الضحك بين الحضور. ضحك حقيقي ربما يكون علاجي للبعض. فهو يستخرج من داخلهم ما عجزوا عنه تعبيراً مباشراً. «لغم ارضي» عرض مسرحي يختصر تلك العلاقة المشتهاة والمرفوضة في آن، هو الزواج المُزنّر «بألغام ارضية» من الروتين والمناكفات، لكنه ضرورة.
في مقاطع العرض الخمس نسمع اسئلة وأحياناً استنتاجات في الحياة، الموت، الحب والفقد. ففي جانب دفين منه يزرع الكاتب أسئلة تؤرقه ومنها «كيف يمكن لمن نحبهم أن يموتوا»؟ هو واحد من اسئلة الوجود المرعبة سواء كان لها جواب أم لم يكن.
«لغم أرضي» عرض أعلن عن ولادة كاتب ومخرج مسرحي جديد ذي شأن، تعامل مع ممثلين في غاية الليونة قولاً وحركة وإشغالاً للخشبة. ندى أبو فرحات وعمار شلق ممتعان في أدائهما، في الحديث والكلاسيكي من أشكال المسرح، وكذلك في غوصمها البسيط في عالم التهريج. ممثلان شكلا ثنائي مسرحي متكامل.
«لغم أرضي» تُعرض في مسرح المدينة حتى الأسبوع الأول من الشهر المقبل.