وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه
باريس ”القدس العربي”:
في زيارة ذات دلالات كبيرة من حيث التوقيت والسياق، يزور وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه، الإثنين، العاصمة المغربية الرباط، حيث سيلتقي بنظيره المغربي ناصر بوريطة، في مسعى لتوطيد العلاقات بين البلدين التي شهدت في السنوات الأخيرة توترات قوية للغاية.
مصدر دبلوماسي فرنسي، أكد، لوكالة فرانس برس، أن المحادثات بين ستيفان سيجورنيه وناصر بوريطة ”ستستمر خلال غداء عمل”، معتبراً أن “هذه الزيارة تشكل خطوة قوية لفتح فصل جديد في العلاقة بين البلدين”. كما قال المصدر الدبلوماسي إن زيارة سيغورنيه هي خطوة أولى نحو العمل “من أجل أجندة سياسية جديدة، في جميع المجالات، ذات أولويات مشتركة”.
نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، قال، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، إن ”هناك رغبة واضحة للغاية من جانب الخارجية الفرنسية في الاستثمار في العلاقات الفرنسية المغربية”. وأضاف أنّ ”الفكرة تتمثّل في كتابة فصل جديد، وتبنّي أجندة سياسية جديدة”، مشيراً إلى أنّه يجب ”إعادة العلاقات إلى حركة ديناميكية إيجابية”.
قبل ذلك، أعلن ستيفان سيجورنيه، الذي تولى حقيبة الدبلوماسية الفرنسية في الـ11 من يناير الماضي، وهو أحد المقربين من الرئيس إيمانويل ماكرون، أنه تم تكليفه “شخصيا” من قبل الرئيس الفرنسي للعمل من أجل التقارب مع المغرب.
وأوضح الوزير، خلال جلسة استماع في البرلمان الفرنسي، قبل عشرة أيام، أنه يواصل العمل على التقريب بين باريس والرباط، للخروج من الجمود الذي طغى على العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة.
كما شدد على أن علاقة فرنسا بالمغرب ”أساسية”، مؤكدا ”رغبته” في تجديد أواصر الثقة. وأضاف ستيفان سيجورنيه القول: ”كان هناك سوء فهم أدى إلى صعوبة”، مُشددة على “أهمية وضرورة ارتباط بلاده مع المغرب”، ومتمنيا “بناء أجندة سياسية جديدة”.
كما عبّر رئيس الدبلوماسية الفرنسية، في مقابلة مع صحيفة “ويست فرانس” المحليّة، عن رغبته في الحوار مع القادة السياسيين المغاربة “بطريقة شفافة مع احترام جميع الأطراف، للتقريب بين فرنسا والمغرب، مع احترام المغاربة”.
فالعلاقات بين الرباط وباريس شهدت في السنوات الأخيرة توترات قوية للغاية، تعود، وفق العديد من المصادر والمراقبين، إلى موقف باريس من قضية الصحراء الغربية في ظل التغيير الواضح لصالح الرباط الذي حصل في مواقف واشنطن ومدريد وحتى برلين؛ وكذلك بسبب سياسة التقارب مع الجزائر التي أرادها إيمانويل ماكرون، في حين قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.
علاوة على ذلك، فإن تصويت البرلمان الأوروبي في يناير/ كانون الثاني عام 2023- حين كان وزير الخارجية الفرنسي الحالي ستيفان سيجورنيه يرأس مجموعة ”تجديد أوروبا”- على إدانة تدهور حرية الصحافة في المغرب، أثار غضب الرباط بشدة، حيث ندد سياسيون مغاربة ووسائل إعلام مغربية بالحملة المناهضة للمغرب ”التي نظمها” حزب الرئيس الفرنسي في بروكسل.
كما أن من أسباب التوتر اتهام صحف فرنسية الرباط بالتجسس على المسؤولين الفرنسيين بمن فيهم الرئيس ماكرون، فيما يعرف بفضيحة برنامج بيغاسوس الشهير. كما أثرت القيود المفروضة على منح تأشيرات للمغربيين والتي تم رفعها في كانون الأول/ ديسمبر، على العلاقة بين البلدين.
وظلت الرباط لأزيد من سنة دون سفير لها لدى باريس. وأضيفت إلى هذه الأزمات، أزمة أخرى أشعلها الإعلام الفرنسي حين اتهم المغرب ”برفض المساعدات الفرنسية” بعد “زلزال الحوز” وسط المغرب، بعد أن الرباط بقبول مساعدات أربع دول فقط هي إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات. فقد انتقد العديد من المغاربة، منهم الإعلامية المغربية – الفرنسية سميرة سيطايل، التي عيّنت بعد ذلك بأيام سفيرة لبلادها لدى باريس، تعاطي الإعلام الفرنسي مع الموضوع.
وقالت في مداخلة على إحدى القنوات الفرنسية، لاقت ترحيبا واسعاً في الإعلام المغربي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي: “من الخطير للغاية أن نقول إن المغرب يرفض المساعدة من دولة ما، بل إن ذلك يمثل دعوة للتمرد من قبل المواطنين المغاربة.. المغرب هو دولة ذات سيادة”.
قبل تولي ستيفان سيجورنيه حقيبة الخارجية، حاولت باريس تجديد الحوار مع الرباط التي زارتها رئيسة الدبلوماسية الفرنسية السابقة كاترين كولونا، حيث أعلنت من هناك عن انتهاء السياسة الفرنسية المتمثلة في تقييد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة.
في الأشهر الأخيرة، تحدثت تقارير إعلامية في البلدين، عن إشارات توحي ببدء فترة من الدفء في العلاقات بين البلدين، بما في ذلك لقاءات في الكواليس. كما تمّ تعيين سفيرة مغربية جديدة في فرنسا، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد أشهر من الشغور في هذا المنصب الدبلوماسي المهم. وهي الإعلامية المغربية-الفرنسية، المقيمة في باريس، سميرة سيطايل، التي أمضت معظم حياتها المهنية مديرة للأخبار في القناة التلفزيونية العامة الثانية في المغرب.
وفي الشهر نفسه، استقبل العاهل المغربي محمد السادس السفير الفرنسي الجديد لدى الرباط، كريستوف ليكورتييه، لتقديم أوراق اعتماده بعد نحو عام من الانتظار.
بعد ذلك، شَرع كريستوف ليكورتييه في عملية اليد المدودة من باريس إلى الرباط، كما قالت مجلة ”جون أفريك” الفرنسية، تعقيباً على المقابلة التي أجراها السفير الفرنسي مع الإذاعة الثانية المغربية، والتي أكّدَ فيها دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية. كما رأى أن “سياسة التأشيرات” أضرّت بصورة فرنسا ونفوذها في المغرب، موضحاً أن الرئيس إيمانويل ماكرون يُشاركه الرأي.
في إطار الإشارات المتعددة في الأشهر الأخيرة لاستئناف المفاوضات الثنائية بين البلدين، استقبلت زوجة الرئيس الفرنسي بريجيت ماكرون، قبل أسبوع في قصر الإليزيه، شقيقات العاهل المغربي الأميرات للا مريم وللا أسماء وللا حسناء”.
وتحدثت الرئاسة الفرنسية عن “استمرارا لعلاقات الصداقة التاريخية بين فرنسا والمغرب”. وأوضحت الرئاسة الفرنسية أنه “في هذه المناسبة، حضر الرئيس إيمانويل ماكرون للترحيب بهن”، مشيرة إلى أنه “تحدث مؤخرا هاتفيا مع العاهل المغربي محمد السادس.
من جهتها أوردت وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية المغربية أنه “بتعليمات سامية من العاهل المغربي” تم “استقبال لمأدبة غداء في قصر الإليزيه، بدعوة من السيدة بريجيت ماكرون”، موضحة أن ”المأدبة تندرج “في إطار استمرارية علاقات الصداقة التاريخية القائمة بين البلدين”.
ومع كل ذلك، تبقى الزيارة التي يرغب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقيام بها على المغرب منذ عامين معلقة. فهل تكون زيارة وزير خارجيته الجديد ستيفان سيجورنيه، الذي يعد أحد المقربين جداً منه، تمهيداً لها؟.
مجموعة مواطنين في المملكة المغربية يسمون أنفسهم مغاربة، وليس مغربيين كما يحلو لبعض الأجانب تسميتهم عن سوء نية.