دمشق – «القدس العربي» : في خطوة قرأها مراقبون وباحثون على أنها رسائل ترهيب وتهديد للداخل، كما أنها مكافأة على الخدمات الأمنية مهمة، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، الأسبوع الجاري، مرسوماً يقضي بتعيين محافظين جُدد لمحافظات السويداء ودير الزور، وريف دمشق، وحماة، وإجراء تغييرات بالقيادات الأمنية.
ونصّ المرسوم على إنهاء تكليف بسام ممدوح بارسيك بمنصب محافظ للسويداء، وتعيين اللواء أكرم علي محمد بدلاً عنه، كما نص مرسوم آخر على تعيين معتز تيسير قطان محافظاً لمحافظة دير الزور، وأحمد إبراهيم خليل محافظاً لمحافظة ريف دمشق، ومعن صبحي عبود محافظاً لمحافظة حماة.
كما أفادت وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” بأن المرسومين يقضيان بإنهاء تعيين كل من فاضل نجار محافظاً لمحافظة دير الزور، وصفوان سليمان أبو سعده محافظاً لمحافظة ريف دمشق، وإنهاء تكليف محمود زنبوعة من منصب محافظ حماة.
وحسب موقع منظمة “مع العدالة” الحقوقية، فقد تقلد اللواء أكرم محمد عدة مناصب في إدارة المخابرات العامة والمعروفة باسم إدارة أمن الدولة في محافظتي حلب وطرطوس، حيث عين رئيساً لفرع أمن الدولة في حلب في عام 2009 برتبة عميد، وبعد اندلاع الثورة السورية في 2011 أسهم في قمع الاحتجاجات، إذ يتهم محافظ السويداء بارتكاب جرائم حرب خلال رئاسته للأفرع الأمنية وتنفيذ العناصر المؤتمرين بإمرته عمليات قتل تحت التعذيب في وقت مبكر من انتشار المظاهرات بحلب.
كما شكل مع اللواء أديب سلامة، رئيس فرع المخابرات الجوية في المنطقة الشمالية، ثنائياً في عمليات التعذيب بمشاركة عدد من الضباط من مختلف الأفرع الأمنية.
وبعد سقوط أحياء حلب الشرقية بيد فصائل المعارضة، نقل أكرم محمد إلى دمشق في 2013، وتولى رئاسة الفرع 255 بإدارة المخابرات العامة خلفاً للعميد غسان خليل.
ويتخصص الفرع في المعلومات العامة، ويحتوي على كافة الدراسات الأمنية، ويتولى مسؤولية مراقبة نشاط وسائل الإعلام والإنترنت والإشراف على عمل “الجيش السوري الإلكتروني”.
وفي 2016 عين رئيساً لفرع أمن الدولة في طرطوس، وفي مطلع عام 2019 رفع إلى رتبة لواء، وكلف بمهمة معاون أول لمدير إدارة المخابرات العامة.
ويأتي نقل وإعادة تعيين ضباط ورجال أمن ورؤساء أفرع مخابرات بمناصب مدنية ضمن إجراءات تكررت خلال السنوات الفائتة عبر مراسيم شملت محافظات دمشق، وريف دمشق، وحماة، وطرطوس، والقنيطرة، وحمص، والسويداء، والحسكة.
وللوقوف على الأسباب وراء تلك التعيينات، ترجم د. أحمد قربي، وهو باحث سياسي لدى مركز “الحوار السوري”، بأنها مكافأة الخدمات الأمنية والولاء المطلق، معتبراً أنها أيضاً رسائل أراد النظام السوري توجيهها للداخل والخارج.
وقال لـ”القدس العربي” إن “النظام السوري ينظر لهذه المناصب من منظورين، الأول أنها مكافأة لبعض الشخصيات التي قدمت خدمات للنظام مثل رجال الأمن ورجال الجيش، وهذا الأمر معتاد في سوريا، لأن النظام يعين شخصيات كانت مكلفة بمناصب عسكرية، في مناصب مدنية كنوع من المكافأة لها”.
والزاوية الثانية، من وجهة نظر المتحدث، أن مثل هذه التعيينات لا تؤثر على التوجه العام لنظام الأسد، الذي ينظر لهذه المناصب على أنها تأتي في السياق العام أو السياسة العامة التي يحكم فيها البلد، والقائمة على مبدأ الولاء، إذ إنها لم تخرج عن السياسية الأساسية التي يتبعها نظام الأسد، تتويجاً لخدمات أمنية سابقة، لا سيما الشخصيات صاحبة الولاء المطلق.
وأبدى المتحدث اعتقاده أنها رسائل أيضاً للداخل والخارج، “وخاصة فيما يتعلق بتعيين ضابط سابق كمحافظ في السويداء وهذه رسالة تفيد بأن النظام السوري ليس لديه خط أحمر أمام أي شيء يهدد سلطته وممكن أن يتعاطى مع الأهالي بشكل قمعي وأمني، وهذه رسالة لأهالي السويداء”. أما رسالته للخارج، خاصة بعد التطبيع العربي، والحديث عن فرض عقوبات على بعض الشخصيات، فهذا يدل على أن النظام لم يتغير فيه شيء، بل سوف يستمر كما هو وبالعكس، فإن الدول العربية التي قبلت بالنظام بوضعه الحالي سوف تقبل به حتى لو استمر بالقمع وبنفس الأسلوب و السياسات والمنهجية نفسها ، وهو نوع من الإصرار وإرسال رسالة تأكيد للدول العربية حتى للدول الخارجية بأنه لن يتغير وسوف تقبلون به كما هو. ويرى معارضون سوريون أن من يحكم البلد هم رجال الأمن، سواء في المحافظات أو في الوزارات أو في مجلس الشعب.
العقيد مالك كردي قرأ من ناحيته تلك التعيينات بأنها “تغييرات مهمة في جوهرها، فهي تعني الطلاق من الجانب الإيراني والتمسك بتل أبيب والنظام الروسي، واستعادة الدفء بالعباءة العربية”.
وأكد لـ “القدس العربي”، أن هذه “التغييرات الأخيرة بالقيادات الأمنية والمحافظين تأتي تلبية للرغبة الروسية”، حيث وصف “جميع المسؤولين الجدد بأنهم الأقرب إلى الطرف الروسي ومعادون للسياسة الإيرانية في سوريا”. وقال: “أشير هنا إلى سياسة العصا والجزرة مع النظام التي تؤتي أكلها للحد من نفوذ طهران في سوريا، فالسياسة الأولى تكفل بها التحالف والإسرائيلي، فيما تكفل العرب بالسياسة الثانية في ظل ضغوط شعبية قوية على النظام من حاضنته الأقرب. وبالأمس، القرار الصادر عن الأمن الوطني بمراقبة وضرورة حصول موافقات أمنية للأجانب لدخول الجامع الأموي مع منع مظاهر الإساءة للجامع، الواضح أن المقصود منها الإيرانيون وهذا يؤكد على نجاح هذه السياسة”.
واتفق الكردي مع محللين وباحثين بأن معظم التعيينات الجديدة التي تمت في الوظائف الهامة هي لضباط أمن سابقين ومتورطين بأعمال إجرامية، وهي “تأكيد على استمرارية الحل الأمني والذي يرى النظام السوري أنه لا سبيل لديه غيره، كما أن التماهي العربي والدولي معه دليل على موافقة ضمنية” على هذه السياسة.