هل ستكون الوثائق التاريخية التي من المفترض أن تعيدها باريس للجزائر بمثابة القنبلة؟ وهل ستحدث حال الكشف عنها دويا هائلا قد يتردد صداه حتى خارج المنطقة؟ أم أن الفرنسيين سيتمكنون من نزع فتيلها في الوقت المناسب، ويبطلون مفعولها؟ من المؤكد أن الأمر لا يبدو هينا على الإطلاق، فإلى جانب باريس والجزائر، فإن باقي عواصم الشمال الافريقي تبدو معنية بدورها بالتطورات التي قد تحدث على ذلك الصعيد. فهي مهتمة جدا بما ستسفر عنه تلك العملية من نتائج، وما سيؤول إليه، في غضون الشهور المقبلة، واحد من أعقد الملفات الخلافية بين الجزائريين والفرنسيين، أي ما يعرف بملف الذاكرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو، هل سيسمع الرئيس الجزائري في الزيارة التي من المتوقع أن يقوم بها في الخريف المقبل إلى العاصمة الفرنسية، من مضيفيه مزيدا من الكلمات المعسولة والوعود الوردية؟ أم أن المفاجأة التي ستحصل حينها هي أن نظيره الفرنسي سينهي عقودا طويلة من المكابرة والمماطلة ومحاولات الهروب إلى الأمام، وسيقدّم له وفي حركة رمزية بالغة الدلالة، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، سيفي الأمير عبد القادر، اللذين كثر الجدل حولهما في الآونة الأخيرة، ثم سيقول له وبعيدا عن لغة الخشب التي اعتاد هو وأسلافه التحدث بها، وبوضوح تام، إن أجداده كانوا وللأسف الشديد لصوصا وسفاحين ومجرمين، وإن استعمارهم للجزائر كان عملا وحشيا فظيعا، وشكلا بشعا وقاسيا من أشكال الإبادة الإنسانية غير المقبولة على الإطلاق؟
محاولة ماكرون تعويم مسألة الذاكرة وربطها بالأمن القومي الفرنسي يهدف إلى الحد من الخسائر المتوقعة من وراء فتح جراح الماضي وآلامه من جديد
من الواضح أن كلا الفرضيتين تبدوان محفوفتين بجملة من التعقيدات الداخلية والخارجية، لكن ما الذي يطلبه الجزائريون من الفرنسيين بالضبط؟ إن مطالبهم ربما تتلخص في أربعة محاور بالأساس وهي، استعادة كامل الوثائق التاريخية والجماجم ورفات المقاومين، التي استولى عليها الفرنسيون خلال احتلالهم الذي دام مئة وثلاثين عاما، وتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجريت مطلع الستينيات في الصحراء، وتطهير الأراضي، التي تلوثت بالإشعاعات النووية، والكشف عن مصير آلاف المفقودين. ومن المؤكد أن الطرف الآخر وبعد أكثر من ستين عاما من مغادرة قواته للمنطقة، ومن تهربه ورفضه مواجهة تاريخه الاستعماري بشجاعة، يبقى مترددا في الإقدام على خطوة قد تقطع نهائيا مع السياسات التي لطالما انتهجها مختلف الشخصيات التي وصلت إلى قصر الإليزيه. فهو يدرك جيدا أن تقديمه في هذا الظرف بالذات للجزائريين اعترافا واضحا وصريحا بجرائم الإبادة والقتل والنهب والتدمير، التي ارتكبت في حق آبائهم وأجدادهم، مرفقة باعتذار رسمي ومباشر عن كل ما خلفته من ويلات وآلام، ستكون له لا محالة ارتدادات قوية داخل فرنسا نفسها، ثم على المنطقة المغاربية وعلى باقي مستعمراتها الافريقية وغير الافريقية أيضا. وليس معروفا حتى الآن إن كان الفرنسيون وبالنظر إلى كل تلك العوامل قد وضعوا سقفا معينا للتفاوض مع الجزائريين، أو قدموا لهم شروطا ما، تجعلهم بمأمن من أي مفاجآت غير سارة، أو تداعيات قد تحصل لهم جراء تلك العملية. فالأخبار الشحيحة التي وردت حتى الآن، وفقا لما نقلته الخميس الماضي إذاعة الجزائر الدولية، لم تشر إلا إلى توقيع الجانبين الجزائري والفرنسي، ممثلين في اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، واللجنة الفرنسية للحقيقة والذاكرة على اتفاقية ومذكرة مشتركة، تهدف إلى «استرجاع الارشيف الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية، وممتلكات لا تقدر قيمتها التاريخية بثمن في قلوب الشعب الجزائري»، وفقا لما ذكره المصدر نفسه، من دون أن تضيف مزيدا من التفاصيل حول طبيعة ذلك الاتفاق، وما إذا كان يتضمن بنودا ما قد تمثل نوعا من الضمانات، بأن لا يستخدم ذلك الأرشيف في وقت لاحق للتشهير مثلا بفرنسا، أو مقاضاتها دوليا، أو مطالبتها بتعويضات تفوق تلك التي سيتم تحديدها بالاتفاق بين الجانبين. والإشكال الحقيقي ربما يكمن في هذه النقطة بالذات. فهل تريد الجزائر من خلال استعادة أرشيفها عقد نوع من المصالحة الثنائية مع المستعمر السابق، تقوم بالطبع على شرطي الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار في حق الجزائريين، وترفق بإقرار تعويض مادي ومعنوي يشمل كامل الفترة الاستعمارية؟ أم أنها تسعى من وراء ذلك إلى توسيع الدائرة إلى المستوى المغاربي والافريقي، وحمل الفرنسيين على الاعتراف بالجرائم التي اقترفها أجدادهم وآباؤهم خلال الحقبة الاستعمارية في أكثر من مكان في العالم؟
لقد دأب الجزائريون ومنذ أربع سنوات على إحياء يوم وطني للذاكرة يوافق الثامن من مايو من كل عام، في إشارة إلى المجازر التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية يوم الثامن من مايو من عام خمسة وأربعين في حقهم. وهذه السنة اغتنم الرئيس عبد المجيد تبون الفرصة ليؤكد في خطاب ألقاه بالمناسبة من وزارة الدفاع، أن عدد سكان الجزائر لم يزد خلال مئة وثلاثين عاما من الاحتلال سوى أربعة ملايين نسمة، وهو ما يشكل بنظره دليلا قاطعا على أن السلطات الاستعمارية كانت تمارس «الإبادة المستمرة» بحق الشعب الجزائري، قبل أن يضيف أن الأرقام لا تكذب وأنه من المفترض وبدلا من تكذيب أرقامنا، فإن الاولى بمن يكذب أن يعترف» على حد تعبيره بالـ»تضحيات التي قام بها الشعب الجزائري»، مؤكِدا أن الجزائر لا تتاجر بملف الذاكرة، وأنه ليس بالنسبة لها «أصلا تجاريا» كما قال. ولكن الفرنسيين يدركون جيدا أن أي اعتراف رسمي من جانبهم بتلك الجرائم الاستعمارية المريعة قد تكون له عواقب حتى داخل فرنسا نفسها. وقد سبق للرئيس الفرنسي ماكرون أن قال في حديث لصحيفة «لوفيغارو»: «إن الرغبة في مصالحة الذاكرة بين الفرنسيين والجزائريين مشتركة بشكل كبير، رغم بعض الرفض في الجزائر»، معتبرا أن تصريح أحد الوزراء الجزائريين الذي قال فيه إن «فرنسا هي عدوتنا التقليدية والدائمة» هو تصريح «غير مقبول»، قبل أن يضيف «لا تخطئوا، وراء الموضوع الفرنسي الجزائري يوجد أولا موضوع فرنسي فرنسي»، متابعا «في الاساس لم نصالح بين الذكريات الممزقة، ولم نبن خطابا وطنيا متجانسا. الذاكرة الممزقة هي ذاكرة الأقدام السود، وهم فرنسيو الجزائر الذين عادوا إلى فرنسا بعد استقلالها، وذاكرة الحركيين، وهم جزائريون حاربوا إلى جانب فرنسا، والمجندون الذين جرى استدعاؤهم، والعسكريون الفرنسيون وذاكرة الجزائريين الذين أتوا بعد ذلك إلى فرنسا، وذاكرة أبناء هؤلاء المهاجرين وذاكرة مزدوجي الجنسية».
ومن الواضح أن محاولة ماكرون تعويم المسألة وربطها بالدرجة الأولى بالأمن القومي الفرنسي يهدف وبالأساس إلى الحد من الخسائر المتوقعة من وراء فتح جراح الماضي وآلامه من جديد. لكن ما لا يقوله لا الرئيس الفرنسي ولا المسؤولون الجزائريون حتى الآن هو، ما الذي سيحصل بعد تلك العملية؟ وهل أن التونسيين والمغاربة مثلا وباقي الشعوب التي عانت من الاستعمار الفرنسي، ستقف موقف المتفرج على أي اتفاق رسمي قد يوقعه الطرفان في الخريف المقبل لحل معضلة الذاكرة؟ المؤكد أن أي صيغة سيتوصل إليها الجانبان ستمثل اختبارا دقيقا وحاسما لا لهما فقط، بل لعلاقة باريس بأكثر من جهة أيضا.
كاتب وصحافي من تونس
طيب مقال استفاض في التأويلات والتساؤلات و هو شيء منطق بالنظر إلى المعلومات الشحيحة التي تحيط هذا الموضوع. السؤال : الجزائر تضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها طيلة 132 سنة من الاستدمار والنهب والقتل ولاسترجاع كافة أرشيفها وممتلكاتها و ربما رفع سقف التعويضات كرمزية تاريخية سياسية و مادية. ما دخل تونس و المغرب في موضوع “جزائري-فرنسي”
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسنتم يا أستاذة هالة
[email protected]
لا يعلم لماذا تنتظر فرنسا كثيرا لإرجاع هذه الممتلكات التي تحمل بعض الرمزية لأصحابها ؟ وماذا كان سيكون الوضع لو أن الأمر كان يتعلق بكتب ومخطوطات تثبت أن العرب و المسلمين كانوا سباقين لبعض المعارف والعلوم التي نجد لها أثرا في حياتنا الحالية، مما يثبت نظرية التراكم المعرفي الذي يميز الحقب والأزمنة المتوالية ؟
شكرا للكاتب صاحب المقال نيزار نريد ان نوضح ان ما تعرضت له الجزائر هو إستعمار و ليست حماية مثل المغرب او باقي محمياتها الخلفية و هذه نقطة مهمة ولذلك فرنسا نهبت مقدرات الشعب الجزائري و محاولة منها تجريده من هويتة ولذلك نحن نريد استرجاع كل حديد برج ايفل وكل انواع الاسلحة و الالبسة ومدافع المقاومات الشعبيةو استرداد الدين من اموال التي كانت تدين بها فرنسا للجزائر كل مقتنيات العائلات الجزائرية الثمينة من ذهب و فضة و قفطان وكل موروث ثقافي و جميع اللوحات الفنية التشكيلية الباهضةالتي كانت في قصور الدايات . و استرجاع كل السفن الحربية و الارشيفوجميع خيانات سلاطين مراكش و جميع خرائط الدولة الجزائرية التي تظم من وجدة حتى نهر ملوية و فكيك و ارشيف العائلات المنفية نحو جزيرة كاليدونيا.ووووشكرا على النشر جريدتنا الموقرة.
إذا جادلت بمنطق التاريخ، فالجزائر سترجع الأراضي الموروثة عن الاستعمار الفرنسي لأصحابها : المملكة المغربية الشريفة، تونس ، ليبيا د مالي و النيجر..الجزائر لم تكن لها سوى مدينة الجزائر و ضواحيها عل الأكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل جلاء الاستعمار الفرنسي البغيض عن سوريا عام 1946 كان على نهر العاصي في مدينتي حماة صخرة عندما تلمسها تصدر طنينا جميلا جدا بأصوات مختلفة وقد اختفت تلك الصخرة مع جلاء فرنسا عن سوريا بعدما كانت طيلة الزمان في موقعها على النهر
يتعين أن تكون لاسترداد جماجم الشهداء الموجودة في المتاحف الفرنسية الأولوية على ما عداها من ملفات أخرى مرتبطة بالذاكرة. إكرام الميت دفنه. كما يحثنا ديننا الإسلامي الحنيف على ذلك. ويصبح الأمر أكثر إلحاحا عندما يتعلق بشهداء…
ما مصير الدبابات السورية التي غنمتها اسرائيل عام 1967 ؟
تونس والمغرب كانتا تحت نظام حماية ومسار الاستقلال لم يكن عنيفا وسبب اساسي لاستقلالهما هو الصورة الجزائرية لان الحالة الحزائرية كانت استعمار استيطاني مثل مايقع في فلسطين اليوم
هذا الموضوع يعني الجزائريين فقط
مجرد تساؤل.
هل للجزائر فضل !!!؟؟؟
كما كان الفضل لثورة الجزائر في استقلال عديد الدول، وكان لها الفضل أن حراكها هو أول من رفع شعار”LA France DEGAGE”، سيكون لها الفضل أن تعترف فرنسا بجرائمها في باقي مستعمراتها.
وبالنسبة للأرشيف، نشرت جريدة “الخبر” الجزائرية يوم: 22/05/2024، تحت عنوان:” المؤرخ ستورا يحسم الجدل حول أغراض الأمير”، جاء فيه ما نصه:
في المقابلة الصحفية (مع الإذاعة الجزائرية)، تطرق ستورا الذي قضى فترة من شبابه في قسنطينة، إلى موضوع رقمنة 02 مليون وثيقة أرشيفية، الذي تم الاتفاق عليه في آخر اجتماع لـ “لجنة الذاكرة”، عقد في فرنسا. مشيرا إلى أنه “شهد تطورا ملحوظا، ومع ذلك فإن المسألة الشائكة المتمثلة في إعادة الوثائق الاصلية، تتطلب حلا. لهذا السبب نحتاج في فرنسا إلى قانون توافق عليه الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ”. وأعلن ستورا عن الاعداد لمشروع قانون يسمح بتسليم هذا الحجم من الأرشيف الخاص بالاستعمار، ولا يخص ذلك الجزائر، حسبه، وإنما مستعمرات إفريقية سابقة أخرى أيضا” انتهى الاقتباس
وهذا فضل الجزائر على إفريقيا بدون مَن.
لذلك وجب علينا أن نقول مليون ونصف مليون شكر للجزائر والجزائريين.
…/…يتبع
…/…تتمة
من بين الملفات في جدول الزيارة، الملف الإقتصادي وملف تنقل الأشخاص.
عن موضوع الزيارة تبون أكاد أنه لن يذهب إلى فرنسا لأخذ صور في جادة الإيليزي، أو لسماع المديح، وذكر بنتائج زياراته إلى تركيا والبرتغال وإيطاليا والصين وروسيا.
ومن بين أسباب تبكير الانتخابات الرئاسية، حتى لا يقال أن زيارة فرنسا كانت للحصول على مباركتها وأن لا تستغل فرنسا الفرصة لتساومه في ذلك.
لقد سبق لماكرون أن صرح سنة 2017 من الجزائر “إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية”.
للتذكير القراء أن فرنسا لم تعترف بحرب الجزائر إلا سنة 1999. كانت دائما تصفها بـ”أحداث الجزائر”