في حوارين مختلفين مع الشاعرة فدوى طوقان تصرح بكرهها لأم كلثوم، ففي الحوار الثاني عشر من الحوارات التي جمعها الناقد الأردني يوسف بكّار في كتابه «حوارات فدوى طوقان»، وهو الحوار الذي أجراه موسى برهومة عام 2001 لصالح مجلة «أفكار» الأردنية يسأل المحاور الشاعرة عما إذا كانت تغني لأم كلثوم كما كانت تغني لعبد الوهاب الذي وصفته بأنه «سيد الغناء العربي»، قالت فدوى: «كنت أحب صوتها في شبابها، ولكن عندما كبرت شاخ صوتها، ومن ناحية عاطفية كانت أم كلثوم تكره الفلسطينيين».
وفي استرسالها حول كره أم كلثوم للفلسطينيين، تنقل الشاعرة عن امرأة فلسطينية جمعتها وزوجها مع أم كلثوم حفلة عشاء قول أم كلثوم: «أنا لا أحب الفلسطينيين، لأنهم باعوا بلادهم لليهود». وتضيف فدوى طوقان قائلة: «أنا لا أحب أم كلثوم بل أكرهها. وقد ثبت كرهها لنا في أكثر من موقف، حيث علمتُ أن منظمة التحرير الفلسطينية، عرضت عليها أكثر من مرة إحياء حفلة يرصد ريعها للشعب الفلسطيني، فكانت ترفض، وذات مرة جاء الشهيد كمال ناصر إلى القاهرة من أجل أن تغني قصيدة له، فألغت المشروع، رغم أن الصحف في مصر وفلسطين كانت نشرت خبر عزمها غناء شعره. لقد كنت قبل ذلك أحب أم كلثوم بشدة، وأذكر كيف كنت أصحو يوم الجمعة منتعشة لأنني أمضيت مساء الخميس في الإصغاء لصوتها».
أما الحوار الثاني، وهو الحوار الخامس عشر وقد أجراه الصحافي علاء بدارنة عام 2003 لصالح جريدة «القدس العربي»، فلم يكن سبب كرهها لأم كلثوم كره الأخيرة للفلسطينيين، ولكنها ذكرت سببا آخر يتعلق بالذائقة الفنية: «إنها تعيد وتكرر كثيرا في الغناء. تكون تسمع إليها وتنتظر ما بعد لكنها تكرر وتعيد بدون جدوى، شيء يجعلك تملّ، أنا أحب صوتها لكنها تكرر». فيما قالته الشاعرة فدوى طوقان عن «سيدة الغناء العربي» في الحوار الثاني يذكر بما قاله إدوارد سعيد في مذكراته «خارج المكان» عن أم كلثوم، إذ لم يعجبه صوتها ولا طريقة أدائها، وفضل عليها أوبرا أندريه شينيه (خارج المكان، ترجمة فواز طرابلسي)، أما الحوار الأول فقد كان سبب الكره يعود إلى نواح عاطفية تتعلق بالمشاعر الوطنية، مع أنها كانت تحب أم كلثوم وتنتشي عند سماعها.
ومن ناحية أخرى يلاحظ القارئ بعض التعارض في أقوال الشاعرة على السؤال نفسه في كل حوار، فقد قدمت أيضا إجابات متعارضة حول زيارتها للرئيس جمال عبد الناصر وحديثها عن لقائها بموشيه دايان. وفيما يتعلق بحديثها عن أم كلثوم فقد جاء أولا في الحوار الثاني عشر عام 2001، وذكرت فيه سببين، الأول يتعلق بأمر فني محض، وهو أن صوت أم كلثوم قد شاخ، بمعنى أن «سيدة الغناء العربي» فقدت أهم ميزة من ميزاتها كمطربة، اكتسحت الوسطين الفني والثقافي، وكان لها حضورها اللافت فيهما، ولا أظن أن الشاعرة فدوى طوقان قادرة على الحكم على صوت أم كلثوم بهذه السهولة، فثمة نقاد فنيون أشادوا بصوتها حتى آخر حفلة قدمتها.
وربما كان هذا الموقف من الشاعرة فدوى طوقان بسبب التعصب الوطني مع الفلسطينيين، الذين كانت تكرههم أم كلثوم. وليس شرطا أن نحب شاعرا وفنانا، لأنه يحبنا أو نكرهه لأنه يكرهنا، فليس مطلوبا من الكل أن يحبنا، فنحن أيضا لا نحب بعضنا، ويكره بعضنا بعضا، وفينا من يكره فلسطين وقضيتها، ولا يحبها، والمسألة تطول.
هذا بالطبع ليس دفاعا عن أم كلثوم ومواقفها في كره الفلسطينيين، ورفضها غناء قصيدة من شعر كمال ناصر، أو أن تخصص حفلة يكون ريعها لدعم الشعب الفلسطيني، فوقوف الفنان والمثقف مع الشعب الفلسطيني أيا كان هذا الموقف هو وقوف أخلاقي في الدرجة الأولى، فهم شعب محتل، اغتصبت أرضهم وتمارس عليهم صنوف التنكيل من قوة غاشمة، ولا مفر من الوقوف مع قضيتهم، لأنها قضية حق وأخلاق، وهي قضية إنسانية قبل أن تكون قضية قومية تخص العرب وحدهم، ففلسطين أرض عربية والدفاع عنها واجب عربي قومي، وتأديب الثلة المجرمة من الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم يقع على عاتق الحكومات التي احتضنتهم وآوتهم، وساعدتهم على أن يزدادوا ثراء على ثراء، بعيدا عن التعميم الذي فيه تخوين شعب كامل، والتجاوز عن تضحياته الكبيرة على مدار عقود من الزمن.
بالمنطق السليم والعام، لا يحق لأم كلثوم ألا تناصر القضية الفلسطينية، ولتكره من الفلسطينيين من شاءت فهم ليسوا ملائكة، ولا يحق لها كره الفلسطينيين بوصفهم جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية. هذا الشعب الذي كان وما زال أبناؤه المبدعون منارة تشع على العالم ثقافة وعلما، وقدموا إسهامات جليلة للإنسانية، متحدين المحتل والقوى الاستعمارية العالمية، وكان يجب على أم كلثوم ألا تنسى أن هذا الشعب احتضن حفلاتها الغنائية، وقد «دأبت على زيارة فلسطين قبل نكبتها، وأحيت حفلات في مدنها، وقد قدِمت بلقب «بلبلة الشرق» لتعود منها بلقب جديد «كوكب الشرق» بعدما غنت القصائد لها وتبرعت لدعم قضيتها»، فقد زارت القدس ويافا وحيفا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.
وكان من الواجب على الشاعرة فدوى طوقان استذكار هذا التاريخ أيضا في مسيرة أم كلثوم الفنية، وألا يمحى بهذه الطريقة غير العادلة، وألا تسلبها صفة «سيدة الغناء العربي» لتصف به محمد عبد الوهاب، فالشاعرة فدوى طوقان عندما أعلنت في ذلك الحوار أن عبد الوهاب هو «سيد الغناء» كانت تحاول سلب هذا الوصف عن أم كلثوم بغير وجه حق. ولم يكن هذا الموقف من أم كلثوم هو الموقف الوحيد الإشكالي، فقد عرف عنها بعض المواقف الإشكالية التي كانت محل جدل بين المثقفين العرب، من بينها مثلا ما تحدث عنه الشاعر أحمد فؤاد نجم في قصيدته «كلب الست»، ويصور كيف كانت «الست» ذات نفوذ كبير في الحكومة المصرية، ليعاقب المواطن «إسماعيل» الذي اعتدى عليه كلب الست، ويبرأ الكلب من التهمة، لأنه كلب الست، وكما يقال كلب الست سيد أيضا، جريا على قاعدة المثل الشعبي الفلسطيني «كلب الشيخ شيخ».
كما أنه لم يكن موقف أم كلثوم من الفلسطينيين، إن أخذ هكذا على علاته كما تحدثت عنه الشاعرة فدوى طوقان، الموقف الوحيد الإشكالي لبعض المثقفين المصريين الذين رفضوا مناصرة الشعب، فالشاعر أحمد شوقي الموصوف بأمير الشعراء لم يقل أي قصيدة في فلسطين، على الرغم من عدة قصائد قالها الشاعر في قضايا عربية كثيرة، فكتب عن لبنان والعراق وسوريا وليبيا والأندلس، وكان قد شهد الشاعر أول خيوط المؤامرة على فلسطين، وكان في أوج عطائه الشعري عندما أُعلن وعد بلفور عام 1917، ولم يبين الشاعر موقفه من هذا الوعد الذي كان مجحفا بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، مع كل ذلك يبقى الشاعر أحمد شوقي شاعرا عربيا كبيرا، تدرس قصائده في المناهج الفلسطينية، ويحتفي به المثقفون الفلسطينيون ولم تأخذهم الشوفينية المقيتة لكره الشاعر وشعره، بل احتفى به الشعراء الفلسطينيون عندما بويع بإمارة الشعر، وأبنوه عند موته أيضا.
كما لم يمنعهم موقف أم كلثوم، وإن لم يكن مشتهرا بينهم، الذي أشارت إليه الشاعرة فدوى طوقان من أن يستمع إليها الفلسطينيون، ويخصصوا لها وقتا في الإذاعات الفلسطينية لبث أغانيها، ولم يمنع ذلك الشاعر الفلسطيني محمود درويش من أن يحتفيَ بها وبجمالية فنها صوتا وألحانا وشعرا، فيكتب في كتابه «أثر الفراشة» نصه «إدمان الوحيد».
٭ كاتب فلسطيني
شخصيا ارى انه من الظلم الكبير للطرب و الغناء
.
حصر امارة الطرب العربي في ام كلثوم او حتى
.
عبد الوهاب هذه اسأة و تقييد للذوق الأغنية
.
العربية حتى في عهد أم كلثوم و عبد الوهاب
.
عرفت روادا اسطوريين لكل واحد منهم طريقته
.
الساحرة مثال على ذلك فريد و اسمهان و محمد
.
فوزي وغيرهم ممن ضاعوا في سيادة طرب جاءرة
.
تحياتي من مراكش
بالنسبة لاحمد شوقي له قصيدة في القدس ربما سماها الطلاسم