لماذا لم تكتف إسرائيل بالتطبيع السري؟

اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «إيهود براك» أنه التقى مع ملك المغرب الحالي قبل 42 عاماً في قصر أبيه محمد الخامس، وتعترف كل الأوساط الإسرائيلية أن العلاقات الدبلوماسية مع المغرب العربي قائمة منذ عشرات السنين، ولا جديد في هذه العلاقة إلا الإشهار، وما يقال عن المغرب ينطبق على كثير من الأنظمة العربية؛ التي ما برحت تلتقي وتنسق وتعانق سراً الكيان الصهيوني، وترسل لها إشارات السلام من خلال الزيارات واللقاءات، ومن خلال إعلانها عن نبذ العنف «المقاومة» والاعتراف بالقرارات الدولية التي تعترف بدولة الكيان الصهيوني.

غزو العقل العربي

ولتأكيد حسن النوايا، لم تحارب الأنظمة العربية إسرائيل، ولم تعمل ضدها، ولم تدعم المقاومين للاحتلال الإسرائيلي برصاصة واحدة منذ عام 1973 لقد حرمت الأنظمة العربية على نفسها مهاجمة إسرائيل، وسعوا للمسالمة معها سراً وعلانية، رغم العدوان الإسرائيلي المتكرر على أكثر من بقعة من أرض العرب، ظلت روح الاستسلام ترفرف بأجنحة المصالح على كل المنطقة، دون ذلك فلم تخدش كرامة الجيش الإسرائيلي في أي مكان من بلاد العرب، بل لم يفكر أي جيش عربي بالاستعداد لمواجهة إسرائيل، أو التلويح بالاعتداء عليها، رغم كل الممارسات الإسرائيلية الاستفزازية ضد أكثر من مكان في بلاد العرب.
لماذا لم تكتف إسرائيل بكل ذلك الاستسلام من قبل الأنظمة؟ لماذا لم تقنع إسرائيل أن عدم الحرب في أي بقعة من الأرض يعني السلام؟ ألم تنجح إسرائيل بفرض منطقها العدواني على كل المنطقة بقوة العضلات، لا بقوة الحق؟
لقد ساد السلام بالمفهوم الإسرائيلي لأكثر من خمسين عاماً، تطورت خلالها دولة العدوان وازدهرت، واتسع نفوذها، وتمددت أطماعها، واطمأنت على تفوقها إلى الحد الذي لم تعد تقنع بهذا السلام البارد، ولم تعد تكتفي بحسن الجوار، ولم تعد ترضى بالعلاقة الحميمية السرية مع بعض الأنظمة، فكل ذلك زائل طالما اعتمد على القوة فقط، ولم يتأسس على استسلام الشعوب، واقتناعها بالمصالح المشتركة مع الكيان الصهيوني، وأهمية تحالفها الاستراتيجي مع هذا الكيان، فالإعلان عن التطبيع المباشر يهدف إلى غزو العقل العربي، وامتلاك القلوب، والسيطرة على الوعي أن دولة إسرائيل قد صارت من صلب المنطقة، ووجودها ضرورة للتطور الحضاري، والازدهار الاقتصادي لشعوب المنطقة.
وعلى طول سنوات التطبيع السري الذي كان قائما مع الأنظمة العربية، لم يشعر الإسرائيلي بالأمن والاطمئنان على مستقبله، من هنا جاءت الهجمة الإسرائيلية على التطبيع العلني بمثابة طمأنة للمجتمع الإسرائيلي على مستقبله في المنطقة، مع حثه على التمسك بالقوة العسكرية والاقتصادية والعلمية التي جلبت له السلام، هذا من جهة، أما من جهة العلاقة مع الأنظمة العربية فالتطبيع قفز على العمق التاريخي للصراع، وشطب لحقبة تاريخية من العدوان الإسرائيلي، وفيه مساعٍ لاقتلاع جذور القضية الفلسطينية من الوجدان العربي، والفصل بين جماهير الأمة العربية وقضيتها المصيرية.

المدخل للهدف المركزي

لما تقدم، فالتطبيع العربي مع الكيان الصهيوني ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما هو المدخل للهدف المركزي، والمتمثل بتصفية القضية الفلسطينية بأيد عربية، فالحل للنزاع بالمفهوم الإسرائيلي يقوم على تحمل الدول العربية مسؤوليتها في توطين اللاجئين الفلسطينيين، والإسهام في إيجاد ترتيبات اقتصادية مناسبة لأوضاع السكان الإنسانية في الضفة الغربية وغزة، وهذه الفكرة للحل قائمة قبل وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة الأمريكية، وهي باقية إلى ما بعد زوال حكم ترامب، وقد طرحت للنقاش بين الإسرائيليين قبل الإعلان عن صفقة القرن، وقد أكد عليها نتنياهو في أكثر من مناسبة حين قال: العلاقة مع الدول العربية هي المدخل لحل القضية الفلسطينية، وقد عبرت عن ذلك سنة 2017 نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية تسفي حاتوفلي في حديث لها مع القناة الإسرائيلية السابعة، حين قالت: لدينا مبادئ أساسية أبلغنا واشنطن بها، وقلنا بوضوح إنه لا يمكننا التنازل عنها، وهي:
1 ـ رفض وجود أي سيادة على المنطقة الممتدة من البحر إلى النهر سوى السيادة الإسرائيلية، وأزعم أن الأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل لا تناقش في هذا المبدأ الإسرائيلي، فاعتراف الأنظمة بدولة إسرائيل وحده يكفي دليلاً على الموافقة.
2 ـ رفض أي إخلاء لأي مستوطنة، ورفض اقتلاع أي مستوطن، وأزعم أن هذا البند قد تم الاتفاق عليه من خلال لقاءات التفاوض الذي وافقت على فكرة تبادل الأراضي بنسب معينة.
3 ـ الإبقاء على القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل، وأزعم أن هذا البند قد تحقق على أرض الواقع، وبات حقيقة تفقأ عين كل من يكابر بحقه في القدس دون أن يفعل شيئاً.
4 ـ رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين حتى إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وأزعم أن هذا البند قد أقره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حين صرح في أكثر من مناسبة، وقال: من حقي زيارة بلدتي صفد، ولكن ليس من حقي العيش بها!
الأنظمة العربية التي تلهث للتطبيع مع إسرائيل تدرك كل ما سبق من حقائق، وتدرك أن لا رصيد لها داخل الشارع العربي، لذلك اختارت الأنظمة أن تبيع التطبيع لإسرائيل مقابل استقرار حكمها وسلامتها؛ وفي ذلك اعتراف بتغلغل الموساد الإسرائيلي في مفاصل الأنظمة، وقدرته على التأثير في بقاء الأنظمة أو اختفائها، وهذه نتيجة منطقية لحكم الفرد، ودكتاتورية القرار، وغياب الشراكة السياسية، ومحاربة الديمقراطية وحرية الرأي.
التطبيع هو سلاح الأنظمة العربية الأخير للاحتفاظ بالسلطة، وقد كشفت عن عورتها السياسية دون حياء، وقالت كلمتها بلا وجل، وتركت للجماهير العربية أن تحدد موقفها، فإما القبول، واستمراء الخنوع، واستئناف الصمت، وإما الرفض بعالي الصوت، وطلب الحرية من حكم الطغاة كمقدمة للعمل على حرية الأوطان ومستقبل الإنسان.

 كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    كلامك صحيح استاذ ابو شمالة ولكن عتبنا نحن الشعوب العربية الرافضة للتطبيع على الفلسطينيين انفسهم. ألم يدعموا المجرم ابن المجرم بشار الكيماوي ضد شعب سوريا البطل وهناك الى الان من يقوم بقتل السوريين من الفلسطينيين المنضوين تحت جناج الديكتاتور الدموي، الم تلجأ الديمقراطية والشعبية وحتى الجهاد الاسلامي الى دمشق واليوم الانقسام الفلسطيني المؤلم الذي لا يجد حلا للمصالحة والتوحد في وجه الكيان المغتصب..

اشترك في قائمتنا البريدية