يكثر الحديث اليوم عن التجربة التركية الإسلامية في الحكم، التي برهنت على نجاحها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي بشكل مثير للدهشة، خصوصاً أن هذا يحدث في دولة ترسخت فيها العلمانية وسيطرت على العنصرين المادي والإنساني منذ أكثر من تسعة عقود من الزمن، منذ أن قام مصطفى كمال أتاتورك بتبني العلمانية عام 1923 كثقافة جديدة للشعب التركي، وجعل الجيش حارسها الذي لا ينام، وبذلك أصبحت القوة التي لا ينازعها أحد في السلطة وإدارة شؤون البلاد، فضلا عما أحدثته من مسخ واستئصال للهويتين الثقافية والدينية في أوساط المجتمع التركي حتى صار غالبيته لا يعرف من الدين إلا الاسم ولا يعي ما جاوز ذلك. وفي مجتمع متشبع بالفكر العلماني، بدأت تنظيمات إسلامية بالبروز على الساحة السياسية، وبعد عام واحد من تأسيس حزب العدالة والتنمية تمكن هذا الحزب الوليد من خلال الاحتكاك المباشر بالشعب وبوعوده الاقتصادية والتنمـــــوية، كسب ثــــقة الجماهير ومن ثم تشكيل الحكومة منفرداً، عند ذلك توجب عليه أن يفي للشعب ما وعد ،ولقد فعل وزاد عما وعد به حتى غـــــدا الاقتصاد التركي من أكبر الاقتصادات في الشرق الاوسط، وثاني أسرع دولة عالمياً في معدل النمو الاقتصادي. ولكن السؤال هنا كيف استتب الأمر لقيادة العدالة والتنمــــــية لتحقيق هذا ما داموا ينتمون إلى تيار إسلامي وفي بلد علماني يمتلك الجيش قراره الأول والأخير، إذا ما قال كلمته وأغلق بدباباته شوارع أنقرة؟ بعد فوز العدالة والتنمية بالتأييد الشعبي لم يستمر في الاحتكام لقوانين المعارضة العلمانية، وإن بدا ذلك كمظلة تمويهية لتدمير أركانها واقتلاع جذورها الضاربة في عمق المجتمع. من خلال هذا أثبت الحزب أنه جاء برؤية واضحة لبلده وسيبذل كل جهوده ويسخر كل القوى في سبيل تحقيق ما جاء من أجله، بل صرح أردوغان رئيس الوزراء، أن على المعارضة التعاون في سبيل إنجاح مشروعه وتحقيق النهضة وإلا فيجب عليها التزام الصمت وعدم القيام بأي تصرف من شأنه تقويض الأمن وتهديد قيم الديمقراطية، وإلا فالجزاء لن يكون بسيطاً إزاء أي سلوك ضد ذلك. ورغم التحديات الكبرى التي واجهوها وكان أشدها محاولتين للقيام بانقلاب عسكري ضد حكومة أردوغان، لكنه كان في كل مرة يتعامل مع الأزمات والخطر المحدق به بحنكة سياسية فذة، حيث لا يبدو أنه ضد العلمانية بشكل كامل، ولكنه لا يبدي انصياعه لها ولا يقبل أي شروط تضعها المعارضة على الحكومة، ولا يقبل الحوار معها ما دام أنه جاء بإراة شعبية وفق انتخابات حرة، بل عمل على تقويض المحكمة الدستورية وتقليص نفوذها حتى أمن جانب العسكر. ومنذ عام 2003 بدأ أردوغان بتدمير كيان العلمانية والتقليص من نفوذ الجيش، وهو في كل خطوة يتخذها في هذا الصدد يطيل في عمر حكومته ويضمن لها فترة جديدة في الحكم. ومما شد انتباهي في السياسة التي اتبعها لمواجهة الوجود العلماني هو عدم الانصياع يوماً لأي قرار أو شرط أو مقترح تتقدم به المعارضة ما دام لا يتوافق مع مشروعه الذي جاء من أجله. وهو بهذا يبرهن على صفات الحاكم القوي الحازم الجريء في اتخاذ القرار وتطبيقه رغم كل المعارضين الذين لم يمنحهم الشعب ثقته. أما من ناحية العلاقات الخارجية فقد ضرب لنا أردوغان أروع الأمثلة في التعامل مع القوى الكبرى التي لم تكن يوماً راضية على فوزه ولا تقــــبل التعامل مع أي حزب يحمل مشروعا إسلاميا نهضويا، ولكنه بصلابة مواقفه وحنكته السياسية مع معارضي الداخل أقنع معارضي الخارج بأنه جاء ليـــــبقى، فلم يجد البيت الأبيـــض بُداً من التصريح بأن النظام القائم في تركيا يعتبر حالة استثناء ويمكن التعايش معه. ويظهر هذا التعايش من خلال زيارة الرئيس أوباما لتركيا عند فوزه بانتخابات الفترة الأولى، وما أعقب تلك الزيارة من زيارات أخرى لأنقرة. خلال التظاهرات الأخيرة في تركيا التي أيدتها الخارجية الأمريكية بعد أربع ساعات فقط من بدئها وحذرت الحكومة من قمع المتظاهرين، أي بمعنى (دعوهم يسقطونكم وإلا فنحن ضدكم) ولكن الأمر في تركيا مختلف عما هو في دول الربيع العربي، فلم تبد الحكومة التركية أي اهتمام لتصريحات الإدارة الأمريكية، بل قامت بحفظ الأمن وإظهار هيبة الدولة من خلال تفريق المتظاهرين بالطرق المناسبة. أما في التعامل مع إسرائيل فقد أصبح معروفاً للجميع مدى توتر العلاقات بين الطرفين، فدوما ما يتحدث أردوغان بلهجة شديدة الحدة تجاه أي تصرف إرهابي تقوم به إسرائيل، بل ويثبت ما يقوله واقعاً على الأرض كتجهيزه لسفينة الحرية ودفاعه المستميت عن غزة في مؤتمر دافوس وتصريحه الأخير بقوله ان إسرائيل كان لها دور محوري في دعم الانقلاب العسكري في مصر. بحكم إقامتي في تركيا سنحت لي الفرصة في التعرف على كثير من الوسائل والطرق التي تتبعها الحكومة تجاه معارضيها في حالة قيامهم بأي تصرف مشبوه تجاه الدولة، ومن تلك الوسائل الغرامة المالية المضاعفة على من ثبتت إدانته، والتشهير الإعلامي، وإجبار المتهم على الاعتذار رسمياً على القنوات الفضائية التركية، أما إذا وجد أي شخص ينسق للقيام بعملية كبيرة ضد الحكومة كالقيام بانقلاب عسكري فسيكون السجن باستقباله، كما حدث للجنرال ايلر باشبوغ وثلاثة من أعضاء المعارضة في البرلمان. نعـم، إن الأمر بحــــاجة إلى شيء من الجدية والحزم والجــــــرأة في إثبات قوة الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمـــــة أمــــام كل من يريد الالتفاف على الشرعية الشعبية وتقويض مبدأ الديمقراطية وتدمير أسس التداول السلمي للسلطة، ومن ناحية أخرى تعزيز النشاط الاقتصادي للبلد ورفع مستوى معيشة الفرد، عند ذلك تكون الدولة قد قضت على عوامل الانهيار وضمنت لنفسها أسباب البقاء.
وهل نجحت الديموقراطية التركية فعلا وهي تهمش الاكراد والارمن
الديموقراطية الحقيقية تمثل كل الشعب ولها معارضة برلمانية والديموقراطية المشوهة لها معارضة مسلحة-حزب العمال الكردستاني وعلى العرب النظر ابعد من تركيا الى الهند والبرازيل
وهل نجحت الديموقراطية التركية فعلا وهي تهمش الاكراد والارمن
الديموقراطية الحقيقية تمثل كل الشعب ولها معارضة برلمانية والديموقراطية المشوهة لها معارضة مسلحة-حزب العمال الكردستاني وعلى العرب النظر ابعد من تركيا الى الهند والبرازيل