لماذا نمُنع من الخروج في مسيرات تضامن مع غزة في الجزائر؟

حجم الخط
34

احتفل الجزائريون هذا الأسبوع بالذكرى التاسعة والستين لذكرى اندلاع ثورة نوفمبر، في جو طغى عليه ما يحصل من عدوان إسرائيلي على غزة. ميزته الأساسية تقلص جو الحريات في بلدهم، وصل إلى حد لم يُسمح فيه للجزائريين بالتعبير الحر عن تضامنهم مع إخوانهم في فلسطين في الشارع، عبر مسيرات مرخصة، باستثناء مرة واحدة. كما فعل الكثير من شعوب العالم في أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية، التي لم يمنعها حكامها من التعبير عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حرب إبادة منذ حوالي الشهر.
الموقف الرسمي الرافض للمسيرات التضامنية مع غزة في الجزائر، الذي يجب فهمه في إطار سياق أوسع يمر به البلد، منذ توقف مسيرات الحراك، المتسم بالخوف الرسمي من أي تحرك شعبي، يمكن أن يحيد عن إطاره المعلن، في اتجاه مواقف نقدية للأوضاع السياسية القائمة، في بلد ما زال الشارع فيه من دون تأطير سياسي وحزبي، يمكن أن يتحول بسرعة إلى تبني مواقف نقدية للأوضاع السياسية القائمة، كما حصل في أكثر من محطة تاريخية قريبة، وهو ما يفسر قرار منع البطولة الوطنية لكرة القدم، الذي اتخذته هذا الشهر السلطات لفترة قصيرة، لتعود وتسمح بها من دون جمهور! في بلد تحولت فيه ملاعب كرة القدم أسبوعيا إلى أكبر تجمع للمعارضة الشعبية، لكل ما هو رسمي، رجالا ومؤسسات وخطابا.
في وقت هدأت فيه المساجد ولم تعد ذلك المحرك الذي عرفته الجزائر خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، بعد تمكن بيروقراطية الشؤون الدينية من فرض سيطرتها عليها، وإبعاد كل التيارات المعارضة عن الفضاء الديني، الذي فقد الكثير من حيويته المعروف بها في العقود السابقة، نتيجة الهزيمة التي منيت بها الحركات الإسلامية الجذرية التي كانت تسيطر على الفضاء الديني في الجزائر، بما فيها مؤسسة المسجد.

الشارع ما زال بعيد المنال عن الجزائريين كمكان للتعبير عن مواقفهم السياسية والإنسانية حتى وهم يشاهدون يوميا كيف يتم ذبح الشعب الفلسطيني في غزة على المباشر

يحصل هذا المنع في الجزائر، في وقت ما زالت شعوب كثيرة تخرج للتعبير عن تضامنها مع هذه القضية العادلة، فقد خرجت الشعوب في عواصم الدول المؤيدة للعدوان على غزة، كما هو حاصل في دول أوروبا الغربية وأمريكا التي عادت فيها الحيوية إلى الشارع بقوة، تشبه ما كان حاضرا أثناء حرب فيتنام، التي كانت وراءها حركات اجتماعية فعالة، يقودها طلبة الجامعات والفئات الوسطى الحضرية المتعلمة، استمرت حاضرة لغاية السبعينيات لكي تتوسع وتأخذ مناحي ثقافية وفنية أثرت في أجيال كاملة، على أكثر من صعيد. كما خرجت الشعوب في دول التطبيع العربي، كما حصل في الكثير من المدن المغربية، التي عبرت عن ابتعادها عن الموقف الرسمي المطبع. الشيء نفسه وأكثر ربما الذي حصل في الأردن الذي يمكن أن يأخذ فيه الحراك المعادي للعدوان الإسرائيلي أبعادا أخطر، نتيجة حساسية مكانة الأردن كدولة ومجتمع، بكل السيناريوهات السياسية التي يمكن أن تتطور نحوها الأمور، من دون أن يحصل التأثير المطلوب في الموقف الرسمي، بقطع العلاقات مع إسرائيل التي تطالب به الشعوب في هذه البلدان. ليبقى الموقف الشعبي العربي في الدول الأخرى متفاوتا وأقل بكثير مما هو مطلوب حتى يكون في مستوى لحظة «طوفان الأقصى» النوعية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر الماضي، ومستمرة لغاية اليوم. حتى في الدول التي لم تمنع حكوماتها المواطنين من التعبير عن تضامنهم في الشارع، كما كان الحال في الدوحة والعراق وتونس التي استعادت الساحة السياسية فيها وحدتها، ليبقى غياب المواطن هو سيد الموقف كما هو حاصل في دول الخليج ومصر، التي تمنع فيها أنظمتها السياسية كل حركة جماهيرية في الشارع للتضامن مع الشعب الفلسطيني وهو يتعرض إلى مجزرة حقيقية.. لنكون امام أشكال تعبير شعبية قوية في الدول الغربية شارك فيها بقوة المهاجرون من الدول العربية والإسلامية هذه المرة، كما يحصل بشكل منتظم في باريس ولندن ومدريد وواشنطن، وغيرها من العواصم الغربية التي يتمتع فيها المقيم والمواطن بحرية التعبير عن الرأي، تسمح له بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، رغم كل العراقيل التي وضعتها النخب الرسمية المؤيدة للعدوان على هذه الحركات الشعبية القوية، التي يمكن أن تكون أكثر قوة في المستقبل، إذا ما عرفنا كيف نلتقي معها حول قضايانا التي تأتي على رأسها القضية الفلسطينية التي تملك الكثير من المساندين بين أبناء هذه الشعوب حتى بعد الضعف الذي اعترى قوى اليسار والتيارات المؤيدة للعالم الثالث داخل هذه المجتمعات، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبروز قوى اليمين المحافظ، كما عبرت عنها الثاتشيرية والريغانية في حينها.
تأييد القضية الفلسطينية نجده أكثر حضورا في بعض دول أمريكا اللاتينية، ولا يفسر فقط بحضور المهاجرين من أصل عربي وفلسطيني في هذه الدول، كما هو حال تشيلي التي سحبت سفيرها من إسرائيل، بل بمواقف متقدمة تقليدية لدى هذه الشعوب القريبة سياسيا من قضايا التحرر في العالم، عبّر عنها أبناء هذه الدول على الدوام. تم تجسيدها هذه المرة بقطع العلاقات مع إسرائيل كما فعلت بوليفيا. وسحب السفراء في تشيلي وكولومبيا، وهي القرارات التي تجد حكومات عربية صعوبات في اتخاذ ما يشبهها لحد الآن رغم ضغط الشارع.. الشارع الذي ما زال بعيد المنال عن الجزائريين كمكان للتعبير عن مواقفهم السياسية والإنسانية حتى وهم يشاهدون يوميا كيف يتم ذبح الشعب الفلسطيني في غزة على المباشر، نتيجة ضعفهم على تنظيم أنفسهم بشكل مستقل للدفاع عن قضاياهم الوطنية والدولية، بما فيها القضية الفلسطينية، وضع كرّسه النظام السياسي وتبناه بقوة الإعلام الرسمي والنخب السياسية التي تدعمه وتقف وراءه، لدفع الجزائريين، للاكتفاء بالموقف الرسمي الجزائري المؤيد للقضية الفلسطينية، الذي يمكن أن تدعمه هذه المسيرات الشعبية وتعطيه شرعية أكبر على المستوى الدولي، كجزء من الرأي العام الدولي المؤيد للقضية الفلسطينية، كما أنه موقف يتناسى دور التعبير الحر للمواطنين وحريتهم في تبني القضايا العادلة كجزء من ممارسة مواطنية شاملة، لا فصل فيها بين القضايا الوطنية والدولية، لأن الإنسان الحر في بلده هو وحده الذي يمكن أن يتضامن ويدافع عن حريات الآخرين.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    لماذا نمُنع من الخروج في مسيرات تضامن مع غزة في الجزائر !!!؟؟؟
    تساؤل السالف وجيه ويستوجب الرد عليه:
    لآ أظن أحد يجهل أن حدود الجزائر مع الصحراء الغربية والنيجر ومالي وليبيا على صفيح ساخن، والمؤامرات الأجنبية التي تحاك ضدها، لا تخفى على عاقل، والمتربصين من الداخل ينتظرو أي فرصة أو مناسبة لإثارة الفتنة، وقد نشرت بعض وسائل الإعلام تفاصيل بعضها، يجعل من باب الحيطة منع المسيرات، لسحب البساط من تحت أعدائها والمتربصين بها.
    بدليل أن المسيرات العفوية في عديدة المدن التي سبق وأن أقر بها الكاتب نفسه والمسيرات التي دعا إليها النظام وهذا أيضا لم يحصل في أي بلد، استغلهن الخبارجية وعملاء الغرب والكيان لصرفهم عن غزة إلى مواضيع جانبية.
    وقد نشروا فيديوهات من حركى الحرالك ونسبوها إلى مسيرات دعم غزة.
    والمواقف والإجراءات التي أتخذتها الجزائر منذ 7 أكتوبر بطلب من السلطة نفسها أو بمبادرة من الأحزاب أو المواطنين، لا تجعل عاقل يشكك في موقف الجزائريين لمجرد منع مؤقت ومحدود للمسيرات.

    1. يقول Nacer:

      تبريرات واهية .

    2. يقول dina:

      ابشع شئ هو تبرير الظلم والحيف. قل خيرا او التزم الصمت

    3. يقول غزاوي:

      حق الرد إلى Nacer و dina
      مجرد تساؤل.
      لماذا نمُنع من الخروج في مسيرات تضامن مع غزة في الجزائر !!!؟؟؟
      تساؤل السالف وجيه ويستوجب الرد عليه:
      في اجتماع مع المجتمع المدني في الجلفة يوم:، قال تبون ما نصه:
      “الفلسطينيين ليسوا اراهبيين، ولم يكونوا إرهابيين ومن يدافع على أرضع لتحريرها ليس إرهابيا، وما يقع في غزة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كاملة الأركان” انتهى الاقتباس والإفلاس.
      كما سبق له أن أعلن لوسائل إعلام محلية ما نصه:
      “القضية الفلسطينية، مقدسة بالسب للشعب والجيش والحكومة” انتهى الاقتباس.
      هذا الكلام لم ولن يجرؤ عليه أحد، وعندما يأتي من أعلى هرم السلطة الرسمية وعلنا فهو أقوى من مسيرات كل العرب، كونها مجرد غطاء اختبأ ورأه المطبعون والذين يريدون وأد القضاء الفلسطينية بالقضاء على حماس، كما صرح بذلك أبو مرزوق ودنيس روس.
      وأسألوا الفلسطينيين والصهاينة والمعلقين المحايدين يأتوكم بالخبر اليقين
      والعالم أجمع بإنسه وجنه، والصهاينة أولهم، والله فوقهم، يعلمون أن أبغض الناس إلى الجزائريين شعبا وجيشا وحكومة هم الصهاينة، والفلسطينيون يعلمون أنهم أحب الناس إليهم.

  2. يقول م/ب اولاد براهيم:

    لا ادري من اى بقعة من الجزائر. يتحدث الاستاذ جابي ؟ هل من مدينة الجزائر العاصمة مقر سكناه والارض التي احتضنت والده شهيدا.؟ ام من ووهران حيث اسكن انا.؟ ان كان من الجزائر ولم ير ويشارك في تلك الحشود الجارفة والمتلاطمة والصادعة حناجرها وهي تجوب الشوارع الرئيسة بالعاصمة وتيفو علم فلسطين يمتد فوق الرؤوس على مسافة عدة كلم … فاللوم ليس على النظام . ولكن على الذي لم يشارك

    1. يقول دريد:

      من الأفضلللشعب والحد\كومة في الجزائر عدم الخلط بين قضية فلسطين وبين فضية الديمقراطية بشقيها السياسي ةالاجتماعيلا مع تقديريى

  3. يقول ايلي عبيقة:

    لم يسمح سوى بمظاهرة واحدة يتيمة تحت الإشراف الصارم للسلطات والأجهزة الأمنية بينما هناك عشرات المظاهرات والمسيرات المليونية في الجوار ومئات المظاهرات في العالم. والعجيب أن البلدان التي تم منع التظاهر فيها هي الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية.

  4. يقول م/ب اولاد براهيم:

    نقلا وبكل امانة عن احد المنظرين المغاربة …
    أعتقد أن الأمر يتعلق بردة فعل أما اتفاق صلح سري يكون قد وقعه المغرب و فرنسا قبل الأيام وقد تم تسريبه للجزائر من خلال أحد أجنحة المخابرات الفرنسية, مما دفع بها إلى إعادة سفيرها في مدريد على عجل لكي لا تكون في وضعية المعزولة إقليميا, هذا الاتفاق تلتزم فيه فرنسا بالوضوح و الامتناع عن التآمر ضد مصالح المغرب و احرام مناطق النفوذ المغربية في غرب إفريقيا. وقد ظهرت معالم هذا الاتفاق جليا من خلال الموقف المتقدم لممثل فرنسا في مجلس الأمن الذي أكد فيه ليس فقط تأييد حكومة بلده للحكم الذاتي تحت سيادة المغرب كحل وحيد لقضية الصحراء الغربية, بل و دعت المغرب للبدء في تطبيق هذا الحل دون انتظار الأطراف الأخرى, كما أكدت على ماهية هذه القضية كنزاع اقليمي ودعوتها لعقد الموائد المستديرة التي تضم الجزائر للوصول لحل نهائي للصراع بينها و بين المغرب.

  5. يقول لاعق اليد:

    المطبعون مستقبلي قاتلي الاطفال بالزغاريد و الرقص آخر من يتكلم عن التظاهرات المساندة لغزة

    1. يقول عبد الرحيم المغربي.:

      في المغرب نستقبل سنوياً أبناء غزة والقدس لقضاء العطلة السنوية ببننا معززين مكرمين…وكان لي شرف المساهمة في هذه العملية لمدة طويلة في هذه العملية التي انطلقت منذ مرحلة انتفاضة الحجارة…واليوم لاتخلو مدينة أو قرية أو شارع في المغرب من مظاهرات الدعم لفلسطين… بينما يمنع البعض حتى من الاحتجاج خلف أبواب ببوتهم بعدما منعت المظاهرات واغلقت ملاعب الكرة خوفا من حراك جديد..

  6. يقول عادل:

    لو أراد الجزائريون التحرك والمظاهرات ضد النظام لمى استطاع احد الوقوف في وجوههم لكنهم راضيين بالنظام والحمد لله كل شيء على ما يرام

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية