لماذا يتأخر الإصلاح السياسي في الجزائر؟

حجم الخط
17

في وقت يحتفل فيه الجزائريون، مثل بقية بلدان العالم بنهاية سنة جديدة وبداية أخرى، عرفت تنظيم انتخابات رئاسية مغلقة، تم فيها إهدار فرصة، مهما كانت ضئيلة للإصلاح السياسي، عاد هذا السؤال المتعلق بتأخير الإصلاح السياسي بقوة لدى بعض الجزائريين، وهم يستمعون لما سمي بقرارات العفو والتهدئة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في غير وقتها المعتاد، ارتبطت بنهاية السنة، بدل الأعياد الوطنية أو الدينية المعتادة..
وفي جو ساده الكثير من الغموض حول المستفيدين من هذه الإجراءات المفاجئة، الذين لم يتعرف عليهم الرأي العام الوطني، بعد أسبوع من الإعلان عنها، والتي قيل حول توقيتها الكثير لتفسيرها، ربطت بإمكانية أن تكون لها علاقة بإعلان العفو عن الروائي الفرنكوجزائري بوعلام صنصال، وقد تكون الجزائر قد تعرضت إلى ضغوط جدية لإطلاق سراحه، من قبل الطرف الفرنسي الذي ساءت العلاقة معه بشكل واضح. ليتم حسب هذا السيناريو الإعلان عن هذا العفو في هذا الوقت الغريب، تعبيرا عن الورطة التي وجدت الجزائر نفسها فيها، وكان قد نبه لها أكثر من طرف في الجزائر والخارج، عند الإعلان عن توقيف الرجل الذي تشير معطيات غير مؤكدة إلى إمكانية استفادته فعلا من العفو.

تملك الجزائر مؤهلات فعلية للانطلاق لمواكبة التحولات الدولية، إذا عرفت كيف تتكيف مع مطالب شعبها، بالتغيير السلمي، الذي يجب أن لا يتأخر، لأن مصلحة البلد تقتضي ذلك، قبل فوات الأوان

عفو شمل حوالي 2471 سجينا، لم يمنع من استمرار الاعتقالات في الوقت نفسه. تكلم عنه بعض المهتمين بحقوق الإنسان من الجزائريين المقيمين في الخارج، الذين فرض عليهم العيش في بلاد الغربة، بعد تعرضهم للكثير من المضايقات نتيجة اهتمامهم بهذا الملف الحقوقي، الذي تقلّ حوله المعطيات ويتحسس منه الطرف الرسمي بشكل مفرط، ينظر إليه في الغالب كشكل من أشكال التدخل الأجنبي المرفوض. في جو تعيشه الجزائر في الفترة الأخيرة، تميز بالكثير من التشنج السياسي، إثر انطلاق حملة لطرح مسـألة الحريات السياسية عبر وسم -هاشتاغ ـ مانيش راضي -على الوسائط الاجتماعية كوسيلة احتجاج شعبي، ردت عليها أطراف مؤيدة للأوضاع القائمة في البلد بوسم مقابل (أنا مع بلادي).
جدل تدخل فيه رئيس الجمهورية شخصيا عبر خطاب عام للقول، إن الجزائر أكبر من ان يفترسها هشتاغ. تم ربطه بالمغرب، كما جرت العادة عند الطرف الرسمي الجزائري في المدة الأخيرة. في هذه الفترة التي تمر فيها العلاقات المغربية -الجزائرية بأسوأ مراحلها منذ استقلال البلدين.
يحصل كل هذا الجدل في وقت يتم فيها الابتعاد عن التطرق لقضايا البلد الجدية، التي تؤكد أن الجزائر في حاجة الى إصلاحات سياسية عميقة، تعثرت بعد محاولات غير موفقة، مثلما حصل في بداية التسعينيات مع تلك الإصلاحات التي باشرتها حكومة حمروش، يتحمل الإسلام السياسي الجذري مسؤوليات أكيدة في إجهاضها، زيادة على الطريقة الفوقية التي طبقت بها، في جو اقتصادي واجتماعي اكثر من سيئ، لم يسهل عمل هذه الحكومة التي أنجزت، رغم ذلك الكثير من الإصلاحات التي عاش عليها النظام السياسي لسنوات، مست أكثر من قطاع، على غرار الإعلام والحريات النقابية والاضراب والبنوك.
لنكون في المرة الثانية أمام إصلاحات لم تنطلق أصلا في 2019 طالب بها الحراك الشعبي، كما عبر عنه ملايين الجزائريين في مسيراتهم الأسبوعية التي استمرت لسنتين كاملتين، تم التركيز فيها على البعد السياسي، فشلت هي الأخرى بفعل تعنت الطرف الرسمي، الذي أهدر فرصة كبيرة أمام الجزائر والجزائريين، كان يمكن أن تحل الكثير من المشاكل التي يتخبط فيها نظامهم السياسي، وتبين لهم مع الوقت أنه يستعصي على الإصلاح ويقاومه بشتى الطرق. مشاريع إصلاحات أجهضت، أو لم تر أصلا النور، بينت للجزائريين أن مشاكلهم ليست سياسية فقط كما يتوهم بعضهم، بل هي اقتصادية واجتماعية وثقافية ذات عمق تاريخي مرتبطة بهيكلة المجتمع، وتاريخ مؤسساته السياسية المركزية المعطلة، كما هو حال البرلمان والحزب السياسي والانتخابات، التي لم تساعد على حل هذه المعضلات السياسية، والتي تبين مع الوقت أنها تتطلب النفس الطويل وتعاون كل الأطراف بما فيها الطرف الرسمي، الذي ما زال يرفض الإصلاح حتى الآن، كما بينه أثناء الحراك، نتيجة لما يميز التسيير السياسي من خصائص، كذلك الفرق الموجود بين صاحب القرار العسكري ـ الأمني الفعلي الذي لا يتحمل نتائج قراراته السياسية، يتركها في الغالب للطرف المدني -الواجهة ـ الذي يتم تغييره كل مرة عبر تحوير في الإطار القانوني والدستوري والانتخابات، لإقناع المواطن أنه أمام تغيير، سرعان ما يكتشف أنه سراب، يزيد في منسوب الغموض الذي يكتنف صناعة واتخاذ القرار الرسمي في البلد.
طرف المعادلة الآخر المتمثل في الطرف المجتمعي لا يخلو هو الآخر من علامات الضعف، تجعله يتحمل جزءا ليس بالبسيط من المسؤولية في عدم انطلاق الإصلاحات السياسية، كما حصل بمناسبة الحراك الشعبي على سبيل المثال، الذي بين للملأ أن المواطن المتذمر و»الزعفان» يتوقف دوره في الغالب عند محطة التعبير والاحتجاج، لأنه لا يملك وسائل التغيير وبناء الجديد المطلوب، اعتمادا على آليات يتم التفاوض والصراع حولها بين نخب ممثلة، تستطيع المجاهرة بمشاريع قابلة للتطبيق على الأرض، تقدم للمواطن، ليتسنى له الاختيار بينها بكل شفافية، عبر انتخابات ذات مصداقية. في وقت زاد فيه الضغط على النظام السياسي الجزائري من الخارج، زيادة على الضغط الداخلي الذي أظهر من خلاله هذا النظام، أنه كان بعيدا عن التكيف مع التحولات الديموغرافية، الثقافية السياسية السريعة التي باشرتها الدولة الوطنية نفسها، ليفشل النظام في التكيف معها، كما يظهره تعامله مع النخب العلمية الشابة المُهجرة عنوة نحو الخارج وتسييره البيروقراطي لما تبقى منها داخل البلد، بكل ما تحيل إليه سياسته البلهاء في التعامل مع الشباب، الذين يكونون أغلبية المجتمع، ليس في المجال السياسي فقط، بل في مجالات الثقافة والترفيه، كما تبينه صورة ولاة الجمهورية وهم يلاحقون زجاجات البيرة الفارغة في بلعباس وتيارت. التعبير نفسه عن الفشل في التكيف بالسرعة المطلوبة مع المتغيرات الدولية، التي تكاد ترسخ الصورة التي يقدم بها الإعلام الدولي النظام السياسي الجزائري، كنظام من بقايا فترة الحرب الباردة، يحكمه شيوخ في مجتمع شاب، كما كان الحال مع العم برجينيف وبودغورني، في الاتحاد السوفييتي القديم، لمن ما زال يتذكر أسماءهم.. في وقت تملك فيه الجزائر مؤهلات فعلية للانطلاق لمواكبة التحولات الدولية إذا عرفت كيف تتكيف وبسرعة مع مطالب شعبها، الذي ما زال لحد الساعة، ونحن على أبواب سنة جديدة، يطالب بالتغيير السلمي، الذي يجب أن لا يتأخر أكثر مما تأخر، لأن مصلحة البلد تقتضي ذلك، قبل فوات الأوان.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ahmed:

    أي اصلاح تريده

  2. يقول جمال:

    إن تحميل الإسلام والإسلاميين مسؤولية “الحرب القذرة ” وفشل التغيير ارساء دولة القانون لظلم ما بعده ظلم ، ان ذنب الإسلاميين الوحيد أنهم أنشأوا حزبا وأحبهم الشعب وصوت لهم ، ولكن بما ان الفيصل كان ومازال الحكم لصندوق الذخيرة وليس صندوق الانتخابات فإن النتيجة كما ترى

  3. يقول عادل:

    الجزائر بخير وعلى خير وستدخل الإصلاحات الحقيقية السنة القادمة ،السيد تبون هو الحاكم الحقيقي وليس العسكر باعتراف فرنسا نفسها

  4. يقول عبد الله ب.:

    لو تحلى المسؤولون والنخب الجزائريون بالصدق حقيقة، لو كانوا محبين حقيقة لبلدهم لركزوا على الأزمات الداخلية ولعملوا على اجتثاثها بمحاربة الفساد والظلم، ولو ابتعدوا عن سياسة الكذب والافتراء وتغطية الشمس بالغربال لكان خيرا لهم وللمنطقة ككل، إذ أن تعطيل عجلة التنمية ببلدان المغرب العربي سببها الجزائر بنسبة تفوق 90%
    المؤكد أن الجزائر لا ينقصها الرجال ولا النساء الأكفاء، ولا تنقصها الوطنية الصادقة، ولا تنقصها العقول النافعة.. هذا مما لا شك فيه، لكن للأسف الممسكون بزمام السلطة والقرار والمتكلمون وبعض الكتاب (…) يسيرون بالبلد وبأهل البلد نحو المجهول بمغالطات لم تعد تنطوي إلا على السذج (!) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

  5. يقول العربي الحر ابن الشهداء:

    الجزائر بخير والحمد لله ولا مش عاجبكم الحال الفتنة ناءمة لعن الله من ايقضها

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية