لماذا ينهار العالم العربي تباعاً؟

ما إن تبدأ بالحديث عن الانهيارات العربية المتتالية، حتى تطل لعبة «الفوضى الخلاقة» برأسها، فالكثيرون يعتبرون أن كل ما يجري في المنطقة تنفيذ حرفي للمخطط الأمريكي الشهير الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة غوندوليزا رايس على رؤوس الأشهاد قبل سنوات وسنوات. لكن لماذا دائماً نصور أنفسنا نحن من يسمون بالعرب كضحايا للمؤامرات، وكألاعيب في أيدي ضباع العالم الكبار والصغار؟ أليس لدينا أنظمة وحكومات وحكام ونخب كان يجب عليها أن تتصدى لكل الأيدي والمشاريع الخارجية العابثة بأوطاننا وشعوبنا، لو كانت وطنية فعلاً؟ لماذا نرى حتى هذه اللحظة العديد من الأنظمة وقوى المعارضة والنخب السياسية والثقافية والإعلامية المسماة (عربية) وهي تقدم أنفسها بكل سرور للخارج كي يلعب بها ويستخدمها كمناديل ورقية ثم يلقي بها في سلة الزبالة؟ دلوني على بلد عربي انهار أو في طريقة إلى الانهيار إلا وقد لعب الداخل دوراً محورياً فيما وصلنا إليه من خراب ودمار وانهيار على كل الأصعدة؟
ولو أخذنا أسوأ مثال عربي حتى الآن، ألا وهو المثال السوري، لوجدنا أن القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، التي باتت تعبث بسوريا على كل الأصعدة، لم يكن لها أن تتغلغل في النسيج السوري وتتحكم به وتجيّره لصالحها، لولا أن النظام قدم نفسه ومعه البلد بأكمله للغزاة والمحتلين على طبق من ذهب. هل بقي هناك أي شك بأن النظام باع سوريا كي يحمي عرشه الضعيف، ثم انتهى به الأمر متوسلاً على أبواب الإيرانيين والروس والعرب والأتراك والأمريكيين؟ ثم ماذا بقي للنظام من سلطات أصلاً داخل سوريا بعد أن باتت إيران وغيرها من القوى الإقليمية والدولية تحكم قبضتها على كل مفاصل ما يسمى بالدولة السورية؟ باختصار، فلولا العمالة الداخلية وارتهان النظام وبقية قوى المعارضة السورية للخارج بأشكالها كافة، لما انهارت سوريا على هذا النحو الخطير.
وما ينطبق على سوريا ينسحب على العراق، فالطبقة السياسية هناك مثلها مثل جارتها السورية ليست أكثر من عتلة في أيدي الإيراني وسيده الأمريكي، وليس لها لا حول ولا قوة ولا رغبة في منع الانهيار العراقي على كل الصعد، بل تحولت إلى مجرد سماسرة ومرتزقة في خدمة الغزاة والمحتلين. وكذلك الأمر في لبنان الذي تحول من سويسرا الشرق إلى أكبر مزبلة في الشرق الأوسط، وصار مضرباً للمثل في الفساد والارتهان والخراب والسمسرة للخارج. وحدث ولا حرج عن اليمن الذي أيضاً باعته القوى اليمنية المتصارعة لرعاتها في الخارج، وصارت مجرد أداة لتنفيذ مشاريع الإيراني ومنافسيه. وقد وصفت مجلة تايم الأمريكية المرتزقة اليمنيين بأنهم أرخص مرتزقة في العالم.

كارثة ما يسمى بالعالم العربي الذي يتجه سريعاً نحو الحضيض لا تكمن فقط في تكالب القوى الكبرى عليه، بل لأن غالبية الأنظمة العربية لم تستقل مطلقاً، إنما كانت منذ الاستقلال المزعوم وحتى الآن مجرد مرتزقة ووكلاء للكفيل الخارجي

ولو ذهبنا إلى السودان سنرى أن قوى الداخل المتمثلة هنا في العسكر هي التي أوصلت البلاد والعباد إلى حافة الهاوية خدمة لداعميها في الخارج. لا أحد يقول لي إن هذا المسمى (حميدتي) يقاتل من أجل الشعب السوداني، بل هو كما بات معروفاً لأصغر طفل سوداني مجرد أداة في أيدي الطامعين بثروات السودان. ولا نبرئ هنا الجيش السوداني، فهو بدوره يشارك في تخريب السودان وتفتيته وتجويعه وانهياره وتشريد شعبه خدمة لكل المتربصين بالبلاد. ولو كان صادقاً في إيصال البلد إلى بر الأمان، لكان طبّق مطالب الثورة السودانية، ولما صادرها كي يبقى جاثماً على صدر الشعب.
وهل يختلف الأمر في ليبيا التي غدا حكامها وطبقاتها السياسية أيضاً عبارة عن دمى يحركها المتصارعون على ليبيا من الخارج، بينما تنتقل البلاد من سيئ إلى أسوأ؟
لماذا وصلت تونس بدورها إلى هنا؟ ماذا فعل قيس سعيد وزمرته منذ أن انقلبوا على السلطة منذ أشهر وأشهر؟ ألا يتدهور الوضع في البلاد تباعاً على كل الأصعدة وخاصة المعيشية؟ هل جاء سعيد لإنقاذ تونس فعلاً، أم إنه كبقية الأنظمة العربية المنهارة يسمسر لداعميه في الخارج، وهو المسؤول عن تفاقم الوضع لصالح مشغليه؟
لماذا ينهار الوضع الاقتصادي في مصر أيضاً؟ من المسؤول العامل الخارجي أم الداخلي؟ والقادم أعظم.
ماذا حقق النظام الجزائري للجزائريين بعد ثورتهم؟ هل يعقل أن السميد والزيت صار الشغل الشاغل لشرائح كبيرة في البلاد؟ أليس الوضع مرشحاً أيضاً لمزيد من التدهور والانهيار؟ ماذا يحمل المستقبل بدوره للمغرب؟
لم يبق غير دول الخليج حتى الآن بمنأى عن سلسلة الانهيارات التي تضرب ما يسمى بالعالم العربي، ولا ندري ماذا يمكن أن يحدث فيما لو تدهورت الأوضاع حولها؟
في الختام، لا يمكن أن نبرئ مشاريع وصراعات الكبار والصغار في المنطقة مما يحدث لنا، لكن ماذا فعل من يسمون بالعرب سوى تقديم أنفسهم كأدوات والمشاركة في المؤامرات والمخططات الخارجية ودفع بلادهم وشعوبهم إلى الجحيم؟ هل كانت الفوضى الأمريكية الهلاكة أو التدخلات الإقليمية في بلادنا لتنجح لولا الأدوات العربية التي تعاونت معها لإيصالنا إلى هنا؟
إن كارثة ما يسمى بالعالم العربي الذي يتجه سريعاً نحو الحضيض لا تكمن فقط في تكالب القوى الكبرى عليه، بل لأن غالبية الأنظمة العربية لم تستقل مطلقاً، إنما كانت منذ الاستقلال المزعوم وحتى الآن مجرد مرتزقة ووكلاء للكفيل الخارجي تنفذ ما يريده لا ما تريده شعوبها، لهذا تضحي تلك الأنظمة اليوم بأوطان وشعوب خدمة لمشغليها، دون أن تدري أنها هي نفسها أيضاً ذاهبة إلى مزابل التاريخ.
وبدلاً من أن نسأل ماذا بقي من الربيع العربي بعد ثلاثة عشر عاماً، تعالوا نعكس السؤال: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي سوى أنظمة هزيلة متهالكة تعيش ذليلة بلا حول ولا قوة تحت حراب وحماية الغزاة والمحتلين؟

كاتب واعلامي سوري
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول alaa:

    عندما كانت الدول العربية محتلة من الدول الاستعمارية كانت هناك مقاومة شعبيه وليس من الجيوش ولا الشرطه ووجد الاستعمار نفسه يستنزف فجاء بثلة من قادة الجيوش ومكنوهم من حكم هذه الدول بشرط الولاء — وحتي هذه اللحظه والقادة العسكريين الاشاوس يحكمون بقوة السلاح علي الشعب فقط هم اصبحوا عملاء صغار للمحتل ولذلك نري الدول العربية منكوبه ومنهوبه ومن يعترض فالسجون مكتظة وعذاب اليم — اظن ان الشعب فهم ذلك ويريد الخلاص ولكن الخوف يمنعهم وان يرجعوا لله فلا خوف عليهم ولا يحزنون ولننظر اخواننا في غزة كيف بهدلوا ام الكيان الصهيوني وهم قلة قليلة بالنسبة لبلاد الغرب وعلي راسهم امريكا –ندعوا الله ان نري الحق حق ويرزقنا اتباعه ونري الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه

  2. يقول Ahlan:

    لماذا لم تذكر مصر السيسي!؟

  3. يقول محمد السبيعي:

    وكأنما الكاتب يقول : هلك الناس. الدول العربية لابد لها من توحييييييد….هذا الشئ الوحيد الذي سيجعل العرب قوة لا يستهان بها ….والغرب يعلم ذالك، لذالك يعين اقتصاديا أو عسكريا دولة على حساب جارتتها، بل حتى حكومة على حساب شعبها…حتى يفرق ويشتت ويضمن عدم وجود حتى التفكير في ا لتوحيد

  4. يقول skylab:

    لأنه غير موجود اصلا فهل تريدون إنهيار الوهم ام ماذا؟

  5. يقول الهادي المشعال:

    السؤال : هل يختلف الامر في بقية الدول الاخرى الفقيرة والضعيفة في العالم .. اليست كلها مرتعا لمخابرات وعصابات الدول الكبرى ومؤامراتها .. انظر الى اغلب دول الجنوب وخيراتها وثرواتها وشعوبها وحكامها .. لا يختلف حالهم على حال العرب .. الفارق ان العرب اصحاب رسالة .. وضيعوها ..

  6. يقول كريم إلياس/....:

    بإختصار شديد…أصاب الدكتور فيصل ،كبد الحقيقة..التي لا يريد البعض الاعتراف بها ، هذا هو حالنا و هذه هي حقيقة اوطاننا ..التي يحكمها وكلاء الاستعمار …و مهما كثرت التبريرات ،فلن يتغير واقعنا في ظل حكم هؤولاء الذين ذكرهم الدكتور فيصل القاسم..

  7. يقول سمير الجزائري:

    لماذا لا يقدم الاشقاء العرب يد العون الى الجزائر و هي تحاول الخروج من النفق ، و لماذا تعمل الإمارات جاهدة و بكل ماأوتيت من قوة الى زرع البلبلة و الفوضى في الجزائر ، اليست الجزائر احسن من كثير من الدول العربية فلماذا يتحفظ العرب و بالاخص الخليجيون على الامساك بيدها لتصبح دولة ذات اقتصاد فعال ، و لماذا تلجأ الجزائر الى الصينيين و الامريكيين و …..لتجاوز مرحلتها الانتقالية ، المشكلة فينا نحن ، نحن فقط من نرفض ان نتطور اذا كان هذا البلد و سياسته لا تخدم الاجندة الخاصة بنا ، علينا أولا ان نراجع أنفسنا و بعدها نحاسب إيران او غيرها ، اليست الجزائر دولة عربية اصيلة ، على كل حال الجزائر ان شاء الله في. الطريق الصحيح و ستستمر في يد العون الى تونس و ليبيا الى غاية الخروج من الطوق ، و ستصبح هذه المنطقة ذات وزن كبير ، دون الاعتماد على الغير

  8. يقول Hamid kharchouf:

    الوطن العربي عبارة عن مجموعة من المكونات التي يستحيل ان تنصهر فيما بينها . لذلك تراه يموت تباعا على طريقة الاجزاء .
    ان الفكر الديني الخرافي الذي يسيطر على العقل العربي منذ عصور و عقلية الانسان العربي المتحجرة و التي تسعى دائما الى التميز و السيطرة على الآخر باعتبار العربي المسلم يستلهم الاوامر و المعارف من الله ان كل هذه الخصوصيات كفيلة ان ان ينهار العالم العربي كاملا .

  9. يقول ابراهيم:

    اعتقد ان سبب ت تخلفنا نحن العرب هيا
    1 -هروب كل شخص من المسؤليه وتحميل غيره
    2-عدم التفسير العلمي المجرد من فكره المؤامرات
    3-الطبقيه والعنصريه في المجتمعات العربيه
    4-عدم الاعتراف بالخطا
    5-استخدام الدين لتفسير الفشل “امر الله “.واهمال الاسباب
    6- عدم تنظيم الاسر. وكثر الاولاد. وعدم الاهتمام بهم
    7 -اهمال تعليم النساء. وهن مصنع الاجيال .
    8- ………..

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية