لماذا يُفرجُ «يوتيوبر» عن مصريات معتقلات ويمتنع الإخوان؟

حجم الخط
0

تنتشر في مجالس الإخوان الخاصة بالغربة أسئلة مريرة عن واقعهم واستمراره لسنوات مقبلة ما دام الجنرال المنقلب المتغلب باقيا في مقعده كاتمًا على أنفاس المصريين في الداخل، ومانعًا للفارين من ظلمه وطغيانه من مجرد الحلم بالعودة بل ويتمدد نفوذه وسلطانه للأسف الشديد، ومنذ أشهر قليلة أضيفت معاناتهم وأسئلتهم وجحيمها مرير استفسار يبقى في أفواههم وحلوقهم غصة لا يظنون أنها تنفك، إذ كيف يستطيع اليوتيوبر المصري عبد الله الشريف تحريك ملف المعتقلات السياسيات والضغط على النظام في مساء الأحد الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي فيفرج عن 15 من المحبوسات على ذمة القضية 750 لعام 2019م حصر أمن دولة عليا في جلسة باليوم نفسه من إعلان الشريف، وجاء الحكم من جنايات القاهرة بعد نحو عامين من حبسهن، فيما يُعد أحد تداعيات الحلقة التي بثها على اليوتيوب قبل شهر بالضبط من الحكم، وبالتحديد في 9 من ديسمبر/كانون الثاني الماضي، مع وقفه لحلقة أخرى بها تسريب عن حادثة “لوكريبي”، فعقب بث الحلقة الأولى نجح “الشريف” بمفرده ضد النظام المصري بأكمله وخلال 5 أيام في إحراز هدفين في مرماه (لا ندري أيهما أشد خطورة وضراوة): أهو إثبات فساد النظام؟ أم قدرته على إخراج أبيه بعد 24 دقيقة فحسب من القبض؟

غموض القضية

وهو ما يعمق القضية وينشر مزيدًا من الغموض حولها، ويجعل كل متابع لملف الحريات بمصر يتعجب من استمرار معركة جماعة بحجم وانتشار وتاريخ الإخوان المسلمين (ملايين المنتمين وأكثر من 90 عامًا) والحدث في بلد النشأة مستمر مع نظام جاء الإخوان أنفسهم برأسه (السيسي)، ثم يكاد يهلكهم “حرفيًا” منذ أكثر من 8 سنوات ونصف السنة نظام دون إحرازهم ولو ذرة ما أحرزه اليوتيوبر “الشريف”ويؤمل أن يحرزه.
وللحقيقة فإننا أمام التسريب الأبرز لـ”الشريف” منذ انقلاب 3 من يوليو/تموز 2013م تطالعنا مفارقات وأحداثًا بالغة الغرابة، ومما يزيد في أهمية التسريب أن الجنرال الحاكم لمصر بالحديد والنار السيسي ليس مشاركًا فيه بشكل مباشر، أي أن تسريبًا (ليس السيسي فيه لا بلحمه وشحمه أو حتى صوته) يجيء بعد قرابة ثماني سنوات ونصف السنة من انقلابه فيقلب نظامه وقتيًا رأسًا على عقب، رغم المآخذ العديدة غير الجوهرية على التسريب لكن يبقى أن هناك مآخذ عمومًا، وما سبق كله يصب في صالح السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه على كل مجتهد في البحث عن الحقيقة في طوفان غلبة وحكم السيسي لدولة بحجم وعراقة تاريخ مصر: لماذا نجح الشريف بفضح النظام خلال حلقة مدتها نحو نصف الساعة وحذف حلقة أخرى وقتها مقارب؟ والأدهى والأشد مكرًا بتحرير والده المسن البالغ من العمر 74 عامًا في فترة وجيزة تمثل أقل من وقت إذاعة الحلقة الأولى ثم 15 معتقلة ظلمًا قبل مرور شهر على بثها، فيما الإخوان (في المقابل) أنفقوا مئات الملايين من الدولارات على مدار الفترة من الانقلاب حتى اليوم على الإعلام وكانت الحصيلة صفرًا كبيرًا ضخمًا عظيمًا للأسف الشديد، بالإضافة لاستمرار مأساة عشرات الآلاف من المعتقلين وأكثر منهم بأضعاف مضاعفة من المضارين والمطاردين؛ فضلًا عن عدد غير قليل من المعدومين ظلمًا وعدوانًا بلا تهمة أو جريرة (رحمهم الله وخفف عن الجميع)؟َ!

خفة المحارب

تكمن إجابة السؤال ببساطة فيما نرى في كون الشريف يتصرف بتلقائية ودون “أجندة” مسبقة من خيالات وترهات وأوهام ومزاعم قربى من الله زائفة، أو بمعنى أصح وأوضح الرجل يتحرك بخفة المحارب الذي يعرف أن ما لن يفعله لن يقوم الآخرون به، وبالتالي فلا مجال لديه للنوم و”الرحرحة” في الغربة وإلقاء المسؤولية على غيره من شركاء الكفاح المفترض، وهو وهم من البعيدين عن نيران الداخل، وحين تُكتشفُ الحقيقة المُرَّة وأن لا أحد منهما يقوم بدور يكاد يُذكر ينقسم شريكا الكفاح كل بفريقه .. فرح مستبشر بالمئات من حزبه والتمول، وهكذا دوالينا فحينها تبدأ اللعبة من جديد ويتكرر الاكتشاف ينقسم الطرف “الجديد” الأكثر عددًا والأعلى تمويلًا لطرفين آخرين (مرة أخرى) وهلم جرًا ونصبًا ورفعًا وكسرًا وتسكينًا للقضية.
ثانيًا: إن “الشريف” يفهم أنه “واحد” لن يقبل الانقسام وقد يُتوفى عند الوصول إليه، ما دام الانقسام صار مطمعًا وغاية لمن هم أكبر منه عددًا وتمويلًا ويفترض فيهم التعقل والتروي يدمنون الانقسامات على بعضهم وكأنهم انتصارات، فيما لا يهم الفرد في الجماعة أن يتوفى فقد عرف “الواصلون فيها” كيف يعتنون بحياتهم الخاصة على حساب الآخرين. ومن ثم لا يهمهم وفاة واحد أو حتى عدة آلاف طالما القادة هانئون منعمون يتنقلون بين المنافي يحملون أوراق القضية بل لعل، مزيدًا من الوفيات يزيد من قدرتهم على العويل والبكاء والتباكي (إن غار الدمع وذهب وقته من أرواحهم).
ثالثًا: إن “الشريف” يعرف جيدًا أن “الإعلام سَبَّقٌ” يقوم على عنصر الثقة المتبادلة من جانب المُتابع المواطن أولًا فلا يجب التلاعب به، لذلك تحلى “الشريف” بالموضوعية فلم يقم بدور من المُفترض أن يقوم السياسي به، أي لم يلبس كإعلامي دور السياسي ويخلط بينهما فلا يطال في النهاية “عنب الشام أو بلح اليمن” وبالتالي لم يزعم أو يفعل ما يفيد أنه “يصنع الخبر” أو “يدهن الهواء دوكو” بلغة المصريين من اولاد البلد.
رابعًا إن “الشريف” عرف حدوده فتلمس مكانته جيدًا فلم يزعم أو يدعي ما دندن له إعلام ومقربو الإخوان وتغنوا وطربوا من أن المعركة مع المؤسسة العسكرية في مصر “صفرية” وأنه قادم على “بساط الريح” للقضاء عليها.

صنابير الإعلام

وأخيرًا وليس آخرا “تعزز” الشريف فلم يطل على المصريين صباح مساء عبر صنابير الإعلام المفتوح، ولم ينصب نفسه في قناة وأخرى تعملان صباح مساء على حساب برنامج واحد مشهور بها، ثم تغلق السلطات التركية البرنامج فيكاد زخم القناة يتوقف.
وبناء على جسر الثقة بين “الشريف” والمشاهدين القائم على غير قليل من الموضوعية والتركيز والتعزز مع الظهور المحسوب، ازدهر برنامج الرجل فجاءته أهم التسريبات اليوم، مع مراعاة عدم زعمه أن لديه أكثر من 2800 ساعة تسريب (كما فعل أحدهم فلم يذع منها ساعة واحدة مكتملة).
أما كيف يقول الشريف بمفاوضته النظام وقدرته (التي نرجو أن تكون حقيقية مجددًا تفرج عن عدد آخر)؟ فيستند في هذا على إخراجه أبيه من الأسر بمجزوء نصف الساعة ثم المعتقلات قبل مرور شهر وذلك بمعرفته الشديدة للوقت الواجب واللازم للتنازل فيه وعدم “مناطحة” طواحين الهواء، فقد فهم “الشريف” رسالة النظام التي مؤداها أنه إن كذب ادعاء النظام بـ”ادعائه كذب تسريب الشريف نفسه” فسيسجن أباه المسن، وقد يتسبب في قتله، فتراجع “الشريف” فورًا، ونشر أمام الجميع على أحد مواقع التواصل أنه سيتوقف مقابل الإفراج عن أبيه، وهو الطعم الذي ابتلعه النظام لا “الشريف” فبإفراجه عن والده أثبت أن التسريب صحيح بخوف أتباع “السيسي” من الإبقاء على الأب فينفلت حبل المساومات مع “الشريف” فيفتضحون أكثر، عوضًا عن أن ذلك مخالف لجميع قواعد التفاوض المعروفة، ولم يكن الإخوان ممَّن فعلوا هذا لمرة واحدة للأسف الأشد لا بحياة الرئيس الراحل مرسي (رحمه الله) ولا بعد وفاته وحتى الآن، ولا نظن أنهم سيفعلون أو يقرأون “درس الشريف” الفرد المتفرد جيدًا (وهو الذي إن تعجل بإذاعة تسريبه دون تسديد بعض من الملاحظات عليه) لم يتعجل الانسياق خلف الأوهام ويرفض المساومة إبقاء على أبيه الأهم من “التسريب” لديه ثم المعتقلات البريئات المتضررات في السجون، ولها الله مصر إذ تبقى “محلك سر” لعدم فهم مقاومي السيسي السلميين لإمكانياتهم وطبيعة المرحلة فهمًا عقلًا متوازنًا فضلًا عن أن يكون جيدًا لتبقى حسرة المضارين وأسئلتهم حصاة في قلوبهم لا يبتلعونها ولا تنزاح مهما مرت الأيام!

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية