لن يستعيد العراق عافيته الا بعد رحيل الاحتلال وارهابه
هيفاء زنكنة لن يستعيد العراق عافيته الا بعد رحيل الاحتلال وارهابهأربع صور حفرتها مرحلة الاحتلال الانكلو ـ امريكي في الذاكرة العراقية حتي الآن. الاولي هي صورة الرجل العراقي المعتقل، مرتديا الدشداشة التقليدية، المعصوب العينين، المكبل اليدين، المرمي علي الارض، بينما يقف جندي الاحتلال بزيه العسكري المموه ونظاراته الشمسية ورشاشه، وهو يضغط بحذائه الثقيل علي رأس العراقي ليبقي وجهه ممرغا في التراب. يحاول العراقي، المعروف بعناده التاريخي، ان يرفع رأسه عن الارض، علي الرغم من كل الظروف القاهرة. الصورة الثانية هي اخراج جثث الضحايا من بين الانقاض او تجميع الاشلاء بعد قصف عشوائي او تفجير ارهابي. وقد بات بديهيا ان مصدر الارهاب في العراق هو ارهاب الاحتلال وسلطاته المحلية. لأن الاحتلال هو صنو الارهاب. الصورة الثالثة هي للاطفال العراقيين الواقفين علي جانبي الطرق، انتظارا لمرور الدبابات والآليات العسكرية لقوات الاحتلال، ليرموها بالحجارة. الطفل العراقي، مثل نظيره الفلسطيني، صار يعرف من هو عدوه وتعلم كيف يقاتله دفاعا عن وجوده. الصورة الرابعة هي للسياسي العراقي، وليد الاحتلال، معانقا سيده المحتل او منصتا بخشوع لكلماته لئلا تفوته كلمة سيتوجب عليه تكرارها فيما بعد. انه من ارتبط مصيريا بوجود قوات الاحتلال والمتوسل بابقائها حماية له. انه من يكرر في خطبه المنمقة، مصطلحات الارهاب العالمي ومحاربته في العراق، حماية للمواطن الامريكي، ودفاعا عن الأمن القومي الامريكي حتي آخر مواطن عراقي. اذا ما شئنا اقتباس جملة مشهورة لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل، القائل مرة، بانه سيقاتل دفاعا عن الامبراطورية البريطانية حتي آخر جندي هندي! هذه هي صور الاحتلال التي يصر سياسيو المرحلة، وهم الذين لم يتغيروا، بدءا من الجلبي وعلاوي ومرورا بالجعفري والطالباني والحكيم وانتهاء بموسي والياور والبارزاني، علي اعتبارها تحريرا. ويرون ان من واجبهم ان يسبحوا بحمد المحتل بكرة وأصيلا، رافعين اثناء التسبيح الاصبع البنفسجي. وهم انفسهم، الذين يقضون اوقاتهم، هذه الايام، كما فعلوا بعد العرس البنفسجي الاول، متنازعين علي مفاتيح الخزانات ومحاصصة المناصب، ملوحين في اوقات تصريحاتهم الصحافية، ارهابا وترويعا للناس، بأن الايام المقبلة ستكون اكثر ظلاما، وان التفجيرات ستكون أكثر عنفا وان عدد الضحايا سيزداد. وهم يفعلون ذلك لغرضين. الأول ان يبرروا للمواطنين ضرورة وجودهم وبالتالي وجود القوات الاجنبية. والثاني : ليظهروا، وكأنهم، باطلاقهم التحذيرات، ابرياء مما يجري، ليطهروا انفسهم من وزر مسؤولية الجرائم المرتكبة وعواقبها. يتظاهرون بالبراءة ليحموا أنفسهم من غضب الناس المتزايد، حيث يعيش المواطن عذاب الاحتلال وطغيان الميليشيات وانعكاسات المحاصصات، وتطبيق بنود سياسة الاحتلال الانكلو ـ امريكي، في كل المجالات، في جميع انحاء العراق وعلي جميع المواطنين، بالعدل والقسطاط. والامثلة علي ارتكاب الجرائم المستهدفة لحياة المواطن، مباشرة، كثيرة. ففي يوم الثلاثاء الماضي، أخرجت فرق الإنقاذ، من بين الانقاض، جثث ثمانية مدنيين بينهم نساء وأطفال، قتلوا عندما قصفت طائرات الاحتلال الامريكي منزلا في بيجي، شمال بغداد، يقيم فيه 14 شخصا. وكالعادة قال الناطق الرسمي باسم قوات الاحتلال بان: طائرة استطلاع رصدت ثلاثة أشخاص يزرعون عبوة ناسفة علي طريق قرب بيجي ليدخلوا بعد انتهائهم منزلا قريبا. بينما أكد غضبان حسن، رب العائلة، أن جميع أفراد أسرته المكونة من 14 شخصا هم ستة رجال وخمس نساء وثلاثة أطفال قد قتلوا نتيجة القصف. وقد ازدادت عمليات القصف الامريكي علي المدن من 25 عملية في شهر أيلول الي 120 عملية في شهر كانون الاول. فما الذي فعله الطالباني، رئيس الجمهورية السابق والمفاوض حاليا من أجل تجديد وظيفته بشروط عمل أفضل؟ هل وقع علي امر القاء القبض علي القوات الامريكية المسؤولة عن الجريمة، كما وقع علي طلب تمديد مدة بقائها في العراق من أجل حماية العراقيين، ادعاء؟ وبتاريخ 22 تشرين الثاني (اكتوبر)، أطلق الجنود الامريكيون النار علي عائلة في طريق العودة الي البيت عند المخرج الشرقي لمدينة بعقوبة. فقتلوا خمسة أفراد من بينهم ثلاثة أطفال دون الخامسة. واصيب ثلاثة آخرون هما امرأتان وطفلة. فهل ذكر علاوي، وهو الموجود، حاليا خارج العراق، لاجراء محادثات عن اقتسام المناصب، الحكومة المؤقتة بمسؤوليتها تجاه مواطنيها؟ وهل دعا سكرتير الحزب الشيوعي، شريك علاوي في القائمة الانتخابية، الي عقد اجتماع عاجل للجنة المركزية للحزب للتنديد بجرائم الراسمالية الامبريالية الامريكية؟ بتاريخ 8 كانون الاول (ديسمبر)، أطلق جندي امريكي النار علي شرطي المرور هيثم اللهيبي عندما كان يقوم بواجبه في التقاطع المروري في حي الضباط غرب مدينة الموصل بلا سبب. وفي يوم 22 من الشهر نفسه، اغتالت القوات الامريكية الشيخ عبد الله محمد زعين العاني، في منطقة حصيبة بمحافظة الانبار، بعد خروجه من صلاة المغرب. فهل قرأنا عن غضب الحكيم، وهو الذي قدمته الحملة الانتخابية كمرشد روحي، او سمعنا عن دعوة ليث كبة، وهو المؤمن بحقوق الانسان، الي اقامة مؤتمر صحافي لادانة جرائم قتل الابرياء، وهو أضعف الايمان؟ في يوم الاربعاء الماضي، لقي أكثر من 36 شخصا حتفهم وأصيب 40 آخرون في تفجير وسط جنازة ببلدة المقدادية التي تقع إلي الشمال الشرقي من بغداد. وفي يوم الخميس عاش أهلنا يوما داميا اخر راح ضحيته مئات القتلي والجرحي. حيث قتل اكثر من 120 شخصا في هجمات شهدتها مدن كربلاء والرمادي وبغداد، واصيب في الهجمات اكثر من 200 شخص. فما الذي فعله سياسيو التحرير الامريكي؟ هل اتصل الجلبي، وهو السياسي اللبق الذي اقنع الادارة الامريكية بكذبة خطر اسلحة الدمار الشامل العراقية علي العالم كله، بصديقه وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد ليقنعه بأن العراقيين ممتنون جدا لتحريرهم، وانهم حاربوا الارهاب بما فيه الكفاية، وان الوقت قد حان لتبادر الصديقة امريكا بتحرير بلد آخر، وأن تحارب الارهاب فيه، تماما كما تفعل الآن في العراق؟ وماذا عن القوي الأمين المفاوض، ثانية، علي منصب رئيس الوزراء، علي الرغم من جرائم القتل والاعتقال والتعذيب والقصف والفساد وبيع العقود التي تمت في ظله؟ ماذا عن الجعفري المتنافس مع الأمين الآخر المدعو عادل عبد المهدي؟ كيف سيتعامل الجعفري مع جرائم القتل المباشرة والموثقة ضد قوات الاحتلال، وغير المباشرة الناتجة عن تمديد بقائها، هل سيطالبها بالرحيل لانها تجاوزت الخطوط الحمراء التي رسمها وحزبه قبل الانتخابات الاولي، هل سيطالبها بمغادرة العراق لان بقائها مرهون بطلب الحكومة العراقية المنتخبة ذات السيادة والاستقلال، كما يقال لنا يوميا؟ هل سيطالب، سوية مع الرئيس المرشح الطالباني بوضع الرئيس الامريكي بوش ووزير دفاعه رامسفيلد ووزير خارجيته السابق كولن باول ووزيرة الخارجية كوندليسا رايس ونائبه دك تشيني في قفص الاتهام لارتكابهم جرائم حرب ضد الشعب العراقي؟ من بينها، حصرا، قصف البيوت وقتل النساء والاطفال، وجلب الارهاب الي العراق؟ لا أعتقد ذلك. ان انجازات الحكومة العراقية المقبلة التي ستشكل بناءا علي التوازنات الحالية ووفق منظور سياسة الاحتلال وباشراف السفير الامريكي، مهما كان اسمه، لن تقوم بما هو اكثر مما قامت به الحكومات المؤقتة السابقة. ما لم يجبرها الشعب العراقي بمقاومته، علي المطالبة الفورية برحيل قوات الاحتلال وتعويض الشعب العراقي عما سببته من خراب ودمار وقتل. وليس من الصعب، اطلاقا، استشفاف سياسة الحكومة المقبلة، في ظل مرجعية الاحتلال. يكفينا ان نقرأ الخبر التالي الذي نشرته صحيفة الصباح الجديد العراقية، عن خطة الجعفري، لاحلال السلام في العراق وحل كل مشاكله، لنفهم مدي جهل أو تجاهل سياسي الاحتلال لطبيعة أهلنا. يقول الخبر: (كشف مصدر مسؤول في مكتب رئيس الوزراء عن اصدار الدكتور ابراهيم الجعفري اوامره الي القوات الامنية بوضع خطة محكمة للتصدي للاعمال الارهابية المتوقع زيادتها خلال المرحلة المقبلة خصوصا بعد تحدي العراقيين لجميع التهديدات ومشاركتهم في الانتخابات.واضاف المصدر، ان الجعفري طالب بانجاز هذه الخطة علي وجه الدقة والسرعة مشيرا الي ان اوامره جاءت بعد زيادة العمليات الارهابية التي استهدفت قوات الامن العراقية وارواح الابرياء من المدنيين.واشار الي ان الجعفري اكد علي قدرة القوات الامنية في التصدي لقوي الشر والارهاب التي تهدف الي افشال العملية السياسية فضلا عن سعيها الي تأخير الاعمار في البلاد خصوصا بعد ان تمت المصادقة علي مشاريع وصفها بالجبارة تتعلق بجميع مفاصل الحياة والمشاريع الخدمية. وقال المصدر: ان الجعفري دعا القوات الامنية ان تضع في الاعتبار احترام كرامة المواطن اثناء تأدية واجباتهم اليومية واحترام حقوقه مؤكدا علي رفض الحكومة التعامل مع المواطن بالعنف مؤكدا ضرورة التعامل بكل شفافية مع المواطنين واعطاء حقوقهم وتطبيق الواجبات عليهم حسب القانون).لقد فشل سياسيو الاحتلال في تقديم ابسط الخدمات لابناء شعبنا وتمثيل مصالحهم وطموحاتهم، وعجزوا عن حماية حياة المواطن لاستغراقهم في تمثيل سياسة ومصالح الاحتلال. وبلغوا ذروة الاستهانة بالشعب العراقي عندما تبنوا، خطاب الاحتلال المدافع والحريص علي وطنية وحياة الامريكي حصرا، ليشاركوا في عمليات المداهمات والاعتقال العشوائي والاعتقالات والتعذيب والقتل، حتي أصبح وجودهم المرتبط بالاحتلال من خلال حبل سرة المصالح الشخصية والطائفية والعرقية عامل تخريب وتهديم لوحدة العراق وهويته وتاريخه. ولن يتمكن العراق من استعادة عافيته وبناء مستقبله الا بعد رحيل قوات الاحتلال وسياسييه وارهابه. 9