في أحد تصريحاته المنفعلة الأسبوع الماضي هدد وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو بالانتقام من الجزائر بسبب موضوع «الناشطين الرقميين» الجزائريين الذين يُتابَع بعضهم أمنيا وقضائيا بتهم تتعلق بتهديد الأمن العام في فرنسا. عندما سئل الوزير روتايو هل يفكّر في عقوبات ما على الجزائر قال: لدينا الكثير من الأوراق لكنني لا أفضل الخوض فيها علنا الآن.
على الأغلب يستوحي الوزير لغته في الأزمة الحالية مع الجزائر من السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه دريانكور. دريانكور هو منظّر النقاشات في فرنسا حول الجزائر، يلقي بالعناوين والأفكار ويترك «المحللين» و«الخبراء» يتقاذفونها. بحكم عمله سفيرا في الجزائر فترتين متقطعتين تصل مدتهما إلى ثماني سنوات، يصرُّ دريانكور على أن الجزائريين مستفيدون في موضوع الزيارات والإقامات من امتيازات كثيرة بموجب اتفاقية كانون الأول (ديسمبر) 1968 بين الجزائر وفرنسا. وانسجاما مع المزاج اليميني العنصري الغالب حاليا في فرنسا، وبحكم معرفته بالجزائر، بادر إلى الترويج لفكرة أن فرنسا تمتلك الكثير من الأوراق لليّ ذراع الجزائر، منها معاقبتها بإلغاء هذه الاتفاقية وما يعنيه ذلك من تقليص أعداد وأنواع التأشيرات الممنوحة للجزائريين، والتضييق على حرياتهم وحياتهم في الأراضي الفرنسية.
عندما تتابع النقاشات الإعلامية الفرنسية، والكثير منها أقرب إلى سيرك (يشبه كثيرا سيرك القنوات التلفزيونية المصرية) يُخيّل لك أن أفضال فرنسا على الجزائر لا حصر لها، وأن باريس مجرد جمعية خيرية تضحي بالوقت والجهد والموارد من أجل الجزائر والجزائريين دون مقابل.
وبالنظر إلى تحوّل موضوع «اتفاقية 1968» إلى ورقة مساومة ونقاش ممل، أتساءل لماذا لا يبادر المسؤولون الجزائريون إلى تنفيذ ما يهدد به الساسة الفرنسيون وعنصريو اليمين في الحكم وخارجه. لو كنت صاحب قرار لفعلتها ثم نرى من الخاسر. أجعل البداية إبلاغ الفرنسيين بأنني سأريحهم من الحرج بإلغاء الاتفاقية لانتفاء الحاجة إليها، ثم تنفيذ القرار قبل انقضاء اليوم نفسه. لديَّ يقين أننا لو استطلعنا آراء عيّنة من الجزائريين، في الجزائر وفي فرنسا، ماذا يعرفون عن الاتفاقية وماذا يستفيدون منها لكانت النتيجة 90٪ لا يعرفون عنها شيئا، و5٪ يسمعون عنها ولا يستفيدون منها بأي شكل، والـ5٪ المتبقية ربما استفادوا من الاتفاقية في سياق ما. بمثل هذه الأرقام، وهي غير بعيدة عن الواقع، لا توجد ضرورة لبقاء الاتفاقية ورقة في يد عتاة العنصريين يصرخون بها كل يوم ويبتزوننا بها.
الشعب الفلسطيني كانت فرحته عارمة بإسقاط الشعب السوري لنظام المجرم بشار الأسد، خاصة أن اللاجئين الفلسطينيين عانوا كما عانى الشعب السوري من ظلم واستبداد
ممَّا الخوف؟ الضغوط الاقتصادية والتجارية؟ اهذا لنوع من العلاقات بين البلدين طريق ذو اتجاهين، فرنسا حاليا مستفيدة فيه تجاريا أكثر من الجزائر. المساعدات الاقتصادية؟ أرقام تافهة لتمويل غير مباشر يخدم مصالح فرنسا قبل الجزائر، وفق موقع فرنس إنفو الإخباري. حرمان المسؤولين الجزائريين من التأشيرات الدبلوماسية؟ ليتهم يفعلونها ليكتشف بعض المسؤولين الجزائريين أن العالم ليس فرنسا وينقطع الحبل السرّي الذي يربطهم بباريس. إضافة إلى أن مثل هذا القرار هذا سيحرم الخزينة الفرنسية من مداخيل معتبرة وسيقابله أيضا انتقام يضع مصالح فرنسا في الجزائر في خطر. حرمان عامة الجزائريين من التأشيرات؟ فرنسا ليست الجنة. سيتأثر الجزائريون حتما ويتألمون، لكن التأثير على فرنسا لن يكون أقل، ماليا بدايةً ثم على سمعتها. حرمان طلاب العلم الجزائريين من التأشيرات؟ على الفرنسيين أن يطلبوا رأي عمداء الجامعات وقادة المؤسسات العلمية قبل أن يفكروا في قرار كهذا. التحقيق في ممتلكات وأرصدة رموز النظام الجزائري في فرنسا ومصادرتها؟ هذا حلم ومطلب 40 مليون جزائري يتألمون لأموالهم المنهوبة طيلة السنوات الماضية والمخزّنة في المصارف والشركات الفرنسية. ليت فرنسا تحققه لهم، لكنها لن تفعل لأنها متواطئة ومستفيدة مثل تواطئها واستفادتها من ثروات العديد من الطغاة الأفارقة وعائلاتهم.
غير أن المشهد يبدو حاليا أقرب إلى معركة علاقات عامة أكثر منه أزمة دبلوماسية حقيقية. ورغم أن الصراع شهد تصعيدا خلال الأيام الماضية، يبقى نوعا من الصراع يرضي العاصمتين طالما لا يتدحرج نحو الأسوأ.
من أسباب التصعيد الأخير ما سُمّيت «قضية المؤثرين» الجزائريين في فرنسا. كتبت في هذه المساحة في مناسبات سابقة أن النظام الحاكم في الجزائر قد يكون فاشلا في البناء، لكنه بارع في الهدم وفي وضع العصي في الدواليب. والفرنسيون يثبتون صحة هذه الكلام مرة تلو الأخرى، آخرها عندما «شحنوا» الناشط على وسائط التواصل الاجتماعي «بوعلام ن» المدعو «دوالم» في طائرة نحو الجزائر عقابا له على منشورات وُصفت بالخطيرة على النظام العام في فرنسا، رغم أن محاكمته كانت مقررة نهاية الشهر المقبل. «شحنه» وزير الداخلية مثل طرد فقط لإرضاء حلفائه العنصريين ناسيا أنه بذلك القرار أوقع نفسه في فخ وفضيحة.
منذ بداية «أزمة المؤثرين» بدا النظام الجزائري على ثقة أن المسؤولين الفرنسيين مقبلون على هفوات تكلفهم معركة العلاقات العامة التي قرروا خوضها مع الجزائر. انتظروا الفرصة فكانت في طرد «بوعلام ن». كان يكفي أن تعيد الجزائر الرجل أدراجه في الطائرة نفسها التي أقلّته ليتضح عجز المسؤولين الفرنسيين وقلة حيلتهم، والسبب أنهم في قبضة يمينيين شعبويين يتقنون الثرثرة السياسية عن الجزائر لأنها لا تكلفهم شيئا، ولأنهم لا يحسبون جيدا تأثيرها على فرنسا ومصالحها.
كان يكفي أن يثير الجزائريون خللا هنا وآخر هناك في التفاصيل القانونية وإجراءات الترحيل ليسقط رهان الفرنسيين في الماء. راهن الفرنسيون، يتقدمهم وزير الداخلية روتايو، على أن يشكّل ترحيل «بوعلام ن» سابقة تُسهّل لهم حسم حالات أخرى لناشطين جزائريين معرّضين للمساءلة القانونية في فرنسا بالتهم ذاتها التي يتابَع بها «بوعلام ن». أراد الفرنسيون نقل معركتهم إلى الجزائر فانقلب السحر على الساحر بقرار بسيط لم يكلف الطرف الجزائري شيئا.
«معركة المؤثرين» مجرد تفصيل في معركة علاقات عامة تريد كلٌّ من فرنسا والجزائر كسبها لأنها معركة كبرياء.
إذا كان من فائدة لهذه المعركة أنها كشفت تراجع المستوى السياسي للمسؤولين الفرنسيين، وهو مستوى هواة وشعبوي لا يرقى إلى فرنسا شيراك وميتران وجيسكار ديستان وغيرهم، ولا يليق بها.
كاتب صحافي جزائري
مسألة ما يسمى بالمؤثرين هي مجرد فقاعة بسيطة قصد بها الالهاء عن حقائق أعمق واخطر..تتعلق بعلاقة فرنسا مع المسؤولين والنظام الجزائري منذ قرار ديغول بإجراء الاستفتاء..وتوقيع إتفاقية ايفيان التي لازالت أغلب بنودها غير مكشوف للعموم..سواء من أغلبية الشعب.. أو من المتخصصين..
شكرا لك استاذ مقال رائع وفي نفس الوقت لتوعية الجزائريين العاشقين لفرنسا
نحن نناقش أزمة..
.
لكن السؤال .. لماذا أزمة..
.
ألا يقول نظام الجزائر انه ليس طرفا في ملف البوليياريو..
.
لذلك لا يريد الجلوس حول طاولة مستديرة كما أمر مجلس الأمن..
.
أليست قرارت فرنسا وامريكا .. الخ . قرارات سيادية تحترم كما هي..
1)- على الأغلب يستوحي وزير الداخلية الفرنسي ، برونو روتايو ، لغته في الأزمة الحالية ، المفتعلة ، مع الجزائر من السفير الفرنسي السابق في الجزائر ، منظّر النقاشات في فرنسا حول الجزائر، بحكم قضائه ثماني سنوات بها والادعاء معرفته الكاملة بها ، يلقي بالعناوين والأفكار ، ويروج لفكرة أن فرنسا تمتلك الكثير من الأوراق لليّ ذراع الجزائر ، ثم يترك «المحللين» و«الخبراء» يتقاذفونها ، انسجاما مع المزاج اليميني العنصري الغالب حاليا في فرنسا، ويروج لفكرة أن فرنسا تمتلك الكثير من الأوراق لليّ ذراع الجزائر .
لكن من يملك الحد الأدنى من التروي والذكاء يدرك أن السفير الفرنسي السابق في الجزائر ، الذي أمضى 8 سنوات فيها ، لا يعرفها وإلا لما اعترف بأن الجزائر لغز (“L’Énigme algérienne”) من الصعب فهمه وحله .
ويبدو أن الساسة الفرنسيين وعنصريي اليمين المتطرف ، في الحكم وفي خارجه الآن ، هم الذين أصبحوا يتنافسون في “سيرك عمار” على الهدم وعلى من يتموقع في أقصى اليمين أكثر من زميله حتى أصبح الأفارقة ، حكاما ومواطنين ، يتندرون بأقوالهم وبتصرفاتهم .
2)- أظن أن الغالبية العظمى من الجزائريين يتألمون لأموالهم المنهوبة طيلة السنوات الماضية والمخزّنة في المصارف والشركات والعقارات الفرنسية ، ويتمنون لو أن “اتفاقية 1968” ألغيت أولا لكي “يتهنى الفرطاس من حكان الراس” ، وثانيا لا أعتقد أنهم راضون على المسؤولين الذين يحكمون الجزائر وعائلاتهم في فرنسا ويلتحقون بها بمجرد انتهاء مهماتهم ، ولا على الذين يهاجرون إليها بعد فقدان المنصب لصرف أموال الخزينة الجزائرية هناك .
ازمه خلقها اليمين المتطرفة المتحالف مع الصهاينه ، وسوف تنفرج ، لان العلاقه قاءيمه علي المصالح المشتركه وجاليه عددها اكتر من 7مليون
إرحموا عزيز قوم ذل ” فرنسا تعرضت للإذلال على يد أحرار أفريقيا الذين أنهو وجودها بالقارة لينتهي بها المطاف معزولة بإحدى المحميات كأخر معاقلها بالقارة.